المثليون السوريون منبوذون أينما حلوا

بيروت - شعر شيخ من مدينة حلب في سوريا بالغضب الشديد حين اكتشف أن ابنه الأصغر محمود مثلي الجنس.
وقال محمود (23 عاما) “صوّب بندقيته نحو وجهي وضغط بإصبعه على الزناد ثم أطلق النار في الهواء”.
وتذكر العار الذي شعر به قبل خمس سنوات عندما وجده والده وهو يضع مساحيق التجميل مما دفعه إلى الكشف عن ميوله الجنسية. وأضاف “ثم ضربني بقضيب حديدي حتى كدت أموت”.
ويميل السوريون إلى رفض أي تعبير مفتوح عن الحياة الجنسية أو الهوية الجنسية التي لا تتوافق مع ما يرونه عاديا.
ويجرّم قانون العقوبات “كل مجامعة على خلاف الطبيعة” بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وبعد ستة أشهر من الحادثة مع والده، غادر منزله ليلا وتوجه إلى لبنان. ولم يتنقل نهارا خلال توجهه إلى الحدود لأنه كان يخشى أن يتعقبه إخوته. وأضاف “لو قبضوا علي لقتلوني”.
ويعيش الآن في شقة متهالكة في بيروت مع أربعة شبان آخرين ويقطف الفواكه والخضراوات لكسب عيشه. ولم يعد على اتصال مع عائلته ولا يخطط للعودة إلى سوريا، لكنه لا يشعر بالأمان في منزله الجديد.
السوريون يميلون إلى رفض أي تعبير صريح عن الحياة الجنسية أو الهوية الجنسية التي لا تتوافق مع ما يرونه عاديا
وقال زاد قادري، وهو مسؤول توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في مجموعة “حلم” للمثليين، إن “اللاجئين في لبنان يواجهون صعوبات متعددة تشمل محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، والتمييز، والوضع القانوني الغامض. ويعاني الأفراد السوريون من مجتمع المثليين من التمييز بسبب جنسيتهم”.
ويجد محمود نفسه عند نقطة تلاق بين التعصب المتزايد وتأثير الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أربع سنوات والتي زادت من حدة المواقف تجاه اللاجئين.
وقال قادري إن العديد من المثليين السوريين يشكلون إحدى الفئات الأكثر ضعفا، حيث يواجهون مستويات مرتفعة من الضعف الاجتماعي والاقتصادي ويعانون من تبعات غياب الدعم الكافي من المنظمات الدولية.
كان لبنان أول دولة عربية تعقد أسبوع الفخر للمثليين في 2017. ويُعتبر البلد عامة ملاذا آمنا لمجتمع الميم في الشرق الأوسط المحافظ، الذي تنتشر عبره تيارات قوية معادية للمثليين ومتحولي الجنس.
لكن الناشطين يقولون إن هذا يتغير. وفي أغسطس، قاطع حشد من المسيحيين المحافظين، وهم يرددون هتافات معادية للمثليين، عرض “دراغ” الذي يشمل ممثلين بملابس النساء في بيروت.
وقالت منظمة العفو الدولية إن الحادث “يسلط الضوء على تدهور حالة حقوق المثليين”.
وأكّد أسامة (28 عاما)، الذي غادر منزله في حماة بسوريا بسبب العنف العائلي، أنه تعرض مرارا وتكرارا للهجوم والضرب والسرقة في لبنان لأنه مثلي الجنس.
وقال الشاب الذي طلب عدم الكشف عن هويته “يرعبني المشي وحيدا في المدينة لأنني أكون مستهدفا دائما”.
ولا يحظر القانون اللبناني المثلية الجنسية صراحة، لكن “الاتصال الجنسي المخالف لنظام الطبيعة” محظور.
وقالت رشا يونس، وهي باحثة في هيومن رايتس ووتش، إن “اللاجئين السوريين، وخاصة النساء المتحولات جنسيا، يبقون الأكثر استهدافا”. ويمكن أن تؤدي إدانتهم إلى السجن لمدة سنة كاملة.
ويكون التسامح أعلى في بيروت المحبة للحفلات، حيث تبدو المساحة المثلية نشطة. لكن أسامة وجد صعوبة في العيش كرجل مثلي الجنس علنا.
وقال “يسخر الناس مني طوال الوقت”، مضيفا أنهم ينعتونه بأبشع العبارات. لكن العودة إلى وطنه ليست خيارا.
وقال “يرسل لي والدي تهديدات بالقتل. يرسل لي رسالة نصية تقول سأذبحك، الموت أفضل من العار”.
وأبلغت “حلم”، وهي أول منظمة غير حكومية في العالم العربي تعمل على حقوق مجتمع الميم، عن 614 حالة ابتزاز وتهديد بالقتل والعنف اللفظي خلال العام الماضي. وسجّلت 193 حالة عنف جسدي، و46 حالة تحرش جنسي خلال نفس الفترة. وتكبد السوريون المثليون جلها.
ويتهم البعض السياسيين بتأجيج نيران الكراهية.
وقال طارق زيدان، مؤسس منظمة “حلم”، إن الحكومة تحاول تشتيت انتباه الرأي العام من خلال استهداف مجتمع المثليين.
وأشار إلى أن هذا يؤدي إلى رهاب المثلية، وخلق المزيد من الذعر الأخلاقي العام والانقسام داخل المجتمع.
وقال وليد، وهو سوري يبلغ من العمر 25 عاما، إن قوى الأمن الداخلي اعتقلته وتعرض للاغتصاب والاعتداء لأكثر من 96 ساعة قبل أربع سنوات لأن الضابط، على حد قوله، اعتقد أنه مثلي الجنس.
وصرّح “قال لي الضابط، لا تتعب نفسك بالصراخ، فلا يستطيع أحد سماعك”.
لبنان كان أول دولة عربية تعقد أسبوع الفخر للمثليين في 2017. ويُعتبر البلد عامة ملاذا آمنا لمجتمع الميم في الشرق الأوسط المحافظ
ولم تستجب السلطات اللبنانية لطلب التعليق. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن التعذيب شائع في مراكز الاحتجاز في لبنان.
ويوجد من يطالب بحقوق أكبر لمجتمع الميم رغم تواصل تصلب المواقف. وقدم تسعة أعضاء في البرلمان خلال يوليو مشروع قانون لإلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية.
وقال بيرثو ماكسو، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك لمنظمة “براود ليبانون” غير الربحية، الذي ساعد في صياغة مشروع القانون “نريد فقط ألا نعتبر مجرمين”.
لكن مسؤولين لبنانيين قدموا في أغسطس مشروعي قانونين منفصلين يجرمان صراحة العلاقات الجنسية المثلية بين راشدين وإن كان ذلك بالتراضي، ويعاقب بموجبهما أي شخص “يروج للمثلية الجنسية” بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
وقالت منظمة العفو الدولية وجماعات حقوقية أخرى إن تقديم مشاريع القوانين تبع سلسلة من الحوادث العدائية وحظرا وزاريا غير قانوني على الأحداث المتعلقة بالمثلية الجنسية.
وليس هذا العداء المتزايد جديدا على محمود، فخلال السنة الحالية، اعترض جندي طريقه عند نقطة تفتيش في جنوب بيروت ووجه بندقيته نحو صدره.
وقال “سألني إن كنت سوريا. وصرخ بعد ذلك في وجهي متسائلا عن القرط الذي أضعه. ونزعه من أذني حتى تسبب لي في نزيف”.
ثم دفع الجندي محمود على الأرض، وبصق في وجهه، وشتمه وطلب منه العودة إلى بلده.