المرأة أكثر المتأثرين بتداعيات جائحة كورونا

تستثمر المنظمات الدولية والجمعيات في عيد المرأة العالمي للوقوف مطولا على المكتسبات التي حققتها المرأة وتطمح لافتكاكها مستقبلا، لكنها قد تحذر، كما هو الحال الآن بعد عامين من جائحة صحية، من مخاطر الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي اجتمعت كلها ضدّ النساء فزادت نسبة العنف المسلط عليهن ونسبة التحرش وحتى الأمراض النفسية.
باريس – رغم الحريات والحقوق التي اكتسبتها، ورغم القوانين التي تحميها تظل المرأة في مرمى أي تغييرات قد تعصف بالدول فرادى أو جماعات، وآخرها جائحة كورونا التي امتدت لعامين ولا تزال تلقي بظلالها على حياة مئات الآلاف من النساء حول العالم وخاصة أولئك اللواتي يعشن في مجتمعات شديدة الذكورية لا تمنحهن أبسط حقوقهن.
وتعاظمت خلال العامين الماضيين مسؤولية المرأة الاجتماعية والأسرية، حيث وقعت على عاتق المرأة مسؤولية الحفاظ على صحة عائلتها وممارسة أعمالها وتحمل التغيرات الطارئة التي تخلفها جائحة كورونا على الظروف الاقتصادية، وكانت خط الدفاع الأول عن الأسرة لكنها في المقابل كانت أولى الضحايا داخل البيت وخارجه.
وفي يوم المرأة العالمي، الذي يحل سنويا في الثامن من مارس، دقّت دراسات عدة ناقوس الخطر مؤكدة أن عامين من جائحة كوفيد – 19 أدّيا إلى تدهور ظروف عيش النساء في كل أنحاء العالم، من تصاعد العنف الجنسي وصعوبة عودتهن إلى العمل وتراجع الصحة العقلية.
مورييل سالمونا: الجائحة ضاعفت عمليات الانتقام الإباحي من النساء على الإنترنت
وتؤكد هيئة الأمم المتحدة للمرأة في أحدث بياناتها أن الجائحة أثبتت أن المرأة محور رئيسي من محاور مواجهة المرض، حيث تقدم النساء كل يوم مساهمات حاسمة لمعالجة تفشي الوباء، مشددة على أنها أزمة صحية عالمية لا مثيل لها في آخر 75 عاما، وأنها أزمة تنشر المعاناة الإنسانية كل يوم، إذ أنها ليست مجرد مشكلة صحية وإنما هي صدمة عميقة للمجتمع الدولي ولها أبعاد كثيرة.
عنف جنسي
نشرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة في نوفمبر 2021 دراسة شملت 16 ألفا و154 امرأة في 13 بلدا متوسط الدخل من بينها كولومبيا وأوكرانيا والمغرب وبنغلاديش، قالت فيها إن نحو 45 في المئة منهن أكدن أنهن كن ضحايا عنف أو يعرفن امرأة كانت كذلك منذ بداية الجائحة.
وأوضحت لين ماري ساردينيا وأفني أمين وهما باحثتان في منظمة الصحة العالمية أن “عدم اليقين الاقتصادي وإغلاق المدارس والعبء الذهني بسبب الواجبات المنزلية أحدثت بيئة مناسبة للنزاعات داخل الأسرة”.
وكما هو الحال قبل الوباء، كانت النساء ضحايا للعنف على الإنترنت أكثر من الرجال.
وأوضحت مورييل سالمونا وهي طبيبة نفسية متخصصة في دراسة اضطرابات ما بعد الصدمة أن “الانتقام الإباحي الذي يتمثل في نشر صور أو فيديوهات جنسية على الشبكات الاجتماعية بهدف الانتقام من حبيب أو شريك سابق، والخطر المتعلق بجرائم الاعتداء على الأطفال، ازدادا بطريقة مقلقة جدا”.
وبالفعل، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنتين الماضيتين بتسريبات وفيديوهات انتقامية بين عشاق من دول عربية، حتى أن إحدى الحوادث دفعت نساء مصريات إلى الانتحار خوفا من الفضيحة ومن المجتمع بعد تسريب صور لهن.
