اللاجئون ورقة ابتزاز لبنانية للتغطية على فساد قطاع الطاقة

بيروت - يختار القادة اللبنانيون ابتزاز وكالات الأمم المتحدة التي تدعم اللاجئين في بلادهم للحفاظ على نظام فاسد وتجاوز الإصلاحات، فيما يحملون اللاجئين السوريين فاتورة عجز قطاع الطاقة. وتعكس المعركة المستمرة بين بيروت ونيويورك حول تكاليف الطاقة الطبيعة الفاسدة للطبقة الحاكمة في لبنان وعيوب العلاقة بين الكيانين.
وفي الحادي والعشرين من أغسطس، أعلن مجلس الوزراء اللبناني أنه سيقطع الكهرباء عن مخيمات اللاجئين السوريين إذا فشلت الأمم المتحدة في دفع المستحقات المفترضة المستحقة لمؤسسة كهرباء لبنان، وهي شركة الكهرباء الحكومية في لبنان.
ويأتي ذلك بعد قرار أولي صدر في شهر يونيو برفع فاتورة إلى الأمم المتحدة بتكاليف الطاقة المرتبطة باللاجئين السوريين والفلسطينيين الذين يعيشون في البلاد. وفي ذلك الوقت، قال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض "لا يمكننا أن نسمح لهذه القضية بإزعاج التوازن المالي لشركة الكهرباء الحكومية في لبنان، والتي كانت على وشك الانهيار".
وبدأت السلطات اللبنانية، بناء على تعليمات فياض، بتحصيل مدفوعات الكهرباء المقدمة للاجئين الفلسطينيين في ديسمبر 2022. ولم تحظ هذه الخطوة بشعبية كبيرة بين المجتمع الفلسطيني في لبنان لأنها حدثت خلال فترة انخفاض التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وتتولى الأونروا مسؤولية البنية التحتية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث تدفع معظم أو كل فواتير الكهرباء للأفراد والعائلات التي تعيش هناك. ويعمل اللاجئون السوريون في لبنان ضمن نظام مماثل تدعمه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.
ويقع توفير الكهرباء ضمن ولاية الأمم المتحدة في عملها مع اللاجئين السوريين في جميع أنحاء لبنان. ويغطي تمويل الأمم المتحدة شراء الوقود وصيانة المولدات التي تعمل إلى حد كبير على تشغيل مخيمات اللاجئين السوريين الرسمية وتقع خارج توليد الطاقة اللبنانية التقليدية.
وتعيش أغلبية كبيرة من اللاجئين السوريين في لبنان في مخيمات رسمية أو غير رسمية، في حين أن أولئك الذين يعيشون في مخيمات غير رسمية غالباً ما يحصلون على القليل من الكهرباء أو لا يحصلون عليها على الإطلاق.
ويتجاهل فياض والطبقة السياسية في لبنان هذه الحقائق، ويختارون بدلا من ذلك جعل اللاجئين كبش فداء، في حين يقومون بابتزاز الجهات الفاعلة الإنسانية التي توفر الإمدادات الأساسية لمن هم في أمس الحاجة إليها.
ورغم أن هذا النهج مروع، فإنه ليس مفاجئا عند ملاحظة معاملة الحكومة اللبنانية للاجئين السوريين، الذين يواجهون بانتظام الاعتقال التعسفي والتعذيب والإعادة القسرية إلى سوريا.
ويحصل اللاجئون السوريون على تصاريح عمل قليلة ومتباعدة ويكاد يكون من المستحيل الحصول على السكن، ناهيك عن الحصول عليه بتكلفة عادلة. ونتيجة لذلك، يعيش ما يقدر بنحو 90 في المئة من اللاجئين السوريين في فقر مدقع.
والأسوأ من ذلك أن أنظمة الإقامة في لبنان، الصادرة في يناير 2015، خلقت مشكلة متعمدة للاجئين السوريين من خلال اشتراط التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو كفيل لبناني للبقاء في البلاد بشكل قانوني.
ويشكل كلاهما أعباء لا داعي لها على السوريين، خاصة وأن اللائحة تمنع المفوضية أيضًا من تسجيل اللاجئين السوريين الجدد ما لم يكونوا أبناء أفراد مسجلين. وتبلغ تكلفة رسوم التسجيل 200 دولار للتجديد، ويجب أن تكون لدى الأفراد العديد من الوثائق المختلفة، وهو أمر صعب غالبًا بالنسبة للنازحين السوريين الذين يواجهون تأخيرًا في جوازات السفر مع حكومتهم الأصلية.
ونتيجة لذلك، فإن 16 في المئة فقط من اللاجئين السوريين في لبنان لديهم وضع قانوني للإقامة في البلاد. وبالتالي يتم استغلال السوريين بانتظام بسبب وضعهم غير المستقر في البلاد، مما يرسخ مكانتهم كأفقر الأفراد في البلاد.
وتدرك بيروت أنها لا تستطيع انتزاع أجر ضئيل من أفقر الفقراء في البلاد، لكنها ترى فرصة لابتزاز وكالات الأمم المتحدة تحت ستار موازنة قطاع الكهرباء، وهو مجال فاسد سيء السمعة.
◙ المعركة المستمرة بين بيروت ونيويورك حول تكاليف الطاقة تعكس الطبيعة الفاسدة للطبقة الحاكمة في لبنان وعيوب العلاقة بين الكيانين
ويتحدث فياض عن “الرصيد المالي” لمؤسسة كهرباء لبنان وكأن هذا هو المعيار في التاريخ اللبناني، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة، بل تعتبر مؤسسة كهرباء لبنان أكثر جانب منعدم الكفاءة والأكثر إسرافا في الحكومة اللبنانية.
وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش مراجعة شاملة لهيكل مؤسسة كهرباء لبنان وإدارتها في مارس، مما سلط الضوء على حجم القصور الذي أصبح يميز هذه المؤسسة.
وفي السنوات العشر الماضية، عانت مؤسسة كهرباء لبنان من عجز “يتراوح بين 1.5 و2 مليار دولار سنويا”، بينما تتلقى تحويلات سنوية لموازنة الدولة تبلغ في المتوسط “3.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان، أي ما يعادل النصف تقريبا من الميزانية المالية العامة”.
ويشارك التقرير إحصائية دامغة بشكل خاص، حيث يشير إلى أن التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان بين عامي 1992 و2018 بلغت أكثر من 40 مليار دولار من الدين العام للبلاد.
ومع ذلك، تنتج مؤسسة كهرباء لبنان ما متوسطه ساعة إلى ساعتين من الكهرباء يوميًا، وفقًا لمسح أجرته هيومن رايتس ووتش على 1200 أسرة. وبالتالي يصبح السؤال يتعلق بالكفاءة: لماذا تظهر شركة كهرباء لبنان أرقامًا حمراء عميقة بينما لا تنتج سوى القليل من الكهرباء؟ والجواب هو الفساد وسوء الإدارة.