المبادرات الخاصة طريق مصر لتطوير مهارات الطلاب

الألمانية ديانا ساندور تخوض تجربة في قطاع التعليم من أجل تطوير منطقة ريفية بمصر يحدوها أمل في تعليم الأطفال فنونا وصناعات يدوية وحب الطبيعة وتنمية مهاراتهم.
الثلاثاء 2018/06/05
طرق أخرى لتدريب النشء
 

كثيرا ما يرتبط العمل الخيري بمبادرات خاصة تستهدف مسارات هامة منها الإبداع والخلق والابتكار في شتى الميادين، وخصوصا إذا كان ذلك متعلقا بالنشء، وهنا يكون العمل مضاعفا لجهة الاهتمام بهم ومحاولة وضعهم على الطريق الصحيح، وهو ما يتجسد فعليا في المدرسة الخيرية بمحافظة الجيزة المصرية التي اختارت مقاربة جديدة في التعليم تقوم على محاكاة الطلاب للفضاء الذي يتلقون فيه دروسهم.

الجيزة (مصر)- أحيانا تجد التجارب الفردية والمبادرات الخاصة طريقها إلى النجاح وخلق فرص أوفر في قطاع التعليم إذا ما كانت مسنودة بتحدّ يروم تغيير الواقع ونفض الغبار عنه، وتحديدا في بعض القطاعات الحيوية مثل التعليم خصوصا في ظل ما تعيشه بعض البلدان العربية من نقص في التمويل وضعف في التجهيزات وغيرها من التحديات التي تقف عائقا أمام حصول الطلاب على فرص تعليم جيدة.

هذا المثال تجسّده الألمانية المجرية ديانا ساندور أو ديدي كما يحلو لطلابها مناداتها، التي اختارت أن تكرس حياتها للعمل على تطوير المهارات الشبابية للأطفال والقيام بدور ريادي في مجال التعليم.

وتخوض ساندور تجربة في قطاع التعليم من أجل تطوير منطقة ريفية بمصر يحدوها أمل في تعليم الأطفال فنونا وصناعات يدوية وحب الطبيعة وتنمية مهاراتهم الإبداعية والفكرية.

وأقامت ديدي مدرسة نهر النيل قبل ست سنوات على ضفاف النيل في منطقة العياط بمحافظة الجيزة، وهي مدرسة خيرية تساعد أطفال المناطق الريفية على تطوير أنفسهم وتعلم اللغات وفوائد الزراعة. وتصف ديدي مهمتها في الحياة بأنها تتمثل في إقامة مدارس تتيح تعليم الأطفال كيفية الاهتمام بأنفسهم عن طريق التواصل مع الطبيعة من حولهم.

وقالت ديانا ساندور، مؤسسة المدرسة والمشرفة عليها، إن “الهدف هو رؤية التواصل مع الطبيعة، مع الداخل، روح الإنسان. التعليم شيء تعيشه في أي مكان وفي كل مكان، ليس في المدرسة فقط لكن خارجها أيضا، طوال الوقت. إنه ثقافة وعملية تحويل”.

40 طفلا يتعلمون العديد من المواد منها القراءة والكتابة والغناء والحكي إضافة إلى أنشطة إبداعية أخرى

وتوضح إيمان سعيد، وهي مدرسة في المدرسة، أنه من أجل تواصل أفضل مع الطبيعة كان الخيار بأن تتم إقامتها على ضفاف النيل محاطة بمناطق خضراء وتتضمن مناهجها الدراسية أكثر من كتب نصية فقط.

وقالت “هنا نعتمد على تنمية مهارات الطفل. ليس شرطا لأن الطفل يحفظ ويلقن ويحل في امتحان، إذن أنت اتركه يمارس بنفسه والتعليم حتما سيأتي عن طريق الممارسة. لا بد أن يقوم بالعمل بيديه لكي يتعلمه، ولا يجب أن تمنع الطفل من أن يتعلم أي شيء. اتركه يخوض التجربة وسيتعلم كل شيء حتما. هناك أشياء كثيرة نتولى تجريبها، ونتولى إعادة تجريبها وحتما لن نخسر أي شيء”.

ووصلت ديانا ساندور إلى مصر في 2011 بعد أن قضت 16 عاما تفتتح مدارس في دول مختلفة في قارة آسيا بينها الهند والفلبين وماليزيا. وافتتحت ديدي مدرستها في مصر في العام 2012، ويتعلم بها حاليا قرابة 40 طفلا العديد من المواد مثل القراءة والكتابة والغناء والحكي إضافة إلى أنشطة إبداعية أخرى.

ومن خلال اللعب بالإيماءات وتغيير نبرات صوتها تتواصل ديدي مع الأطفال الذين تعلموا منها اللغة الإنكليزية أيضا. وتُعلّم المدرسة الأطفال في مرحلة رياض الأطفال فقط لكنّ أطفالا سابقين أصبحوا مساعدين لديدي بعد تطوعهم لمساعدتها في العملية التعليمية. وقالت إحدى الطالبات “أول ما جئت إلى هنا شرعت في تعليمي الحروف الإنكليزية وفضلت تعلمني لغاية ما صرت أفهم عنها الكثير من الأشياء”.

