اللغة التركية مدخل لتوسيع نفوذ أنقرة في الأردن

عمان – يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استغلال كل الفرص المتاحة أمامه لتوسيع نفوذ بلاده في الشرق الأوسط والمنطقة العربية المضطربة، ضمن حلمه بإنشاء إمبراطورية عثمانية جديدة. وتبدو اللغة التركية أحدث مظاهر توسيع النفوذ العثماني، حيث تعمل السلطات التركية منذ سنوات على عقد شراكات مع دول عربية لإقرار اللغة التركية ضمن مناهجها التعليمية.
وفي مارس الماضي وقع معهد “يونس إمره” ومجموعة مدارس “كنجستون” الأردنية (خاصة) اتفاقية تعاون لاعتماد اللغة التركية مادة اختيارية لطلبتها، وذلك للمرة الأولى في المملكة.
وتبعت هذه الاتفاقية محاضرات توجيهية مكثفة، قدمها المركز التركي لطلاب “كنجستون” وأولياء أمورهم حول الفرص المتاحة لهم من منح حكومية وآلية الالتحاق بالجامعات التركية عقب إنهاء دراستهم الثانوية.
الأردنيون يقبلون على تعلم اللغة التركية نظرا للقرب الجغرافي بين البلدين، لكنّ للمسلسلات التركية التي اعتمدتها أنقرة كوسيلة للانتشار تأثيرا كبيرا على الأردنيين
وما إن بدأ العام الدراسي وانتظمت الدراسة في المملكة مطلع سبتمبر الماضي حتى تسابق طلبة مدارس “كنجستون” إلى اختيار “التركية” لغة اختيارية لهم عوض الفرنسية التي كانت اللغة الاختيارية الثانية.
وقال مدير عام المدارس محمد أبوعمارة “وقعنا اتفاقية مع مركز يونس إمره في مارس الماضي لتدريس التركية في مدارسنا لغة اختيارية للطلاب إلى جانب الفرنسية”.
وأضاف “تفاجأنا بالإقبال الكبير من قبل الطلاب على اختيار اللغة التركية، إذ بلغ عدد من اختاروها بديلا عن الفرنسية نحو 900 طالب وطالبة (من أصل 1000)، والعدد في ازدياد”.
وتابع “حددنا بدء تعلم اللغة التركية من الصف الرابع حتى الثاني عشر، إلا أننا نواجه مطالبات من الصفوف الثلاثة الأولى أيضا بتدريسهم إياها”.
وأوضح أن المدارس ستفتح اعتبارا من السبت المقبل شُعبا لتعليم اللغة التركية لأولياء الأمور وأبناء المجتمع المحلي، نتيجة مطالبات مكثفة منهم بهذا الخصوص.
ويقبل الأردنيون على تعلم اللغة التركية نظرا للقرب الجغرافي بين البلدين، لكنّ للمسلسلات التركية التي اعتمدتها أنقرة كوسيلة للانتشار تأثيرا كبيرا على الأردنيين، وخاصة منهم المراهقين الحالمين بجنة إسطنبول وجماليات الحياة التي تبهرهم بها الدراما التلفزيونية.
وتقول براء أحمد، معلمة اللغة التركية في مدارس “كنجستون”، إن تعلم تلك اللغة شهد “انتشارا واسعا في الأردن على مدى السنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى قرب البلدين جغرافيا وثقافيا ودينيا واجتماعيا”.
وتوضح أن أهداف متعلميها تتنوع بحسب أعمارهم ومحبتهم لتعلم اللغات، إذ هناك العديد من الطلاب الذين يفضلون تعلم التركية على غيرها من اللغات بسبب قرب تركيا من الأردن وسهولة زيارتها للسياحة أو لأغراض التجارة أو العمل، بينما يفضل الكثير من الطلاب تعلمها بسبب انتشار المسلسلات التركية في العالم العربي. كما يرغب العديد من الشبان والشابات في الدراسة هناك، حيث توفر لهم أنقرة منحا دراسية في مختلف جامعاتها التي تعتبر قوية عالميا.
