اللاجئون السودانيون يواجهون مسارات محفوفة بالمخاطر بحثا عن ملاذ آمن

السياسات الأوروبية تجاه ملف الهجرة واللجوء تحدد اختيارات اللاجئين ومساراتهم.
الخميس 2025/06/12
طرق جديدة لهجرة السودانيين

الخرطوم - لم تكن رحلة فرار بحرالدين يعقوب، الشاب السوداني البالغ من العمر 25 عاما، مجرد هروب من العنف الذي دمر منزله في الخرطوم وقتل أربعة من أصدقائه، بل تحولت إلى مسار طويل من التنقل بين البلدان والمخاطر، في سبيل الوصول إلى ملاذ آمن يستطيع فيه أن يبدأ حياة جديدة.

يعقوب ليس حالة فردية، بل نموذج لموجة متنامية من اللاجئين السودانيين الذين تدفعهم ظروف الحرب المستمرة في بلادهم إلى عبور طرق محفوفة بالمخاطر، من السودان إلى مصر، ومن ثم إلى ليبيا، وأخيرا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

ومنذ اندلاع الصراع في السودان في أبريل 2023، فرّ الملايين من السودانيين إلى دول الجوار، وتوجه عدد كبير منهم إلى مصر التي استقبلت أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوداني. لكن التحديات التي واجهتهم هناك، لاسيما على مستوى الحصول على إقامة قانونية أو فرص عمل مستقرة، دفعت عددا من اللاجئين إلى البحث عن خيارات أخرى.

وبالنسبة للكثيرين، لم تكن النية الأصلية هي مغادرة مصر، بل الاستقرار والعيش فيها، لكن الصعوبات التي واجهوها دفعت بعضهم إلى الانتقال إلى وجهات أخرى، مثل ليبيا، ومنها إلى أوروبا.

ولم تكن رحلة يعقوب بعد وصوله إلى مصر مطلع عام 2024 سهلة، حيث قضى أياما في الشوارع بانتظار التسجيل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ثم انتقل إلى السكن في شقة صغيرة مكتظة، وعمل في وظائف غير منتظمة.

التحديات لا تتوقف عند المغادرة بل تمتد إلى محطات اللجوء، حيث يصبح إيجاد بيئة آمنة أولوية حتى وإن تطلبت المخاطرة

وقد وجد نفسه في وضع قانوني غير مستقر، مما جعله يشعر بعدم الأمان، فقرر مواصلة الرحلة باتجاه ليبيا، ومنها إلى أوروبا.

وكان هذا القرار، رغم خطورته، في نظره محاولة للهروب من وضع صعب نحو مستقبل مجهول، لكنه يحمل أملا بالأمان.

وتشير روايات لاجئين وعاملين في المجال الإنساني إلى أن أعدادا متزايدة من السودانيين بدأت بالفعل تتجه من مصر إلى ليبيا منذ مطلع عام 2024.

وبحسب تقديرات مسؤولين محليين في شرق ليبيا، فإن ما بين 20 و25 ألف سوداني عبروا الحدود خلال تلك الفترة.

وعلى الرغم من أن الطريق الصحراوي محفوف بالتحديات، فإن كثيرين رأوه كخيار لا بديل له في ظل انعدام فرص الاستقرار في أماكن أخرى.

وفي ليبيا، سعى يعقوب، كغيره من اللاجئين، إلى إيجاد طريق للعبور إلى أوروبا. وبعد شهرين من الانتظار، استقل قاربا مطاطيا مع نحو خمسين شخصا، أغلبهم سودانيون، متجهين نحو جزيرة كريت اليونانية.

وهذه الرحلة عبر البحر ليست جديدة، لكنها تشهد مؤخرا ارتفاعا في عدد السودانيين الذين يسلكونها.

وتشير بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى زيادة بنسبة 134 في المئة في أعداد الوافدين السودانيين إلى أوروبا في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، رغم تراجع العدد الإجمالي للمهاجرين القادمين من شمال أفريقيا.