أميمة عيد: المهارات العقلية تعتمد أساسا على التفكير والإبداع والكلام
أميمة عيد: المهارات العقلية تعتمد أساسا على التفكير والإبداع والكلام

وقالت مدرّسة أخرى مساعدة لديانا تدعى أميمة عيد إننا نقوم بالتركيز على العديد من المهارات منها العقلية والحركية وأيضا البدنية، وفسرت ذلك بقولها “المهارات العقلية تعتمد أساسا على التفكير، الإبداع، والكلام وهي مهارات يحتاجها الطلاب كثيرا، أما المهارات الحركية مثل الرسم والتلوين والجري واللعب والحاجات فهي من المهارات التي نركز عليها كثيرا لأن الطلاب يحتاجونها أيضا، إضافة طبعا إلى المهارة البدنية والمهارة العقلية في نفس الوقت، وهي جميعا تساعد في إذكاء القدرات الذهنية لهؤلاء”.

وكثيرا ما تشكك سكان قرية البحاروة التابعة للعياط بمحافظة الجيزة، في نوايا ديدي عند بداية إقامتها لمدرستها بقريتهم لكنهم سرعان ما وثقوا بها وتوطدت علاقتهم معها مع مرور الوقت.

ولا تمثل تجربة ساندرو حالة فريدة، حيث قاد العديد من الشبان تجارب رائدة في أكثر من بلد عربي يحدوهم الأمل بتغيير واقع التعليم في بلدانهم عبر حلول شخصية مبتكرة غايتها توفير فرص تعليم للآلاف من الطلاب ومساعدتهم على التعلم.

شريف حميدي واحد من هؤلاء والذي كان اجتهد طويلا للحصول على شركاء جدد يؤمنون بمشروعه الذي أطلق عليه “التعليم 4.0” وكان يشمل إلى وقت قريب قرابة الألف طفل من المغرب والإمارات وحتى البوسنة.

وترك الشاب شريف حميدي وظيفته كمستشار استراتيجي ومصرفي متخصص بإحدى شركات الاستثمار الأوروبية ليعود إلى المغرب للاعتناء بوالدته المريضة. وتعمل المؤسسة القائمة على هذا المشروع والتي لها مقران بالمغرب ودبي، على استعمال التكنولوجيا والإنترنت لتعليم الأطفال المنحدرين من طبقات فقيرة ومهمشة من دون رسوم دراسية.

ويتكون فريق المؤسسة من عشرات المدرسين والباحثين والأساتذة الذين يساهمون في تقديم دروس مجانية للطلاب في العديد من المناطق بالمملكة المغربية. وتطمح المؤسسة إلى وضع طرق وأساليب تدريس جديدة من شأنها أن تعزز كفاءات الشباب العربي وتسمح لهم بإتقان تكنولوجيات العصر الجديدة.

وفي الأردن قاد العديد من الشبان مبادرات خاصة كمحاولة منهم لخلق حلول مستدامة لفائدة الشباب. وتدعم مؤسسة “اتحاد المعرفة” في الأردن الحصول على تعليم جيد وتكوين الطلاب بما يتلاءم مع متطلبات العصر الحديث وسوق الشغل في المنطقة. وأسس الشابان حمزة الأرسبي وفرح أبوحمدان ‘اتحاد المعرفة” سنة 2012، وهي مؤسسة اجتماعية حائزة على العديد من الجوائز وتعد من أبرز قصص النجاح الأردنية.

ديدي مدرسة خيرية تساعد أطفال المناطق الريفية على تطوير أنفسهم وتعلم اللغات وفوائد الزراعة

وتقدم المؤسسة خدماتها للطلاب في المحافظات بجميع أنحاء الأردن ومن بين أهدافها تطوير المناهج المتخصصة في كل من المهارات العملية ومنهجيات التفكير.

وفي تونس وجد المهندس الشاب قيس سبع حلا مناسبا لخدمة إدارة شؤون المدرسة وتسهيل تنظيمها الداخلي وذلك عبر تطوير تطبيق أطلق عليه اسم “ODESCO”، يهدف إلى تعميم نظام إدارة التعليم عبر تسهيل التواصل بين الإدارة والطلاب وعائلاتهم.

ويقول سبع ”جاءت فكرة التطبيق بعد أن طلبت مدرسة كندية من أحد أعضاء الفريق تطوير برنامج لتنظيم إدارتها، فقمنا بتطوير تطبيق مشابه يتكيّف مع النظم التعليمية التونسية لتسيير الجانب الإداري بأكمله، الذي يستغرق عادة وقتا كبيرا عند تسييره يدويا”.

وفي تقريرها ”التعليم للجميع” قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” إن واحدا من كل خمسة شبان في الدول العربية لم يكمل دراسته الابتدائية، وهو ما يعادل 10.5 مليون شاب يكافحون من أجل إيجاد عمل آمن وأجر جيد.

ورغم هذه الأرقام التي تعكس أزمة التعليم في عدة دول عربية، فإن ذلك لم يثن العديد من الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية الطامحة إلى تغيير واقع التعليم، وذلك عبر الريادة الاجتماعية والاستثمار في المشاريع التعليمية من أجل محو الأمية وتطوير التعليم المدرسي والجامعي.

17