المجالس الرئاسية تحولت من أداة لإدارة المراحل الانتقالية إلى تحصين النفوذ وتوسيعه

تحقيق التوافق لا يحجب خطورة الانزلاق نحو المطالبة بالتقسيم.
الجمعة 2022/05/13
قادة جدد لمرحلة انتقالية

على مدار السنوات التي تلت تفجر انتفاضات ما يُعرف بالربيع العربي تم تشكيل عدة مجالس رئاسية أو مجالس سيادة في إطار المساعي الرامية إلى تحقيق توافق بين القوى على صيغة لقيادة المرحلة الانتقالية بشكل جماعي. لكن هذه الصيغة لا تخلو من نقاط سلبية أبرزها تكريسها هي الأخرى للمحاصصة بما تنطوي عليه من مخاطر وسعي القادة الجدد للبقاء، وهو ما يطيل أمد الأزمة عوض الإسهام في حلها.

عدن – يُسلط إعلان الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي في أبريل الماضي عن تشكيل “مجلس قيادة رئاسي” الضوء على مثل هذه التجربة التي يمكن إدراجها في إطار تجارب القيادة الجماعية التي تشهدها عدة دول عربية في سياق المراحل الانتقالية.

ويُشكل المجلس الرئاسي إحدى أبرز أدوات إدارة المرحلة الانتقالية في عدة دول على غرار اليمن وليبيا، لكن هل نجحت هذه التجربة؟ يبدو أنها لم تنجح سوى في المزيد من تكريس المحاصصة وتحصين النفوذ وإثارة نعرات التقسيم عوض البحث عن سبل تجاوز الأزمات التي تهدد المراحل الانتقالية.

دوافع التأسيس 

يدفع تزايد التعويل على المجالس الرئاسية والقيادة الجماعية للفترات الانتقالية في دول عربية مثل اليمن (مجلس رئاسي) وليبيا (مجلس رئاسي) والسودان (مجلس سيادة) إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة خلف هذا التعويل.

وقال الباحث حسين عبدالراضي إنه يمكن تلخيص الأسباب في ثلاثة عوامل رئيسية، وهي تصارع القوى والنخب السياسية وتصاعد الانقسام الجغرافي والمناطقي ومُعضلة إدارة العلاقات المدنية – العسكرية.

واعتبر عبدالراضي في ورقة بحثية لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن “حركات الاحتجاج الجماهيري زادت من حدة الاستقطاب السياسي في دول الأزمات؛ حيث تنافست النخب والتيارات الصاعدة على النفوذ، بالإضافة إلى الصراع الكامن بين القوى الجديدة ونظيرتها القديمة، ما خلّف سيولة مُزمنة وإشكاليات متفاقمة في هياكل السلطة”. 

وتابع قائلا “مع تلاشي فرص حسم هذا الصراع اتجهت تلك النخب إلى البحث عن صيغ جماعية لإدارة المراحل الانتقالية من أجل تجاوز العراقيل الموجودة وضمان مشاركتها في السلطة وعدم إقصائها، إلى حين الاتفاق على صيغة نهائية للحكم. وهنا كانت المجالس الرئاسية الصيغة الأكثر ملاءمةً لإدارة هذا التنافس في المراحل الانتقالية العثرة”. 

حسين عبدالراضي: المجالس الرئاسية تصبح أحيانا ضمانة هشة لوحدة الدولة

وكانت ليبيا قد شهدت نموذجا من هذه المجالس عندما تم التوافق بين القوى والتيارات المتصارعة في عام 2014 على تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وذلك بعد أن تراجعت تيارات الإسلام السياسي مقابل القوى الليبرالية في انتخابات البرلمان، وتفجر الأوضاع الميدانية، وهو ما مثّل حينها توافقاً مرحلياً في محاولة لإنهاء الانقسام والصراع متعدد الأبعاد.

كما يدخل الانقسام الجغرافي كأحد أبرز الدوافع نحو تشكيل المجالس الرئاسية، حيث قادت هيمنة أقاليم معينة على السلطة إلى بروز حركات ومجموعات تطالب بحق بقية الأقاليم المهمشة، وهو ما جعل المعطى الجغرافي من أهم محددات تركيبة المجالس.

