المرأة السياسية.. كفاءة وقوة وبكاء

لندن - تشهد عديد الدول احتجاجات تتراوح بين السلمية والعنيفة تعبيرا من مواطنيها عن عدم رضاهم على ما تقدمه سياسة حكامهم، وكل شخصية سياسية تنحت لنفسها طريقة في التفاعل مع وقع الاحتجاج، ومؤخرا لفتت الأنظار دموع ذرفتها رئيسة وزراء تايلاندا مستجدية المتظاهرين وقف الاحتجاج، رغم أن عديد سياسيات العالم سعين إلى تقديم صورة للصلابة والقوة، ونادرا ما التجأن للدموع في ممارسة السياسة.
في بانكوك ناشدت رئيسة وزراء تايلاند ينجلوك شيناوترا والدموع تملأ عينيها المتظاهرين المعارضين للحكومة مغادرة الشوارع وتأييد إجراء انتخابات مبكرة، بعد أسابيع تخللتها تجمعات حاشدة اتسمت في بعض الأحيان بالعنف ورفض المحتجين لدعوتها إجراء انتخابات عامة، وقالت للصحفيين بنبرة الاستجداء: «الآن وقد حلت الحكومة البرلمان أطلب منكم أن توقفوا الاحتجاجات.. تراجعتُ إلى النقطة التي لا أعرف عندها أن أتراجع أكثر».
فالدموع والاستجداء لا يدلان إلا على ضعف الشخصية، وتداول هذا الخبر وما ينجر عنه من استنتاجات يصدر صورة عن ضعف النساء السياسيات، حيث لا تستطعن كبح مشاعرهن ولا السيطرة على دموعهن، لكن الملاحظ أنه نادرا ما يسجل التاريخ مثل هكذا ردود فعل عن السياسيات.
التاريخ لم يذكر يوما أن مارغريت تاتشر قد بكت أو صدر منها تصرف يدل على الضعف أو الخوف بل كانت توصف بالمرأة الحديدية
فالتاريخ لم يذكر يوما أن مارغريت تاتشر قد بكت أو صدر منها تصرف يدل على الضعف أو الخوف بل كانت توصف بالمرأة الحديدية، واعتبرت فترة توليها منصب رئيس وزراء بريطانيا الأطول حيث بقيت تقود وزراء من الرجال وتمنحهم القوة من عام 1979 حتى عام 1990، ومثلت أول امرأة بريطانية تتولى هذا المنصب، وهي أيضا أول قائد سياسي بريطاني يكسب ثلاثة انتخابات وطنية متتالية.
أما رئيسة الأرجنتين كرستينا فيرنانديز فهي الأخرى تبدي صلابة وقوة وتعلو وجهها ابتسامة دائمة، ورغم إصابتها بالسرطان وإجراء عمليات جراحية لاستئصاله إلا أنها لم تظهر يوما عبر وسائل الإعلام ضعيفة أو منهارة، وهي أول امرأة تعتلي سدة الرئاسة في بلادها، وتبدو دوما محاطة بفريق عمل رجالي إذ لا تفضل النساء في فريق عملها.
|
وهيلاري كلينتون كانت وزيرة خارجية الولايات المتحدة المرحة في زمن أميركي مهادن، فهي تمازح الجميع وتتصدر ضحكتها صورها في جميع المحطات الإعلامية، خلافا لما كانت عليه مادلين أولبرايت، أول امرأة أميركية تتسلم نفس المنصب من عام 1997 حتى عام 2001، وكانت توصف بامرأة في هيئة قبطان بحري شرير وأثارت استياء العالم بمواقفها المتعنتة والمتشددة، ولن ينسى التاريخ جملتها المشهورة حول موت مليون طفل عراقي تحت طوق الحصار الأعمى من أجل إسقاط صدام حسين حيث علقت بأنه ثمن مناسب للحصار.
واليوم تبدو في آسيا الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون هيه، امرأة من اقتصاد ديمقراطي صاعد تتحرك مع رجالها كالعجلة الكورية وتعتبر من أكثر الشخصيات السياسية تأثيرا في بلادها منذ عهد الرئيس كيم يونغ سام لذلك فازت في الانتخابات الرئاسية العام الماضي.
فضحت دموع شيناوترا ما تحاول إخفاءه من مشاعر الإضطراب وعدم قدرتها على الصمود، وعبرت بطريقة تلقائية تلتجئ إليها النساء عند الإحساس بالضعف
وفي البرازيل تدير شؤون البلاد أول امرأة رئيسة وهي ديلما روسيف التي التحقت بصفوف اليسار المعارض لسياسة البلاد منذ السنوات الأولى من شبابها، وناضلت ضد سياسة القمع التي انتهجها الحكم الاستبدادي في بلادها آنذاك، وأمضت ثلاث سنوات من حياتها في السجن ثم استعادت حريتها سنة 1972. وواجهت روسيف وحكومتها احتجاجات واسعة في يونيو الماضي، ولكنها تمكنت من تجاوز الموقف بذكاء واقتدار من خلال أخذها قرارا أرضى المحتجين عندما وعدت بميثاق كبير لتحسين الخدمات العامة، ولاستفتاء شعبي لتشكيل جمعية تأسيسية لإجراء إصلاحات سياسية، وهو ما جنبها مزيدا من الاضطرابات في بلادها ومزيدا من تدهور الأوضاع.
هذا ولا بد من الإشارة إلى أن المرأة سعت وتسعى دوما لإثبات قدرتها وكفاءتها في جميع المجالات خاصة منها السياسية، رغم ما يمكن أن تتصف به شخصيتها وحياتها الشخصية من اضطراب ولين أو ضعف لطبيعتها كأنثى، غير أن تاريخ النساء السياسيات أكد قوتهن وصلابتهن.