ويظهر هذا التحول في مسار اللاجئين السودانيين أن التحديات لا تتوقف عند مغادرة الوطن، بل تمتد إلى محطات اللجوء المختلفة، حيث يصبح إيجاد بيئة آمنة ومستقرة أولوية قصوى، حتى وإن تطلب الأمر خوض مغامرات خطيرة.

وفي هذا السياق، تتقاطع الجهود الدولية والإقليمية لمعالجة قضايا الهجرة واللجوء، من خلال دعم برامج الحماية والاستقرار.

ولا يحمل يعقوب، الذي وصل أخيرا إلى مخيم خارج العاصمة اليونانية أثينا، توقعات كبيرة، لكنه يشعر بشيء من الطمأنينة بعد كل ما مر به.

موجة نزوح كبرى تعيد رسم خارطة اللجوء في الإقليم
موجة نزوح كبرى تعيد رسم خارطة اللجوء في الإقليم

ويقول ببساطة “إذا وفرت لي اليونان الأمان والاستقرار، فسأبقى.” هذه العبارة تختزل مسارا طويلا من الألم، لكنها تعبر أيضا عن تطلّع مشروع لدى أي إنسان فرّ من الحرب بحثا عن حياة كريمة.

وتشكل قصة يعقوب جزءا من سردية أكبر للاجئين السودانيين الذين لم يعودوا يبحثون فقط عن النجاة، بل عن مكان يمنحهم فرصة البدء من جديد.

وفي عالم يتغير بسرعة، وتحت ضغوط سياسية واقتصادية متزايدة، يبقى مطلبهم بسيطا: الأمان.

وتأتي معاناة اللاجئين السودانيين ضمن موجة نزوح كبرى تعيد رسم خارطة اللجوء في الإقليم، بفعل تفاقم النزاعات الداخلية في السودان وتقلص قدرة الدول المجاورة على الاستيعاب.

ولم تترك الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 فسحة للمدنيين سوى الهروب، لكنها أيضا فرضت على المجتمعات المستقبلة تحديات معقّدة، إذ تزامنت مع أزمات اقتصادية مستفحلة وأجواء سياسية مشحونة في عدة دول من شمال أفريقيا.

وعلى الرغم من أن مصر وليبيا شكّلتا تاريخيا نقاط عبور أو استقبال مؤقتة للاجئين من القرن الأفريقي والسودان، إلا أن تعقيد المشهد السياسي والضغوط الدولية المتزايدة المرتبطة بالهجرة غير النظامية، أدّيا إلى تغيّر في أنماط التحرك، وأعادا توجيه الكثيرين إلى مسارات أكثر خطورة.

وتعتبر هذه المسارات، وإن كانت غير رسمية أو شديدة التحدي، في نظر اللاجئين المرهقين الملاذ الوحيد المتاح.

ويتوازى ذلك مع محدودية الأطر الإقليمية للتعامل مع موجات اللجوء الممتدة، إذ تفتقر المنطقة إلى آليات تنسيق فعالة على مستوى السياسات والهياكل المؤسسية لضمان الحماية والاستجابة السريعة. كما أن المنظومة الأممية نفسها تواجه ضغوطا مالية وتنظيمية، ما يحد من قدرتها على تقديم حلول مستدامة أو حتى تلبية الاحتياجات العاجلة للاجئين في مواقع تكدّست فيها الطلبات وتقلّصت فيها الموارد.

ومن ناحية أخرى، فقد أثّرت التحولات في السياسات الأوروبية تجاه ملف الهجرة واللجوء بشكل مباشر في اختيارات اللاجئين ومساراتهم. فالاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الاتحاد الأوروبي ودول عبور رئيسية تهدف إلى ضبط الحدود الخارجية وتقليص أعداد الوافدين، لكنها لا تقدم في الكثير من الحالات بدائل إنسانية حقيقية، مما يدفع بالمزيد من اللاجئين إلى اتخاذ قرارات تنطوي على مجازفات كبيرة.

