المال مقابل الأخبار

من بين أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع النشر في الدول العربية غياب حماية الملكية الفكرية، سواء تعلق الأمر بالأدب والفكر أو بالفنون أو بالعلوم.
استخدمت الدول الأوروبية، ومعها الولايات المتحدة، قانون حماية الملكية الفكرية ليس لحماية أصحاب هذه الملكية فقط، بل لحماية الأدب والفن والأبحاث والاختراعات من الابتذال.
كل شيء كان يسير على ما يرام، إلى أن جاءت الإنترنت، ومعها جاءت مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، ثم جاء الذكاء الاصطناعي ومنصات الدردشة، ليصبح الحصول على المعلومات والأخبار مجانيا.
أُولى الضحايا كانت وسائل الإعلام التي أصبح محتواها ملكا مشاعا. لا أنكر أني كنت من بين الذين احتفلوا بهذا الواقع الجديد، ولكن إلى حين.
بعد أربعين عاما من العمل الصحفي أرى السلطة الرابعة تهتز، وتتكبد خسائر فادحة تضطرها أحيانا إلى إقفال أبوابها.
بالطبع يفرحني الحصول على ما أريد من الأخبار مجانا، وأن أستمع إلى الموسيقى التي أحب، وأشاهد مباريات كرة القدم دون مقابل. ولكن يجب ألا تغرينا سهولة ارتكاب الجريمة على اقترافها.
كان لا بد من اتخاذ خطوة لوقف تنمر عمالقة الإنترنت. وهذا ما حصل.
كندا كانت أول المبادرين إلى اتخاذ الخطوة الأولى بإصدارها قانونا جديدا يجبر عمالقة التكنولوجيا على الدفع لمواقع إخبارية مقابل نشر محتواها على المنصات الاجتماعية، لتسارع ميتا إلى حجب المحتوى الإخباري على فيسبوك وإنستغرام عن الكنديين.
ما كانت ميتا تأمله هو أن يبقى التحرك الكندي معزولا، وألا تحذو دولة أخرى حذوها، وبالتالي تضطر إلى التراجع عن القانون الذي أقرته فيما بعد.
حلم ميتا بتراجع الحكومة الكندية عن قرارها لن يتحقق. ما حصل لم يكن مفرحا بالنسبة إلى ميتا وأصحاب المنصات الأخرى.
بعد مرور بضع ساعات على صدور قرار ميتا انضمت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) إلى الحكومة الكندية، بإعلانها رفع دعوى تتعلق بحقوق النشر في فرنسا ضد منصة X (تويتر سابقا)، لإرغام شركات التكنولوجيا على دفع المال مقابل الأخبار.
وتؤكد المجموعة الإعلامية أن المضمون الذي تنتجه يمنح قيمة لمنصات مثل إكس وفيسبوك وغوغل ومنصات الدردشة، وبالتالي من حقها أن تنال ولو جزءا صغيرا من الكعكة، التي ترفض شركات التكنولوجيا أن يشاركها أحد فيها.
وخلال بضع سنوات من انطلاقها استطاعت هذه الشركات أن تجني من الأموال ما عجزت عنه إمبراطوريات إعلامية على مدى عقود.
من كان يسمع قبل خمس سنوات باسم إيلون ماسك الذي يمتلك اليوم 240 مليار دولار ثروة شخصية، ويصنف أغنى رجل في العالم. في المقابل رجل مثل روبرت ماكسويل الذي أسس شركة بيرغامون برس بعد الحرب العالمية الثانية ثم اشترى مجموعة ميرور للصحف وماكميلان توفي عام 1991 مفلسا، ويقال إنه انتحر.
وفي الوقت الذي جمع فيه صبيان وادي السيليكون تريليونات الدولارات، انضم ناشرون كبار إلى قائمة المفلسين.
حان الوقت الآن ليعلن صناع المحتوى تمردهم ويرفعون شعار: المال مقابل الأخبار.