المؤيدون لترامب يتساءلون: كيف تغير توجه رئيسنا من "أميركا أولا" إلى "أميركا في كل مكان"

واشنطن - خاض الرئيس دونالد ترامب حملته الانتخابية على وعد بتشكيل إدارة تمتنع عن إهدار الأرواح الأميركية وأموال دافعي الضرائب في الحروب والمشاريع البعيدة.
لكن الزعيم الجمهوري كشف، بعد مرور أسابيع فقط على انطلاق ولايته الثانية، عن خطط لتوظيف القوة الأميركية في “السيطرة” على غزة وإعادة إعمارها. واقترح إعادة تأكيد السيطرة الأميركية على قناة بنما، وتحدث عن شراء غرينلاند من الدنمارك التي لم تعرض بيع الأراضي.وجاء في تقرير لأسوشيتد برس أن هذا التحول في الخطاب (من “أميركا أولا” إلى ما يبدو أنه “أميركا في كل مكان”) جعل الحلفاء في حيرة من أمرهم، ويتساءلون عن مدى جدية تصريحاته.
وكتب السيناتور راند بول، وهو جمهوري من كنتاكي وحليف لترامب، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “يجب أن يكون السعي إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل مباشر. اعتقدت أننا صوتنا لمبدأ ‘أميركا أولا’. ليس لدينا أي مصلحة في التفكير في احتلال آخر من شأنه أن يستنزف مواردنا ويسفك دماء جنودنا.”
واقترح ترامب الثلاثاء الماضي نقل نحو 1.8 مليون فلسطيني من غزة وتحويل المنطقة المدمرة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” تحت إشراف أميركي مطول وأعاد بذلك إشعال المناقشات حول مسار سياسته الخارجية خلال ولايته الثانية غير التقليدية.
فهل تبقى لغة ترامب الإمبريالية مجرد محاولة لاستعراض القوة على الساحة العالمية؟ وهل يسعى إلى حماية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه مقاومة من شركاء الائتلاف اليمينيين المتطرفين بشأن اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس؟ وهل تجلى اقتراح غزة من عقلية مطور العقارات النيويوركي ترامب؟ أم أننا أمام مزيج من كل هذه العناصر؟
وبغض النظر عن الإجابة، تركت مبادرة ترامب بشأن غزة واشنطن والمجتمع الدولي في صراع لتفسير نهجه في السياسة الخارجية. وحاول مستشارو ترامب في واشنطن الأربعاء الماضي تهدئة المخاوف المحيطة بخططه بشأن غزة، بعد يوم من إعلانه الصادم عن إعادة إعمار “عالمية المستوى” بقيادة أميركية للمنطقة عقب نقل الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة.
وتنصل كبير دبلوماسييه ووزير خارجيته ماركو روبيو وكذلك سكرتيرته الصحافية كارولين ليفيت من اقتراح ترامب الداعي إلى نقل سكان غزة “بشكل دائم”. ووصف روبيو خطة ترامب لتولي “ملكية” غزة وإعادة تطويرها بالمبادرة “السخية”. وقال خلال زيارة إلى غواتيمالا “لم يكن المقصود منها أن تكون خطوة عدائية، بل خطوة سخية.”
ورسم أوجه تشابه بين الوضع في غزة وكارثة طبيعية، مشيرا إلى أن المنطقة ستظل غير صالحة للسكن لسنوات بسبب الذخائر غير المنفجرة والحطام والأنقاض. وقال “سيحتاج الناس إلى مساكن مؤقتة أثناء إعادة بناء المنطقة.” ولم يستبعد ترامب إمكانية نشر قوات أميركية لتنفيذ رؤيته، لكن ليفيت أكدت أن الاقتراح لن يتطلب وجودا عسكريا أميركيا ولا تمويلا على حساب دافعي الضرائب.
وذكرت للصحافيين أن الرئيس يدرك أن مساهمة الولايات المتحدة في إعادة بناء غزة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، لكن هذا لا يستلزم إرسال قوات أو إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين. ولم يحدد البيت الأبيض بعد الأساس القانوني للتدخل الذي اقترحه ترامب في غزة أو الكيفية التي يعتزم بها التعامل مع الحلفاء العرب الرئيسيين، مثل مصر والأردن، الذين يعارضون استقبال سكان غزة.
ويصر فريق ترامب على أنه يسعى إلى التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المزمن الذي هز المنطقة لعقود وأربك الإدارات السابقة. وقالت ليفيت إن “الجنون هو تكرار هذا الشيء وتوقع نتائج مختلفة. إن الرئيس ترامب مفكر غير تقليدي وقائد ذو بصيرة، يحل المشاكل التي يدعي كثيرون، خاصة في هذه المدينة، أنها غير قابلة للحل.”
ويتزامن تأكيد ترامب الأخير على أجندة توسعية مع جهوده لتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهي الوكالة الفيدرالية المكلفة بتقديم المساعدات الأساسية لمكافحة الفقر العالمي والمرض والجوع. ويرى ترامب في الوكالة رمزا للهدر الحكومي وتعزيز السياسات الليبرالية. وأثار هذا التناقض إدانة شرسة من الديمقراطيين.
◙ مبادرة ترامب بشأن غزة تركت اشنطن والمجتمع الدولي في صراع لتفسير نهجه في السياسة الخارجية
ووصف السيناتور كريس كونز، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير، اقتراح ترامب بشأن غزة بـ”المسيء والمجنون والخطير والأحمق،” محذرا من أنه قد يصور الولايات المتحدة على أنها “غير متوازنة وغير جديرة بالثقة لأن رئيسنا يقدم مقترحات مجنونة.” كما انتقد ترامب على دفعه خطة غزة في حين يسعى إلى سحب التمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بتعلة مكافحة الهدر الحكومي.
وتساءل عن منطق التخلي عن عقود من المبادرات الإنسانية الناجحة والتوجه إلى واحدة من أكثر التحديات الإنسانية تعقيدا في العالم. وقوبل اقتراح ترامب فورا برفض الحلفاء الأوروبيين والشرق أوسطيين، بما في ذلك الدول التي دعاها إلى استضافة النازحين الفلسطينيين. ونددت جامعة الدول العربية، وهي منظمة إقليمية تضم 22 عضوا، بالخطة ووصفتها بأنها “وصفة لعدم الاستقرار”.
وأكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن النازحين في غزة “يجب أن يكون لهم الحق في العودة إلى ديارهم.” وأعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن تهجير المدنيين الفلسطينيين سيكون “غير مقبول ومخالفا للقانون الدولي.” كما رفض السيناتور ليندسي غراهام، وهو من أشد مؤيدي ترامب، التدخل الأميركي في غزة. وقال إن “فكرة دخول الأميركيين أرض غزة ليست مقبولة لأي عضو في مجلس الشيوخ.”
وأضاف ” لذلك أقترح أن نعود إلى ما كنا نحاول القيام به، أي تدمير حماس وإيجاد طريقة لسيطرة العالم العربي على غزة والضفة الغربية بطريقة تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية يمكن لإسرائيل أن تتعايش معها.” وظل ترامب ثابتا على موقفه، وقال للصحافيين إن “الجميع يحبون” مقترحه. وكرر نتنياهو مدحه للرئيس الأميركي، حيث أشاد بالفكرة خلال حديثه مع شون هانيتي من قناة فوكس نيوز ودعا إلى متابعتها لأنها “ستخلق مستقبلا مختلفا للجميع.”