اللّبان.. نفط عُمان القديم يتجدد

شجرة ظفار تدعم صناعة الأدوية ومواد التجميل.
الخميس 2022/01/06
ثروة الغابة

بعد أن أهمل العمانيون شجرة اللبان التي كانت مصدر رزق هام لعدد غفير منهم زراعة وتجارة منذ قدم التاريخ حيث كانوا يصدرونها إلى آسيا وأوروبا لأهميتها الطبية والروحية، ومع بداية أفول طفرة النفط التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي، تعود السلطات العمانية للاهتمام بهذه الشجرة لتكون أحد أعمدة اقتصاد المستقبل.

ظفار (سلطنة عمان) ـ تستحوذ محافظة ظفار في سلطنة عمان على النصيب الأكبر من زراعة اللبان، إذ توفر أراضي المحافظة التربة والمناخ الملائمين لنمو الشجرة بشكل لا مثيل له في الدول الأخرى التي توجد فيها.

ويصل ما تنتجه المحافظة في العام الواحد إلى ‏سبعة آلاف طن تقريبا، وهو ما يمكن تقدير قيمته المبدئية بنحو 30 مليون ريال عماني (نحو 760 مليون دولار أميركي).

وحرصت الهيئات المختصة في السلطنة على الحفاظ على أشجار اللبان ومناطق زراعته باعتباره ثروة قومية، وذلك من خلال إنماء أشتال الأشجار وتشجيع المزارعين على استنباته وتهيئة الظروف المعينة على تعزيز إنتاجيته، نظرا إلى الطلب عليه محليا ودوليا.

وقال سالم عقيل الباحث والمتخصص في التاريخ العماني، إن “اللبان شجرة قديمة ومقدسة في الحضارات ولها استخدامات شتى، إذ استخدمها المصريون القدماء في التحنيط، والرومان في المعابد، والعرب في مجالسهم، فلم يكن أحد يستغني عنها”.

وتشير المصادر التاريخية أيضا إلى أن ازدياد الطلب على اللبان في بلاد اليونان وبلاد الشام والعراق وفارس يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد؛ وذلك إزاء ما كان يمثله اللبان من أهمية للإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في الطقوس الدينية.

وتشير ذات المصادر أيضا إلى أن اللبان وصل إلى أوروبا الغربية عن طريق الحملات الصليبية على الشرق في العصور الوسطى، حيث يذكر بعض الباحثين أن اللبان انتقل لأوروبا الغربية من لبنان.

وأضاف عقيل أن “شجرة اللبان تنبت في أماكن خاصة بها، لأنها لا تسقى بالماء مباشرة، وتنبت في ظل الجبل وتعيش على الندى، كما أن اللبان يوجد في أربع دول هي الهند وعمان واليمن والصومال”.

وأشار إلى أن أجود أنواع اللبان هو الظفاري (نسبة إلى منطقة ظفار) والذي يقسم إلى عدة أنواع، هي الحوجري والحاسكي والنجدي والشزري.

Thumbnail

وأوضح أن النوع الحوجري هو الأجود ويأتي بفص أبيض مع اخضرار ويستخدم في الطب، والنوع الثاني هو الحاسكي، الذي ينمو في شمال حاسك (محافظة سدح في ظفار).

أما النوع الثالث فهو النجدي الذي ينمو في منطقة النجد بين الجبال والصحراء، فيما النوع الرابع هو الشزري، وهو نوع طيب جدا ورائحته فواحة ويستخدم في البخور، وثمة مصانع خاصة في عُمان لإنتاج هذا النوع من اللبان.

وهناك نوع خامس من اللبان يُسمى الشعبي، وهو أقل في الجودة لأنه ينبت في السهول، ويتعرض لماء المطر.. وكلما تعرض شجر اللبان للأمطار كلما قلت جودته، وفق تعبير عقيل.

وقال إن الكثير من الأساطير حامت حول شجرة اللبان، و“الهدف منها منع غزو المناطق التي تُزرع فيها هذه الشجرة، وقد فشل البرتغاليون في ذلك، كما الإسكندر الأكبر.. أما الملكة المصرية حتشبسوت فبعثت السفن الكبيرة إلى ظفار لتجلب لها أطنانا من اللبان”.

