اللاجئون يتدفقون على شارع الحمرا ببيروت

حركة واكتظاظ في قلب العاصمة اللبنانية والتجارة تترنح.
السبت 2024/10/26
مسرحية الحياة

خّلف اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله حركة نزوح من جنوب لبنان ووادي البقاع الشرقي والضاحية الجنوبية لبيروت في اتجاه قلب بيروت فُنصبت فيه خيام عشوائية سكانها من جنسيات مختلفة وتحولت الفنادق وحتى الفضاءات الثقافية إلى ملاجئ تؤوي الفارين من القصف.

بيروت – يقبع العشرات من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين النازحين بسبب الحرب بين إسرائيل وحزب الله في واحدة من أقدم وأشهر دور السينما في بيروت، ويقضون وقتهم في متابعة الأخبار على هواتفهم والطهي والدردشة والتجول لتمضية الوقت.

وينتشر النازحون على أرصفة شارع الحمرا، الذي كان ذات يوم مركزا اقتصاديا مزدهرا. وأصبحت الفنادق والشقق مكتظة بأولئك الذين يبحثون عن مأوى، ويتواصل الازدحام في المقاهي والمطاعم.

لكن النزوح الجماعي لمئات الآلاف من الأشخاص من جنوب لبنان ووادي البقاع الشرقي والضاحية الجنوبية لبيروت منح دفعة لهذه المنطقة التجارية بعد سنوات من التراجع نتيجة للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان. لكن هذه لم تكن إعادة الحياة التي حلم بها الكثيرون.

وقال مدير فندق أربع نجوم، طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة عن المشاكل التي سببها التدفق إلى الحي، إن “النزوح أعاد إحياء شارع الحمرا بطريقة خاطئة”.

وبقي فندقه ممتلئا لمدة ثلاثة أسابيع بعد اشتداد الحرب في منتصف سبتمبر، ثم غادر البعض إلى شقق مستأجرة بأثمان أرخص، لكن 65 في المئة من غرفه لا تزال تحتضن النازحين. وتعدّ النسبة جيدة لهذا الوقت من العام.

فتح عينيه على السماء
فتح عينيه على السماء

وقال إن تدفق النازحين جلب الفوضى أيضا، وأصبح الازدحام المروري ومواقف السيارات المزدوجة والدراجات النارية والدراجات البخارية المنتشرة على الأرصفة هو الأمر العادي الذي يزعج المشاة. وأضاف أن التوترات تتصاعد بانتظام بين النازحين وسكان المنطقة.

ولطالما كان شارع الحمرا مؤشرا على السياسة اللبنانية المضطربة. وحين كان لبنان في القمة خلال الستينات ومطلع السبعينات، كان الشارع ساحرا. وكان به أفضل دور السينما والمسارح في البلاد، والمقاهي التي يرتادها المثقفون والفنانون، والمحلات التجارية الفاخرة.

وتقلبت أوضاعه على مدى العقود الماضية، اعتمادا على الوضع في الدولة الصغيرة المتوسطية التي شهدت فترات متكررة من عدم الاستقرار، بما في ذلك الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة وانتهت خلال 1990. كما اجتاحت الدبابات شارع الحمرا في 1982، حين غزت إسرائيل البلاد، ووصلت إلى بيروت الغربية.

وتغيرت ملامح المنطقة خلال السنوات الأخيرة بسبب تدفق اللاجئين السوريين الفارين من الحرب في الدولة المجاورة. وتضررت الشركات بسبب الانهيار المالي للبلاد المستمر منذ 2019.

وصعّدت إسرائيل هجماتها على أجزاء من لبنان في الثالث والعشرين من سبتمبر مما أسفر عن مقتل حوالي 500 شخص وإصابة 1600 في يوم واحد بعد حوالي سنة من المناوشات على طول الحدود بين القوات الإسرائيلية وجماعة حزب الله. وتسببت الهجمات المكثفة في نزوح جماعي للأشخاص الفارين من القصف، بمن فيهم العديد ممن ناموا في الساحات العامة أو على الشواطئ أو الأرصفة حول بيروت.

بلا مأوى
بلا مأوى

وسجلت وزارة الصحة اللبنانية مقتل أكثر من 2574 شخصا وجرح أكثر من 12 ألفا في سنة الحرب، كما نزح حوالي 1.2 مليون شخص.