الصحة العقلية
بينما انشغل العالم طوال عامين بدراسة تداعيات فايروس كورونا المستجد الاقتصادية والصحية على الأفراد والجامعات، كانت منظمات تحذر من أن الأضرار النفسية على الإنسان أشد خطرا وخاصة لأنها تمتد لفترات زمنية أطول وقد يصعب علاجها.
وكشفت دراسة الأمم المتحدة أن اثنتين من كل خمس نساء شعرن بتأثير سلبي للوباء على صحتهن العقلية.
والسبب وراء ذلك هو العبء الذهني الناجم عن القيام بالواجبات المنزلية “والمرتبط بارتفاع خطر الإجهاد والاكتئاب لدى النساء مقارنة بالرجال”، بحسب لين ماري ساردينيا وأفني أمين.
وهو عبء ذهني يعززه العمل عن بعد وبقاء الأطفال في المنزل والقيود المفروضة على الخروج.
كذلك، فإن الدراسات حول تحركات النساء أثناء الجائحة وبعدها تعكس تدهور الصحة العقلية للمرأة.
وتبين الدراسات أنه خلال فترات الإغلاق كان على النساء إبلاغ السلطات عن خروجهن مثل الرجال، لكن أيضا في كثير من الأحيان إبلاغ أزواجهن، على ما قالت ماريون تييّو المحاضرة في الجغرافيا ودراسات النوع الاجتماعي في جامعة باريس 8 الفرنسية.
وهذا الإطار بالتحديد قد يكون لجما “لثقة النساء اللواتي لا يجرؤن الآن على الابتعاد” عن منازلهن وينطوين على أنفسهن.
العمل عن بعد
اثنتان من كل خمس نساء شعرن بتأثير سلبي للوباء على صحتهن العقلية بسبب العبء الذهني الناجم عن القيام بالواجبات المنزلية
جراء تدابير الإغلاق التي اتبعتها أغلب الحكومات للحد من تفشي فايروس كورونا، اضطرت النساء كما الرجال إلى العمل عن بعد وبالتالي اتباع نظام قد يكون مشددا أكثر بالنسبة إلى الأغلبية من النساء، حيث تختلط المسؤوليات في ما بينها بما لا يتيح لهن الاستراحة ولو قليلا.
وأشارت لين ماري ساردينيا وأفني أمين إلى تعارض العمل عن بعد والواجبات المنزلية، نظرا إلى عدم مرونة أصحاب العمل.
وأكدت الباحثتان أن “عددا أكبر من النساء أجبرن على الاستقالة لأنهن لم يستطعن تحمل الضغط المزدوج لمهنهن والعبء الذهني الذي يفرضه البقاء في المنزل”.
وتظهر دراسة عن تحركات النساء أثناء الجائحة أنهن أمضين وقتا في القيام بالواجبات المنزلية أكثر من الوقت الذي أمضينه في وظائفهن مقارنة بالرجال وبما كانت عليه الحال قبل الوباء. وتكشف هذه الدراسات أن “التفاوتات اتسعت وتراجعنا عشرين عاما إلى الوراء”، وفق مجلة تيلوس.
وقد أدى العمل عن بعد بالتأكيد إلى انخفاض في الاعتداءات في وسائل النقل العام، كما يقول خبراء.
لكن العودة إلى المكتب بالحافلات أو المترو رافقتها زيادة في الشعور بعدم الأمان. وتؤكد ثلاث من كل خمس نساء شاركن في استطلاع الأمم المتحدة أنهن بعد العودة إلى العمل في مكاتبهن كن ضحايا تحرش جنسي في وسائل النقل العام أكثر مما كن عليه الحال في العام 2020.
ورغم كل السلبيات التي كشفت عنها أو تسببت فيها الظروف المصاحبة للجائحة، قالت سالمونا “يمكننا التحدث عن جهد حقيقي قامت به الجمعيات والسلطات العامة لتكون أكثر استجابة وفاعلية في مواجهة العنف المنزلي” منذ بدء الجائحة.
وبالنسبة إلى الباحثتين، أظهرت الأزمة الصحية عواقب تشارك غير عادل في الواجبات المنزلية مع عواقب وخيمة على الصحة العقلية للمرأة.
وأضافتا أن “الوباء أتاح الفرصة لتخيل مستقبل مختلف وأكثر إنصافا للنساء، لاسيما بالنسبة إلى من يواجهن أكبر قدر من الإقصاء أو التهميش”.
