المرأة العربية تعبر بوابة السينما العالمية بخطى ثابتة

على خطى السينمائيات في الغرب تكافح السينمائيات في دول المنطقة العربية لفرض وجودهن وإثبات موهبتهن وعرض قضاياهن من بوابة الفن السابع، ويجدن في المهرجانات العالمية فرصة سانحة لتوجيه رسالة إلى العالم مفادها أنهن يدافعن عن حقهن في الإبداع، وأن جيلا نسويا جديدا أثبت موهبته ونجاحه في اقتحام إنتاج السينما بقوة من خلال براعة النساء في مجالات متنوعة في هذه المجال مثل التصوير والمونتاج وكتابة السيناريو.
تونس - رغم ما يواجههن من صعوبات خاصة في مستوى الحضور الذي ما زال ضعيفا في المناسبات الفنية الكبرى، حيث بات سؤال أين النساء في المهرجانات الكبرى مكررا في كل سنة، حفّزت الممثلة والمخرجة الأميركية جودي فوستر التي تحصلت على سعفة ذهبية فخرية الأربعاء في مهرجان كان نساء دول العالم على المزيد من الإنتاج والإبداع، حيث تغير الواقع وأصبح الجمهور أكثر إقبالا وانفتاحا على السينما النسوية.
وفي رسالة ملهمة أثناء دورة تدريبية نظمها مهرجان كان السينمائي الأربعاء أكدت فوستر أن “الوقت حان للنساء!”، وأن اللحظة المناسبة لاقتحام النساء الإنتاج السينمائي قد حانت، مشجعةً الممثلات الطموحات والمخرجات وفنيات الأفلام على الانطلاق.
وأردفت “إنها اللحظة المناسبة الآن، إذ ثمة حالياً وعي، ولو أن الأمور لم تتغير تماماً، بأن وقتاً طويلاً مرّ لم نسمع فيه قصص نساء”.
وردا على سؤال عن التكافؤ بين الرجال والنساء في هوليوود، لاحظت الممثلة والمخرجة الحائزة على جائزة الأوسكار أن “الكثير تغير”. وأضافت “عندما بدأت مسيرتي المهنية لم تكن هناك نساء (…) كانت توجد خبيرة التجميل، والمرأة التي تهتم بالسيناريو. ولم أكن أرى أي نساء باستثنائهما. هذا الواقع تغيّر”.
وعن تسلمّها خلال افتتاح المهرجان مساء الثلاثاء سعفة ذهبية فخرية من المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار عن مجمل مسيرتها الفنية، قالت إنها لحظة مؤثرة لأن ألمودوفار هو مؤلف “أول سينما نسوية”.
والسينما النسوية التي تتحدث عنها فوستر لا تنحصر في المخرجات فقط، بل تتحدث عن دور النساء بشكل أعم في عالم الإنتاج السينمائي، اللواتي يعملن في المونتاج والماكير والإضاءة وإدارة الإنتاج، وهي جميعها كانت مقتصرة على الرجال فقط،، لكن الآن دخلت النساء فيها وفرضن وجودهن.
التجارب النسائية في الإنتاج السينمائي المصري برهنت أن المرأة قادرة على منافسة الرجل، وربما التفوق عليه في تقديم محتوى فني فريد
وتحفز كلمات فوستر النساء عاشقات الفن السابع في جميع أنحاء العالم خاصة من دول المنطقة العربية، وبلا شك سيلتقطن كلماتها وستحفزهن على الإنتاج والإبداع وتخطي الهيمنة الذكورية على هذا المجال، خاصة وأنهن يواجهن تحدّي تغيير النظرة الدونية لغالبية المجتمعات العربية التي ما زالت غير مقتنعة بامرأة عاملة في مجال الفن سواء وقفت أمام الكاميرا أو خلفها.
ومن خلال مشاركتهن في المهرجانات الدولية تسعى السينمائيات لحجز مكانهن في عالم السينما. ولاحظ المتابعون أن الدورة الـ74 لمهرجان كان السينمائي الدولي تتميز بحضور عربي نسوي ملفت سواء على مستوى الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، أو على مستوى لجان التحكيم.
وفيما انضمت إلى لجنة تحكيم مسابقتي الأفلام القصيرة ومسابقة “سيني فونداسيون” المخرجة التونسية كوثر بن هنية التي ترشح فيلمها “الرجل الذي باع ظهره” لجائزة الأوسكار هذا العام، حيث نافس في فئة الأفلام الروائية الدولية، تنافس المخرجة حفصية حرزي التونسية – الجزائرية على مسابقة قسم “نظرة ما”، ثاني أهم الأقسام بعد المسابقة الرسمية بفيلم “أم طيبة”.