واجتاح النازحون الحمرا، حيث انتقل البعض للعيش مع الأقارب أو الأصدقاء، وتوجه آخرون إلى الفنادق وتحولت المدارس إلى ملاجئ. واقتحم البعض مؤخرا العديد من المباني الفارغة. وأجبرتهم قوات الأمن على المغادرة في مواجهات تحولت في بعض الأحيان إلى عنف.

وقال محمد ريس، عضو جمعية تجار شارع الحمرا، إن بعض الشركات كانت تخطط للإغلاق بسبب الصعوبات المالية قبل تدفق النازحين.

وأكد أن تدفق النازحين عزز التجارة في الحمرا بطرق لم يسبق لها مثيل منذ سنوات. وعلّق “إنه شيء لا يمكن تخيله”. وقال إن بعض التجار ضاعفوا الأسعار بسبب ارتفاع الطلب.

وقال فاروق فهمي، الذي يمتلك متجرا للهواتف المحمولة، إن مبيعاته ارتفعت خلال الأسبوعين الأولين بنسبة 70 في المئة، حيث كان الأشخاص الذين فروا من منازلهم يشترون في الغالب أجهزة الشحن وأرصدة لتصفح المواقع الإلكترونية لمتابعة الأخبار. لكنه أشار إلى أن السوق أصبحت راكدة مرة أخرى الآن.

وسجل متجر صغير يملكه هاني (رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب تتعلق بالسلامة) نمو مبيعات الملابس الداخلية والبيجاما للرجال والنساء بنسبة 300 في المئة لأن الكثيرين فروا من منازلهم دون حزم الكثير من الأمتعة.

وأغلقت دار سينما الكوليزيه أبوابها لأكثر من عقدين حتى وقت سابق من هذا العام عندما تولى الممثل والمخرج اللبناني قاسم إسطنبولي، مؤسس المسرح الوطني اللبناني، مهمة تجديد المعلم البالغ من العمر 60 عاما. وحولت موجة النزوح الهائلة هذا الموقع البارز في شارع الحمرا إلى مأوى للعائلات التي فرت من منازلها في جنوب لبنان.

وقرر قاسم إسطنبولي، الذي أسس مسارح في مدينة صور الساحلية الجنوبية ومدينة طرابلس الشمالية (ثاني أكبر مدينة في لبنان)، تحويل البنايات الثلاثة إلى ملاجئ يمكن للنازحين اللجوء إليها بغض النظر عن جنسيتهم.

أين المقام
أين المقام

وجلس النازحون هذا الأسبوع في دار سينما بيروت على مراتب رقيقة انتشرت على سجادات المبنى الحمراء يتابعون الأخبار من هواتفهم بينما كان البعض يساعد في أعمال تجديد المسرح.

وكان من بينهم عبدالرحمن منصور، وهو مواطن سوري وصل مؤخرا مع أشقائه الثلاثة وأمهم الفلسطينية – اللبنانية جمانة حنفي.

قال منصور إن عائلته هربت من صور بعد هجوم صاروخي قرب منزلها، ولجأت إلى مدرسة في مدينة صيدا الساحلية، حيث سمح لهم بالبقاء لأن والدتهم مواطنة لبنانية.

ثم اكتشفت إدارة الملجأ أن منصور وإخوته سوريون، فاضطروا إلى المغادرة لأن المكان مخصص للمواطنين اللبنانيين فقط. وعادوا إلى صور لأنهم لم يجدوا أي مكان آخر.

وتحدثت حنفي عن شدة القصف قائلة “قضينا ليلة في صور، آمل ألا تشهدوا مثلها”.

وأشارت إلى أن أحد أبنائها يعرف قاسم إسطنبولي واتصل به. وأضافت “قلنا له، قبل أي شيء، نحن سوريون. فقال إنه من العار أننا نضطر إلى التصريح بذلك”.

ويقضي إسطنبولي ساعات يوميا في مسارحه في بيروت وطرابلس ليكون قريبا من النازحين الذين يحتمون به. وقال “عادة ما كان الناس يأتون إلى هنا لمشاهدة فيلم. لكننا اليوم جميعا في المسرح بينما يُعرض الفيلم في الخارج”.

الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي يحول فضاءاته الثقافية إلى ملاجئ يمكن للنازحين اللجوء إليها بغض النظر عن جنسياتهم
الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي يحول فضاءاته الثقافية إلى ملاجئ يمكن للنازحين اللجوء إليها بغض النظر عن جنسياتهم

16