المتوسط يلتهم السواحل الفرنسية

منازل ومواقع تاريخية يهددها البحر بسبب خطر تغير المناخ.
الاثنين 2021/04/26
من سكان سواحل إلى لاجئين

يستمتع سكان سواحل البحر المتوسط بالحياة على الشواطئ وخاصة في فصل الصيف، لكن ذلك لن يدوم طويلا لأن التغييرات المناخية ستحولهم إلى لاجئين بفعل ارتفاع منسوب المياه على مستوى سطح البحر والتعرية التي تهدد منازلهم والمعالم التاريخية الأخرى كما في شاطئ فياس الفرنسي.

فياس (فرنسا) – بعد الهرب إلى فرنسا من الحرب الأهلية الإسبانية، تمكنت عائلة أماليا روميرو في النهاية من بناء منزل على الساحل الجنوبي يطل مباشرة على البحر المتوسط.

ولكن اليوم، بدأ البحر يقضم تدريجيا ملاذهم على الساحل بسبب خطر تغير المناخ.

قالت روميرو، “إنه مصير قاس بعد أن كرسنا كل جهودنا، طوال حياتنا، للمحافظة على منزل يؤوي عائلتنا”.

في عام 1939، كانت روميرو من بين ما يقارب نصف مليون إسباني فروا من قوات الدكتاتور الجنرال فرانشيسكو فرانكو وعبروا الحدود إلى فرنسا، حيث انتهى بهم الأمر في البداية في معسكرات الاعتقال.

اليوم، تبلغ هذه المرأة المتفائلة والمصممة 94 عاما وقد كرست حيتها للعمل في قطاع الأسماك والزراعة. ومازالت تعيش في منزلها الذي بني عام 1956 على شاطئ فياس، على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال مدينة برشلونة الإسبانية.

ويتميز هذا المنزل بإطلالة بانورامية عبر المحيط، وتوفر شرفة غرفة المعيشة في الطابق الأول بالمنزل إطلالات على جبال البرانس.

وتمكن والداها، عند إطلاق سراحهما من المعسكرات الفرنسية، من شراء قطعة الأرض هذه. في ذلك الوقت كانت مليئة بالكروم وتمكنا من بناء حياة جديدة لهما.

في ذلك الوقت، قالت روميرو، “كانت الكثبان الرملية أمام المنزل تنحدر برفق نحو البحر”.

وأضافت وهي تتذكر “جنتها المفقودة”، أن الصيادين لديهم مساحة كبيرة على الشاطئ لبناء أكواخ، وسحب قواربهم على الرمال ونشر شباكهم.

منذ ذلك الحين، “التهم البحر” قطعة كبيرة من الأرض، وأصبحت الحديقة الآن تتساقط فجأة في اتجاه الأمواج.

يزيل البحر بانتظام الصخور والجدران البحرية والجسور وغيرها من التدابير المتخذة بتكلفة ملايين اليوروهات (الدولارات) لإعادة إنشاء الشاطئ بشكل مصطنع.

Thumbnail

تقول المرأة الأرملة والأم لأربعة أطفال، والتي تعيش الآن بمفردها، إن الأمر “استغرق بعض الوقت” لإدراك أن البحر المتوسط يزحف أكثر فأكثر.

وقالت، “في التسعينات من القرن الماضي، ظهرت عدة أمواج شديدة في البحر فجأة، لكننا لم ندرك مدى خطورتها”.

وقال الجغرافي ألكسندر برون، من جامعة بول فاليري في مونبلييه، إن شاطئ فياس يقع على امتداد حوالي 180 كيلومترًا وهو معروف بسواحله المنخفضة والرملية، و”لذلك فهو معرض بشدة للتعرية والفيضانات الساحلية وارتفاع مستويات سطح البحر”.

على الصعيد العالمي، ارتفع مستوى سطح البحر بنحو 15 سم في القرن العشرين والزيادة تتسارع، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة.

وبحلول عام 2050، سيعيش أكثر من مليار شخص مثل روميرو في المناطق الساحلية المعرضة بشكل خاص للفيضانات أو الأحداث المناخية القاسية.

وتعتبر بعض الجزر في المحيط الهادئ أيضا مهددة، وحتى أوروبا لم تسلم من هذا الخطر.

وقال جونيري لو كوزانيت، المختص في المخاطر الساحلية وتغير المناخ في هيئة المسح الجيولوجي الفرنسية والذي يساهم في تقارير خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إن فرنسا من بين الأكثر تضررًا، إلى جانب هولندا وبلجيكا من بين دول أخرى.

ووفقا للأرقام الصادرة عن وزارة التحول البيئي، فإن حوالي 10 في المئة من سكان فرنسا (62 مليون شخص) يعيشون في مجتمعات ساحلية.

Thumbnail

وتقول وزارة البيئة، إن الانجراف يؤثر بالفعل على ربع الساحل الفرنسي. ويحذر التقرير من أن نحو 1.4 مليون شخص و165 ألف مبنى مهددون بالفيضانات الساحلية.