وهذه المشاركة النسوية العربية ليست الأولى من نوعها، وسبق أن حققت مخرجات عربيات المفاجأة مثل اللبنانية نادين لبكي التي فازت بلجنة التحكيم سنة 2018 عن فيلم سينمائي يروي قصة لاجئ سوري يحمل عنوان “كفر ناعوم”.ويلفت نقاد ومتابعون إلى أن سينما المرأة في العالم العربي حققت شوطا كبيرا وفرضت النساء وجودهن في هذا المجال دون الاكتفاء بمهمة الإخراج أو التمثيل، وأن العقلية الذكورية لم تعد عائقا أمامهن، وعلى العكس فإن أعمالهن محل اهتمام ومتابعة جماهيرية واسعة، خاصة أن عين المخرجة بشكل خاص أفضل في نقل قضايا المجتمع وهموم النساء بشكل خاص إلى المشاهد.
وأكدت المخرجة العراقية خيرية المنصور في حديثها لـ”العرب” أن “الإبداع ليس حكرا على الرجال”. وبرأيها “قد تكون المرأة أكثر إبداعا من الرجل لو تهيأت لها فرص الرجال”.
والمنصور هي المرأة العراقية الوحيدة، التي اقتحمت ميدان الإخراج السينمائي وبرعت فيه وقدمت فيلمين روائيين طويلين والعشرات من الأفلام القصيرة بالإضافة إلى مسلسلين تلفزيونيين، حتى عدّها النقاد علامة بارزة في السينما العراقية وضمير المشاهد العراقي، كما لها تجربة فنية مميزة مع المخرج المصري الراحل يوسف شاهين.
وترى المنصور أن “عدد المخرجات أو اللواتي يشتغلن بعالم السينما قليل جدا في عالمنا العربي”. وعزت ذلك إلى جملة من الأسباب، أبرزها أن “مجتمعنا العربي لا يزال مجتمعا ذكوريا يهيمن عليه الرجل، كما أن المنتج العربي ليست لديه الثقة الكافية بإبداع المرأة”.

خميّس الخياطي: المرأة العربية بات لديها حضور أكثر من السابق في السينما والسمعي البصري
وبرأيها “أهم سبب هو أن المنتج العربي يخاف من عمل المرأة وذلك لأن المرأة حينما تتناول موضوعا سوف تمسك معولا وتهدم كل العادات والتقاليد التي تسود المجتمع وتعيق عملها، ولا تهمها تلك التقاليد والأعراف وتدعو إلى الأحسن”. وهنا تكمن المشكلة، حسب تقديرها، لأن المنتج يخشى الخروج عن العادات والتقاليد ويخاف من عزوف المجتمع عن مشاهدة فيلمه وبذلك سيخسر أمواله وهذا عنده أهم من الثقافة والتنوير للنهوض بالمجتمع.
وتعتقد المنصور أن المرأة تحتاج منتجا من النوع الثوري الذي يؤمن بقدرات المرأة المبدعة ولا يخشى المجتمع الذي يتستّر بعادات وتقاليد بالية، متسائلة “ولكن من أين نأتي بهذا المنتج الثوري الذي يؤمن بقدرات المرأة”.
وتابعت بالقول “لذلك نجد المرأة تبحث عن تمويل لأفلامها عن طريق الجمعيات والمنظمات الثقافية، وهذا غير كاف لأن هذه المنظمات والجمعيات لا تلبي احتياجات الفيلم ما يجعلها تبتعد كثيرا من المواضيع التي تتطلب كلفة عالية”.
ورغم ذلك هناك مخرجات معدودات في مصر وتونس وفلسطين وبيروت وغيرها استطعن أن يكسرن حاجز التعتيم على أعمالهن ويشاركن في مهرجانات دولية وحصدن جوائز عالمية. وخلصت المنصور إلى أن “المرأة السينمائية تحتاج إلى منتج يمول فيلمها من النوع الثوري الذي يؤمن بقدراتها وإبداعها.. وسوف يأتي هذا اليوم عاجلا أم أجلا”.
ويشير الناقد السينمائي التونسي خميس الخياطي في حديثه لـ”العرب” إلى أن “المرأة العربية اقتحمت عالم السينما منذ السابق، وحضورها قوي، ولا توجد تفرقة بين الجنسين في هذا المجال”.