ويقول محللون إن هذا الواقع ساهم في “دفع غير مباشر” نحو البحر كأحد المخارج القليلة المتاحة أمام من تقطّعت بهم السبل.

وفي السياق ذاته، تبرز أهمية الاعتراف بأن معظم اللاجئين السودانيين لا يغادرون وطنهم ولا يعبرون الحدود بدافع اقتصادي أو رغبة في الهجرة، بل اضطرارا خالصا تفرضه تهديدات مباشرة لحياتهم. وبالتالي، فإن مقاربتهم بوصفهم مهاجرين غير نظاميين فقط تفرّغ أزمتهم من بعدها الإنساني، وتؤدي إلى غياب الحلول الملائمة.

مسار طويل من الألم
مسار طويل من الألم

كما أن تصاعد وتيرة الهجرة السودانية عبر طرق جديدة يكشف عن خلل بنيوي في البيئة التي يفترض أن توفر الحماية والاحتواء. فحين يُدفع اللاجئ إلى التنقل من نقطة إلى أخرى، بحثا عن مجرد شعور بالأمان، فإن ذلك يعكس غياب استجابة متكاملة في دول العبور والاستقبال، وضرورة إعادة التفكير في سياسات اللجوء الإقليمية والدولية.

وتُعدّ الجغرافيا السياسية للسودان عنصرا حاسما في فهم ديناميات النزوح، إذ إن السودان بلد واسع يحدّه عدد كبير من الدول، مما يجعله نقطة تماس إقليمي متعددة الاتجاهات.

ومع نشوب الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، باتت مناطق كاملة في البلاد غير قابلة للحياة، وأصبح الفرار منها مسألة وقت لا خيارا. هذا ما أدى إلى تشكل واحدة من أسرع أزمات اللجوء نموًا في العالم، حيث اضطر أكثر من أربعة ملايين شخص إلى عبور الحدود بحثا عن ملاذ مؤقت.

وتُضاف إلى هذه المعطيات الصعوبات الهيكلية داخل السودان ذاته، والتي تجعل من العودة الآمنة للاجئين في المدى القريب احتمالا ضعيفا. فحتى قبل الحرب، كان السودان يعاني من هشاشة اقتصادية، وغياب واضح للحوكمة الفعالة، وضعف البنية التحتية في معظم المناطق، ما جعل قدرة الداخل على احتواء النازحين محدودة للغاية، ودفع بالعبء الإنساني إلى الدول المجاورة.

ومن زاوية ديموغرافية، فإن غالبية الفارّين من السودان هم من الفئات الشابة، ممن يمتلكون قدرة جسدية ونفسية على تحمل مشقات التنقل الطويل والخطر.

رغم أن هذه الفئة تحمل طاقات كامنة ومهارات، فإنها غالبا ما تُقصى من سوق العمل أو الخدمات النظامية في دول العبور، ما يزيد من هشاشتها، ويدفع بها إلى الاعتماد على شبكات غير رسمية للعيش أو مواصلة الرحلة. هذا الواقع يجعلها عرضة للاستغلال، ويقلص من فرصها في بناء مستقبل مستقر.

وتتوزع الخرائط الاجتماعية لمجتمعات اللاجئين السودانيين بين الروابط التقليدية (القبيلة، العائلة، الجوار) وشبكات المهربين أو الوسطاء، الذين لعبوا دورا لافتا في تشكيل مسارات الهجرة منذ بدايات النزاع.

ومع غياب قنوات لجوء آمنة ومنظمة، فإن الاعتماد على هذه الشبكات غير الرسمية بات أمرا شائعا، رغم ما يرافقه من انتهاكات واحتيال ومخاطر حقيقية.

6