اللقاحات في قلب صراع "بارد" بين الشرق والغرب

الكرملين يرد على اتهام فرنسا لروسيا باستخدام لقاحها كـ"وسيلة دعاية".
الجمعة 2021/03/26
اللقاح يشعل معركة بين الدول الكبرى

موسكو - غذى سباق اللقاحات ضد فايروس كورونا الصراع البارد بين القطبين الروسي والصيني من جهة، والغرب من جهة ثانية، بعد اتهام باريس موسكو وبكين باستخدام لقاحاتهما كوسيلة للنفوذ على الساحة الأوروبية.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجمعة إن "روسيا والصين تخوضان سياسة نفوذ من خلال اللقاح قبل أن تلقحا حتى شعبيهما".

وتأتي هذه التصريحات في خضمّ فترة التوتر بشأن ترخيص اللقاح الروسي "سبوتنيك في" في الاتحاد الأوروبي، إذ إن روسيا تتهم بروكسل بإبطاء هذه العملية إراديا، فيما تتهم بروكسل كلا من موسكو وبكين بـ"استغلال اللقاحات لأغراض دعائية".

وشهدت العلاقات بين الغرب وروسيا والصين منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن تصاعدا خطيرا، ما أعاد إلى الأذهان شبح الحرب الباردة التي خيمت على العالم لسنوات بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة.

وانتقلت المخاوف الأميركية من تصاعد النفوذ الصيني والروسي إلى أوروبا في ظل تبادل طرد دبلوماسيين.

ويثير تصاعد نفوذ الصين الاقتصادي في الغرب بشكل متسارع مخاوف القارة العجوز، فالاستثمارات الصينية في أوروبا طالت معظم القطاعات، وحققت بكين في السنوات الأخيرة فائضا تجاريا مع معظم دول الاتحاد الأوروبي.

وتطمح الصين للسيطرة على أبرز الأسواق في العالم، وهو ما تعكسه أرقام استثمارات الشركات الصينية المستقلة، والأخرى المدعومة من حكومة بكين، في الدول الأوروبية، التي بلغت خلال الأعوام العشرة الماضية نحو 318 مليار دولار.

وأضاف لودريان في تصريح لإذاعة "فرانس إنفو" أنه "بحسب طريقة التعامل مع مسألة اللقاحات، فهو وسيلة دعاية ودبلوماسية عدائية أكثر منه وسيلة تضامن ومساعدة صحية".

واستشهد بمثل تونس ليقارن بين الإعلانات الروسية عن تسليم شحنات من اللقاح وعمليات تسليم اللقاحات التي حققتها آلية كوفاكس الدولية، التي أنشأتها منظمة الصحة العالمية للدول الأكثر فقرا.

وقال لودريان "أعلنت روسيا وسط تغطية إعلامية مكثفة أنها ستعطي التونسيين 30 ألف جرعة، ممتاز لسبوتنيك!".

صورة

وتابع "لكن في الوقت نفسه، سلمت كوفاكس حتى الآن مئة ألف جرعة وستسلم 400 ألف جرعة إضافية بحلول شهر مايو. ومن المقرر بالإجمال تسليم تونس أربعة ملايين جرعة هذه السنة. هذا هو عمل التضامن الحقيقي، هذا هو التعاون الصحي الحقيقي".

وأشار رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى حرب النفوذ حول اللقاح الذي تمارسه روسيا والصين، مستشهدا بمثال السنغال موضحا أنه حين أعلنت الصين "تسليم مئتي ألف جرعة إلى هذا البلد"، كانت آلية كوفاكس قد سلمته "بالفعل" ضعف ذلك.

ورد الكرملين الجمعة على الاتهامات الغربية، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف "لا نوافق إطلاقا على (اتهامات) مفادها أن روسيا والصين تستخدمان كورونا والإشكالية التي تطرحها اللقاحات كأدوات نفوذ".

ولم يحصل لقاح "سبوتنيك في" على موافقة وكالة الأدوية الأوروبية، خلافا للقاحات فايزر بيونتيك وموديرنا وأسترازينيكا أكسفورد.

وبالرغم من مصادقة 56 دولة على لقاح "سبوتنيك في" وسط دعاية عامة روسية مكثفة، تواجه روسيا صعوبة في تلقيح مواطنيها الذين يبدي قسم كبير منهم ريبة حيال اللقاحات.

واستنكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تلقى اللقاح الثلاثاء بعيدا عن عدسات المصورين، الانتقادات الأوروبية "الغريبة" في ظل الوضع الصحي الطارئ وبطء حملة التلقيح في أوروبا.

وانتقد وزيرا خارجية روسيا والصين الثلاثاء الماضي السياسة التي تنتهجها الدول الغربيّة بشأن اللقاحات المضادة لفايروس كورونا، رافضين الاتهامات الموجهة إلى بلديهما بـ"الانتهازية" ومؤكدين أنهما لا يسعيان سوى إلى "إنقاذ الأرواح".

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال زيارة رسمية إلى الصين، إن الغربيين "يحاولون تقديم روسيا والصين على أنهما انتهازيتان في المجال الذي يُسمّى دبلوماسية اللقاحات. وهذا الأمر غير صحيح على الإطلاق".

وأضاف أن سياسة اللقاحات يجب أن "تقودها الاعتبارات الإنسانية ومصلحة إنقاذ الأرواح، وليس الاعتبارات الجيوسياسية أو مقاربات تجارية للتغلب على المنافسة".

وأكد نظيره الصيني وانغ يي أن "بدلا من القول إن الصين تنوي انتهاج نوع من دبلوماسية اللقاحات، من الأفضل القول إن الصين تقوم حاليا بعمل إنساني".

وأضاف "نيّتنا منذ البداية السماح لأكبر عدد من الأشخاص بتلقي اللقاح بأسرع وقت ممكن".

وفي الوقت الذي تدرس فيه الوكالة الأوروبية للأدوية طلب ترخيص اللقاح الروسي، ترتقب زيارة لمجموعة خبراء من الوكالة إلى روسيا في العاشر من أبريل لدراسة التجارب السريرية التي أُجريت على لقاح "سبوتنيك في"، بحسب وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو.

وسبق أن اختارت عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي خصوصا المجر، التطعيم باللقاحين الروسي والصيني اللذين لم يُرخصا بعد في الاتحاد الأوروبي.