وبرأيه فإن “التفرقة بين الجنسين في مجال السينما مفتعلة لأنه لا يمكن للسينما أن توجد دون الجنسين”.
ولاحظ كيف باتت مهنة المونتاج من اختصاص المرأة، وفي تقديره أفضل من يعمل في هذا المجال هن النساء، كما أنهن يساهمن في الإنتاج وتمويل الأعمال الفنية.
وفيما أكد الخياطي أن المرأة العربية بات لديها حضور أكثر من السابق في السينما والمجال السمعي البصري، تقدم تجربة المرأة المصرية في عالم السينما خير دليل على هذا النجاح النسوي، حيث نجحت المرأة في مصر في التمرد على العرف والذكورية وكان ذلك بداية لإثبات الإبداع.
التجربة المصرية
عكس تهافت الفتيات في مصر على الالتحاق بأول مدرسة متخصصة في تكنولوجيا الفنون والسينما أنشأتها الحكومة قبل عام، أن مصر على موعد مع عودة قوية للعنصر النسائي في المجال السينمائي بعد فترة من ابتعاد المرأة عن الانخراط كما كانت في كل ما يرتبط بهذا المجال على مستوى الإخراج والمونتاج والماكير والإضاءة والتصوير والخدع البصرية وغيرها.
وبرهنت التجارب النسائية في الإنتاج السينمائي المصري أن المرأة قادرة على منافسة الرجل، وربما التفوق عليه في تقديم محتوى فني جماهيري فريد، شريطة أن تكون لديها الشجاعة والجرأة والاستقلالية التي لا تضعها تحت رحمة الرجل، وتنجو بنفسها من الاحتكار الشائع في المهنة من شركات الإنتاج والكتاب السينمائيين لتصنع ذاتها.
وكانت عزيزة أمير أول مصرية تقتحم مجال الإنتاج السينمائي مطلع القرن العشرين (1901)، ولم تلق بالا لدعوات انتشرت وقتها بأن هذا المجال للرجال فقط، ونجحت في تقديم مواهب فنية كثيرة للسينما المصرية، وأنتجت مجموعة أفلام صنعت حراكا فكريا وجعلتها قدوة لنساء جيلها من المغرمات بالفن، مثل فاطمة رشدي وآسيا داغر.

ماجدة خيرالله: المرأة السينمائية في أي تخصص يرتبط بهذا المجال لديها قدرة خيالية على الابتكار
وأثبتت السينمائيات على مدار سنوات طويلة مضت أن المرأة بشكل عام لديها أسلوبها الخاص في الابتكار ومعالجة القضايا بشكل غير تقليدي والتفنن في تقديم كل جديد، وقد برعن في مهنة الماكير بحكم خصوصيتها.
ورغم امتلاك الكثير من المصريات مواهب في إنتاج السينما عموما ظل عدد العاملات منهن في المجال محدودا على مستوى الإنتاج والإخراج وكتابة السيناريو، وإن كانت اللاتي آمنّ منهن بقدراتهن استطعن حجز مكانة جماهيرية، أمثال نادية حمزة، كاملة أبوذكري، ساندرا نشأت، هالة خليل، إيناس الدغيدي وأسماء البكري.
وإذا كان يصعب تحقيق نجاح في السينما دون مشاركة المرأة في الأدوار التي تظهر أمام الجمهور على الشاشات، فهناك فرق نسائية خلف الكواليس أدوارها لا تقل أهمية عن التمثيل، خاصة المهن المرتبطة بالمونتاج والإضاءة وأجهزة الصوت والخدع والمؤثرات الفنية والماكياج والتنكر وتشغيل أجهزة التصوير.
ونجحت سينمائيات مصريات في إظهار بصماتهن سريعا، واستطعن سحب البساط من تحت أقدام الرجال، فالمرأة التي تعمل في هذا المجال لديها مهارة التركيز في التفاصيل الدقيقة التي تخدم العمل السينمائي، عكس الرجل الذي قد يتهاون في بعض النواحي بحكم طبيعته الشخصية، ما جعل السينمائية مستهدفة لأنها تكسب سباق التميز.
واعتبرت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله أن المرأة السينمائية في أي تخصص يرتبط بهذا المجال لديها قدرة خيالية على ابتكار أشياء يصعب على الرجل الوصول إليها مهما كانت إمكانياته، لذلك فهي دائما مؤهلة للنجاح وحجز مكانة ربما يصعب على بعض الرجال الوصول إليها، لذلك تحارب أحيانا بداعي أن النساء ليس بمقدورهن العمل في المهن السينمائية كنوع من الإزاحة والتهميش.