وأصبحت عدة مواقع تاريخية مهددة بأن يبتلعها البحر، ومن بينها الجواهر مثل كهف كوسكير بالقرب من مدينة مرسيليا الساحلية.

ويتميز هذا الكهف جزئيًا بنقوشه الفنية الصخرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ للأسماك وطيور البطريق. ولكن مع الأسف أصبح هذا الكنز التاريخي مغمورا جزئيا.

كما أن المناطق الطبيعية معرضة للخطر أيضًا، مثل الأراضي الرطبة الجنوبية في “كامارغ” إلى جانب النباتات والحيوانات المتنوعة وطيور الفلامنغو الوردية الشهيرة.

ويضاف الاحتباس الحراري العالمي إلى قوة وتواتر العواصف التي تضعف الساحل. ونذكر من أبرز هذه العواصف المأساوية، عاصف زينثيا، التي اجتاحت ساحل المحيط الأطلسي في فبراير 2010، وأودت بحياة 47 شخصًا في فرنسا.

وقال رئيس بلدية من بلدة ساحلية على البحر المتوسط، “إن تحويل سكاننا إلى مهاجرين بسبب المناخ أمر وحشي. سيتخلون عن تاريخهم. المصادرة على أملاكهم ستترك جرحا دائما”.

لسنوات، تحدثت الجمعيات والبلدان عن تشجيع المباني الصديقة للبيئة على طول السواحل، أو حتى المنازل العائمة، وهو مفهوم يجسد خيال طلاب الهندسة المعمارية مثل أولئك في مونبلييه. لكن في أوروبا، يظل تنفيذها “تجريبيًا”، وفقًا لخبير المخاطر الساحلية لو كوزانيت.

وحذر من أن محاولات “إصلاح” الخط الساحلي من خلال الهندسة لا تزال فكرة جيدة ولكن مصيرها الفشل على المدى المتوسط “إذا لم نحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري”.

في مدينة سيت، وهي مدينة ساحلية قديمة بها قنوات، على بعد حوالي 30 كيلومترًا من فياس، تجري أكبر عملية للحفاظ على السواحل في البحر المتوسط منذ عام 2013، بتكلفة تزيد عن 55 مليون يورو (65 مليون دولار).

Thumbnail

وتشتمل العملية على مخفف الانتفاخ -أنابيب نسيج مغمورة مملوءة بالرمل – تهدف إلى تقليل تأثير الموجات العاتية على الساحل.

قال جان لوك روميرو، أحد أبناء أماليا الذي يرأس جمعية للمقيمين في فياس، إن السلطات يجب أن تأخذ في الاعتبار تجربة السكان المحليين الذين يعرفون البحر. عائلته الآن تعلق آمالها على شباك جديدة تحتفظ بالرمال.

وقال دومينيك ميشون، مدير شركة “أبل”، التي نصبت الشباك في شمال خليج سوم وعلى ساحل أوبال، إن الشباك تهدف من خلال التقاط الرمال التي تدور في المياه، إلى وقف تآكل الكثبان الرملية.

والنتائج مشجعة، بحسب الوكالة الدولية، مركز الدراسات والخبرة حول المخاطر والبيئة والتنقل والتخطيط العمراني.

شاطئ فياس الممتد على طول 180 كيلومترًا معروف بسواحله المنخفضة والرملية لذلك فهو معرض للتعرية والفيضانات

وبالرغم من أنه تم إنشاء صندوق وطني لمساعدة أولئك الذين يواجهون مخاطر الفيضانات، إلا أن عائلة روميرو تشكو من عدم توفر تعويضات عن تآكل السواحل – وسكان مبنى”سينيال” في “سولاك سورمير” في غرب فرنسا لديهم نفس المخاوف.

بعد ست سنوات من القتال، فاز سكان المبنى المهجور الذي تم تشييده على بعد 200 متر من الشاطئ في عام 1967، والذي هو الآن مهدد بالانهيار في المحيط الأطلسي، في نوفمبر باتفاق أولي للتعويض.

قال فابيان بوتشيو، رئيس منطقة نوفيل-آكيتين الجنوبية الغربية في ذلك الوقت “هذه حالة استثنائية ويجب أن تظل كذلك”.

تأمل أن تكون قادرة على البقاء في منزلها، حيث عاشت أربعة أجيال من عائلتها فيه، ونقله إلى أطفالها.

عاشت أربعة أجيال من عائلة أماليا روميرو في هذا المنزل وتأمل أن تكون قادرة على أن تنقله إلى أطفالها.

قالت “حياتي كلها هنا، لم نسقط من السماء، لقد جلبتنا الحرب”.

عندما تعوي الرياح والأمواج تتطاير، “تجد روميرو، التي أصبحت الآن عمياء تمامًا، ملجأ” في غرفة نومها المواجهة للداخل. تغلق الأبواب وتضع الموسيقى بصوت عالٍ، “لمحاربة الضجة المؤلمة”.

Thumbnail
20