محافظة ظفار تنتج تقريبا سبعة آلاف طن من اللبان في العام الواحد وتبلغ قيمتها حوالي 760 مليون دولار أميركي

وعلى الرغم من تراجع استخدام اللبان مع التحولات التي شهدتها العصور الماضية، لفت عقيل إلى “أن تجارته استمرت وصُدّرت منه كميات كبيرة إلى أوروبا والهند والولايات المتحدة”، لما له من استخدامات متعددة في صناعة الأدوية، والزيوت والمساحيق والعطور والشموع ‏الخاصة.

ومن أهمّ فوائده لجسم الإنسان إزالة حالات ضعف أداء الكلى ويقلل خطر الإصابة بالحصى، ويقلل حالات الشعور بالهزال، ويعمل على تقوية عضلة القلب؛ مما يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب المختلفة.

ويستخدم اللبان أيضا لعلاج الربو وتقوية الذاكرة، “وروي أن الإمام الشافعي استخدم اللبان لتنشيط الذاكرة، فأسرف في استخدامه إلى أن أصيب بسيولة في الدم فعزف عنه، وما يزال مستخدما إلى اليوم في الطب”.

ويساعد اللبان كذلك على علاج الحروق إذا مُزج بالعسل، ويزيل البلغم ويعمل على تصفية الصدر ويقلل آلام المعدة، ويعمل على تقويتها وزيادة كفاءتها.

ويقلل اللبان من خطر الإصابة بالقرحة بسبب قدرته على تقليل الحموضة، ويحسن من هضم الطعام ويعمل على طرد الغازات، كما يستخدم مادة مسكّنة للروماتيزم والصداع، ويعتبر مادّة مسكّنة للأكزيما وآلام المفاصل، ويعمل على تأخير الشيخوخة بسبب قدرته على إزالة التجاعيد.

وكان باحثون من جامعة نزوى تمكنوا من مضاعفة وفصل وتنقية مادة في اللبان العماني، خضعت لأبحاث عالمية وثبتت كفاءتها في القضاء على عدد من الخلايا السرطانية.

ويبدأ موسم الحصاد من مايو إلى سبتمبر من كل عام، بعد انتهاء الأمطار، ويتم فصل كل نوع من اللبان عن الآخر، وتبعد كل شجرة عن الأخرى بين 3 و5 أمتار، إذ تُلقح الأشجار عن طريق الهواء خلال فصل الشتاء.

وبحسب عقيل، تنتج الشجرة الواحدة أكثر من 17 كيلوغراما، والمنطقة التي ينتج فيها اللبان تسمى “منزل”، وهذه المنازل يملكها أفراد من خلال الشراء من أصحاب الأرض.

وقال ”الشجرة يملكها تجار وملّاك، وعندما يموت المالك لا يجوز توريثها للنساء اللواتي يُجبرن على التنازل عن إرثهن من شجر اللبان، كي لا ينتقل إلى القبيلة الأخرى”.

وتابع “بعد انتهاء الحصاد يُحمل اللبان على الجمال إلى أسواق ظفار وسدح ومرباط، ثم تُوزن الكميات المباعة ويُفصل كل نوع على حدة، ثم يُخزن داخل مخازن خاصة”.

ولفت أحمد عامر العوايد، مشرف على محمية وادي دوكة التي توجد فيها الشجرة، إلى أن “اللبان أشجار طبيعية تنمو في أحد المواقع المسجلة في قائمة التراث العالمي عام 2002 تحت مسمى مواقع اللبان، وهناك أربعة مواقع ثقافية وموقع واحد طبيعي، وهو محمية وادي دوكة”.

وأضاف “الكثير من المهتمين يزورون محافظة ظفار وأحيانا يسعى السائح للوصول إلى المناطق الجبلية والأودية التي تحتوي على الأشجار، كما أن الوادي مهيأ لاستقبال الزوار، من حيث المرافق وزراعة الأشجار”.

وأشار إلى أن “شجرة اللبان من البخوريات، وتوجد في محافظة ظفار التي تتميز عن غيرها بوجود هذا النوع من الأشجار التي لا بد لنموها من بيئة خاصة.. أسميها أنا بالشجرة المدللة، نظرا إلى وجودها في مناخ خاص”.

وأردف “اكتشاف النفط أوجد عدة وظائف جديدة وغير متعبة، فعزف الناس عن إنتاج اللبان وانخرطوا في المجال المدني لكون العمل في هذه الأشجار متعبا.. كما أثر النفط على قلة تصدير اللبان إلى المناطق الأخرى”.

18