وأضافت لـ”العرب” أن النساء السينمائيات في مصر على مر العصور يستهويهن الاهتمام بالتفاصيل الإنسانية والجمالية بأي مهنة مرتبطة بالتمثيل، وهذا سر نجاح أي عمل تقدمه المرأة وتشارك في صناعته، مثل التصوير وهندسة الصوت والماكياج والكتابة والسيناريو، ومهما قدّم الرجل نفس العمل، سوف يظل منقوصا أو يحتاج إلى إضافات نسوية لا غنى عنها ليكون مشوقا.
ولفتت خيرالله إلى أن ارتفاع منسوب التحضر والخلاص من التيارات المتشددة من شأنه أن يمهد لانطلاقة قوية للنساء السينمائيات في مصر لاستغلال أقل فرصة للانطلاق نحو المزيد من الإبداع والتميز وإظهار الإمكانيات، فكل امرأة احترفت العمل في السينما بمصر دخلته بالكفاءة وأثبتت قدرتها على النجاح بعيدا عن العلاقات الشخصية، لكن من المهم أن تمتلك الشجاعة واستقلالية القرار.
المرأة في السينما المغربية
بالنسبة إلى مشاركة المرأة المغربية في صناعة السينما في بلدها، فقد كان حضورها نوعيا في الأعمال السينمائية سواء على مستوى التمثيل أو وراء الكاميرا كمخرجة أو تقنية، وهو حضور لازالت تعيقه العقلية الذكورية المستشرية في المجتمع من جهة، والتوظيف النمطي لجسد المرأة كسلعة تجارية في بعض الأعمال من جهة ثانية.

عبدالإله الجوهري: الطريق طويل نسبيا أمام المرأة المغربية لكي تكون مساوية للرجل في الإبداع السينمائي
ولفت المخرج السينمائي المغربي عبدالإله الجوهري في تصريح لـ”العرب”، إلى أن “مشاركة المرأة في الإبداع السينمائي جد محدودة، مقارنة مع الإمكانيات التي يتوفر عليها المغرب ووجود الرجل على الساحة السينمائية المكثف”.
واستحضر الجوهري تجارب بعض المخرجات اللواتي حققن منذ بدايات السينما المغربية نجاحات مهمة وكان لهن حضور وازن على الرغم من الصعوبات مثل: المخرجة فريدة بورقية، التي كانت قد قدمت فيلم “الجملرة” بداية الثمانينات، ثم المخرجة فريدة بليزيد التي أنجزت “باب السما مفتوح” بداية التسعينات، وكذلك المخرجة يزة جينيني، التي أنجزت العديد من الأفلام الوثائقية.
وبرأيه فإن “هؤلاء المخرجات الثلاث يعتبرن الرائدات، وبعدهن جاءت الكثير من السينمائيات لكنّ دورهن ظل محدودا مثل سلمى بركاش، ليلى المراكشي وليلى التريكي، وغيرهن من الشابات المتميزات، أما في الجانب التقني فهناك طاقات نسوية كثيرة، في تقنيات الصوت والصورة والمونتاج وغيرها من التخصصات السينمائية”.
وفي تقدير الجوهري، فإن أمام المرأة المغربية طريق طويل نسبيا لكي تكون مساوية للرجل في الإبداع السينمائي، داعيا إلى فتح المجال أكثر أمام النساء لكي يؤكدن أنهن قادرات على المساهمة والمشاركة في صناعة سينمائية مغربية حداثية متقدمة وترفع راية المغرب في المهرجانات الدولية.
ورصد مخرجون ونقاد ومغاربة تطورا في علاقة المرأة بالسينما المغربية سواء من الناحية العددية بعدما انضافت أسماء جديدة إلى عالم الإخراج بعد أن كانت المشاركة النسوية ضئيلة ومنحصرة في مخرجة واحدة فقط وهي المخرجة المخضرمة فريدة بليزيد.
وأخرجت بليزيد، أول شريط وثائقي لها في باريس بعنوان “هوية امرأة”، حول موضوع المرأة والهجرة، تم بثه في برنامج “موزاييك” على قناة “فرانس 3”، لكنها تعتبر الفيلم الطويل “باب السما مفتوح”، الذي يوثق لرحلة بحث روحية، أفضل أعمالها.
ونالت الأعمال السينمائية المغربية التي وقفت وراءها المرأة تتويجات على أهم المسارح العربية والدولية.