واستدركت “لا يمكن إخفاء أن الشعبين التركي والأردني يتشابهان في الكثير من العادات والتقاليد وطريقة العيش، مما يدفع فضول كل منهما إلى تعلم لغة الآخر والمزيد من التعمق في ثقافته”، فيما قالت المعلمة الأخرى ذوات اللوباني “لقد لاقت التركية إقبالا مدهشا بالنسبة إلي؛ فقد أبدى الطلبة رغبتهم الكاملة واستعدادهم لتعلم هذه اللغة التي تجذبهم من جميع نواحيها”.
وأوضحت أن ذلك يفسر بـ”قربها إلى اللغة العربية وتاريخ الدولة التركية وقربها الجغرافي بالنسبة إلى الأردن”. وأضافت “حتى أن هناك عددا من الطلبة ذوي الأصول التركية جاءوا للتسجيل في ‘كنجستون’ خصيصا لتعلّم اللغة التركية”.
ولمجاراة الإقبال الكبير على تعلم هذه اللغة قال مدير معهد يونس إمره في الأردن، جنكيز إر أوغلو، إن المركز سيوفر للمدارس المزيد من المدرسين والمدرسات الأكفاء من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة للمقبلين على تعلم اللغة التركية.
واستطرد “بحسب ما أبلغني مدير ‘كنجستون’ هناك 40 طالبا من أصل 50 في مرحلة الثانوية العامة، التحقوا بتعلم اللغة التركية”.
واعتبر أن “مرد هذا الإقبال هو محاضرات توجيهية سابقة للطلاب وأولياء الأمور حول آلية الالتحاق بالجامعات التركية، والمنح المتاحة لهم وأفضليتهم بالحصول عليها، نتيجة تعلمهم للغة التركية”.
بدورها قالت الطالبة سلاف سبيتان (الصف التاسع) إنها تتعلم اللغة التركية “حتى نستطيع التنقل من مكان إلى آخر عند زيارتنا لإسطنبول، فإننا لا نواجه أي صعوبة بعد تعلم اللغة التركية، وقد تتاح لي فيما بعد الدراسة أو العمل فيها”.
أما الطالبة هيلين زهران (الصف الخامس) فأفادت “أحب تعلم اللغة التركية لأن أختي الكبيرة كانت تتعلمها، وكنت أسمع منها بعض الكلمات وأحفظها”.
وتابعت “سعيدة جدا الآن لأنني بدأت أتعلم التركية فهي لغة جميلة جدا ويمكن أن أدرس مستقبلا في تركيا فهي دولة جميلة”. فيما لفتت طالبة الصف السابع أمل عقيل “منذ صغري وأنا أحب اللغة التركية وأتمنى أن أتعلمها. هناك جملة هي (her lisan bir insan)، تعني كل لسان جديد (لغة جديدة) يعادل إنسانا جديدا”.
وتقول أنقرة إن جامعاتها تقدّم فرصا لطلاب الأردن وطلاب الدول العربية عامة لاستكمال تعليمهم. غير أن الكثير من المراقبين والخبراء يشككون في المزاعم التركية. ويرى هؤلاء أن وراء استقطاب الطلبة إلى الجامعات التركية غايات سياسية وأيديولوجية.
ويبدو أن تركيا تتبع منذ سنوات قليلة سياسة سوفييتية (استقطاب الطلبة إلى الجامعات الروسية خلال فترة الاتحاد السوفييتي من ثلاثينات إلى ستينات القرن الماضي أسهم في نشر الفكر الشيوعي)، خاصة بعد أن تمت تصفية الجامعات من الذين يحملون فكرا مغايرا لفكر حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتعويضهم بأساتذة وموظفين موالين له.
وفي عام 2016 أنشأت تركيا وقف معارف، ليتولى إدارة المدارس في الخارج. كما تقوم بإنشاء مدارس ومراكز تعليمية في الخارج. واستطاع الوقف خلال فترة وجيزة التواصل مع 70 دولة في العالم، وأسس ممثليات في 34 بلدا من بينها الأردن، ويمتلك حاليا قرابة 100 مدرسة لمختلف المراحل التعليمية في 20 دولة.
ومعهد “يونس إمره” التركي تأسس في عمان عام 1969، وتجاوز عدد خريجيه خلال الأعوام القليلة الماضية 4 آلاف طالب، وفق إحصائيات المعهد.