في اليمن يُعد المجلس صيغة تمثيلية لمعظم الأقاليم الرئيسية المُعتمدة، ناهيك عن ضمه ممثلين عن الجنوب والشمال. كما تشكل المجلس الرئاسي الليبي الجديد لتحقيق التمثيل المتوازن بين الأقاليم الجغرافية التاريخية الثلاثة، برقة شرقاً وطرابلس غرباً وفزان جنوباً، فلكل منها ممثل يُعبر عن مطالبه ويدافع عن أهدافه. 

كما تعتبر التعقيدات الناجمة عن كيفية إدارة العلاقات بين الجيش والمكونات المدنية دافعاً نحو تشكيل مجالس رئاسية أو سيادية كما هو الحال في السودان. ويتم اللجوء إلى هذا الحل في ظل النفوذ الذي تتمتع به المؤسسات العسكرية في الدول العربية مقابل طموحات وتطلعات المكونات المدنية التي تسعى إلى بلوغ السلطة.

ولطالما وصل كلا الطرفين إلى حد الصدام، وهو ما تكون حصيلته كارثية على الجانبين، الأمر الذي يدفع نحو تأسيس مجالس رئاسية أو سيادية.

وقال عبدالراضي إن “نماذج القيادة الجماعية، خاصة صيغة ‘المجالس الرئاسية’، هي الطرح المؤقت الأكثر قبولاً بين القوى الفاعلة في الأزمات الإقليمية في ظل تعثر محاولات إنهاء المراحل الانتقالية”.

جزء من المشكلة

● التعقيدات الناجمة عن كيفية إدارة العلاقات بين الجيش والمكونات المدنية تُعد دافعاً نحو تشكيل مجالس رئاسية أو سيادية كما هو الحال في السودان
● التعقيدات الناجمة عن كيفية إدارة العلاقات بين الجيش والمكونات المدنية تُعد دافعاً نحو تشكيل مجالس رئاسية أو سيادية كما هو الحال في السودان

تعكس عدة تجارب تحول أزمات منطقة الشرق الأوسط إلى صراعات طويلة المدى، حيث يسعى عادةً القادة الجدد الذين جاءوا لقيادة المرحلة الانتقالية إلى الاحتفاظ بمواقعهم، وهو ما يجعلهم جزءا من المشكلة.

ورغم انتهاء صفته دستوريا وقانونيا منذ سنوات إلا أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج تمكن من البقاء حتى العام 2021، حيث استقال في سبتمبر 2020 قبل أن يسلم السلطة إلى رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة في مارس 2021.

وعلاوة على ذلك يرى عبدالراضي أن “المجالس الرئاسية عززت مأسسة المحاصصة في هياكل السلطات الوطنية بدول المنطقة، ما يهدد بتصاعد اتجاهات ودعوات التقسيم، اجتماعياً ومناطقياً وسياسياً، حال بروز أيّ ترتيبات قد تُغير الوضع القائم”. 

وتابع “بذلك تصبح المجالس الرئاسية بمنزلة ضمانة هشة لوحدة الدولة الوطنية، وتخرج عن كونها نموذجاً انتقالياً يقود الدولة من مرحلة الصراع إلى الاستقرار، لتصبح صيغة لتقاسم السلطة والمناصب، ناهيك عن تجذر فكرة المحاصصة في مؤسسات الدولة، ما يُضاعف مخاطر الانقسام في حال طرح أي مشروعات للتسوية الشاملة، إذا رأى أي طرف أنها ستفقده مكتسباته ونفوذه”.

وشدد عبدالراضي على أن “المجالس الرئاسية صارت إحدى الأدوات البارزة في إدارة المراحل الانتقالية في بعض دول الأزمات والصراعات بالإقليم. ولكن تحولها أحياناً إلى نموذج يستهدف فقط تحصين المواقع والنفوذ بين الأطراف الفاعلة، دون توظيفها كوسيلة لتجاوز الانتقال العثر وتحقيق الاستقرار المنشود، قد يُضاعف من مخاطر الارتداد إلى مربع الانقسام والاقتتال ويقوّض فرص التسوية الشاملة في هذه الدول”.

6