اللاجئون الأوكرانيون ليسوا مثل الآخرين

كييف - في أعقاب الغزو الروسي العام الماضي، فر الملايين من الأوكرانيين إلى بلدان في جميع أنحاء أوروبا وخارجها. لكن ما يميز هذه المجموعة عن تدفقات اللاجئين الأخرى هو توزيعها غير المعتاد بين الجنسين: فمعظم اللاجئين الوافدين كانوا من النساء.
ومنع الرئيس فولوديمير زيلينسكي الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وستين عاما من مغادرة البلاد حتى يكونوا متاحين للخدمة العسكرية. ونتيجة لذلك، تقترب نسبة النساء بين اللاجئين الأوكرانيين البالغين من 70 في المئة في معظم البلدان المضيفة.
وهذا يتناقض مع تدفقات اللاجئين الأخرى. وعلى سبيل المثال، شكلت النساء 30 في المئة فقط من جميع طلبات اللجوء خلال أزمة اللاجئين 2015 – 2017 في أوروبا. وتظهر بيانات أخرى قدمتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن النساء شكلن أقل بقليل من نصف جميع الأشخاص الذين تحميهم أو تساعدهم المفوضية في عام 2022.
وتواجه اللاجئات الأوكرانيات اللاتي فررن دون أزواجهن مسؤوليات جديدة. وعليهن أن يدبرن أمورهن بمفردهن وأن يجدن عملا مع رعاية أفراد الأسرة الذين يسافرون معهن (معظمهم من الأطفال وكبار السن، وفي بعض الحالات، الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة)، بينما يدعمن أيضا أفراد الأسرة الذين بقوا في بلدانهم.
ويرى محللون أنه لتحقيق النجاح في البلدان المضيفة لهن أو في أوطانهن، تحتاج هؤلاء النساء إلى أكثر من مجرد الحدود المفتوحة وأسواق العمل.
لتحقيق النجاح في البلدان المضيفة أو في أوطانهم، يحتاج اللاجئون إلى أكثر من الحدود المفتوحة وأسواق العمل
ويمكن أن تصبح هذه التحديات ساحقة حيث ينتهي الأمر بالبعض إلى اختيار العودة، واستبدال الأمان في أرض أجنبية بألفة الوطن، حيث عاد عشرة في المئة من جميع اللاجئين الأوكرانيين الذين غادروا بعد الهجوم الروسي في فبراير 2022، إلى وطنهم من الخارج، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
واستفاد الأوكرانيون الذين فروا من بلادهم من الوصول الفوري إلى سوق العمل في أوروبا والولايات المتحدة.
ولتجنب إرهاق نظام اللجوء القياسي ولتسريع حقوق الحماية، قررت المفوضية الأوروبية منح وضع “الحماية المؤقتة” لمواطني أوكرانيا والذي يستلزم تصريح الإقامة، والحصول على العمل، والسكن، والرعاية الاجتماعية، والرعاية الطبية، والتعليم، وما إلى ذلك.
وعبر المحيط الأطلسي، أطلقت حكومة الولايات المتحدة برنامجا يسمى “الاتحاد من أجل أوكرانيا” لتزويد الأوكرانيين بفرصة القدوم إلى الولايات المتحدة خارج البرنامج العادي، لإعادة توطين اللاجئين بموجب “الإفراج المشروط الإنساني” لفترة أولية مدتها عامان.
وقدم كل من الاتحاد الأوروبي وحكومة الولايات المتحدة وسائل حماية سريعة وفعالة للمواطنين الأوكرانيين خارج نظام اللاجئين العادي. وهذا يوضح تماما كيف عفّى الزمن عن نظام اللاجئين الحالي.
ودعا اثنان من أساتذة جامعة أكسفورد، ألكسندر بيتس وبول كولير، إلى تحويل نظام اللاجئين الحالي المعطل وجعله مناسبا للقرن الحادي والعشرين.
ويشرحان في كتابهما “اللجوء: إعادة النظر في سياسة اللاجئين في عالم متغير” مدى أهمية تزويد اللاجئين بفرص الازدهار البشري (الوظائف، والتدريب، وما إلى ذلك)، بدلا من النظر إليهم على أنهم يعتمدون حتما على المساعدة الإنسانية.
ويمكن لفرص العمل والمهارات المكتسبة حديثا أن تعمل أيضا على تمكين اللاجئين عند عودتهم إلى ديارهم لإعادة بناء بلدهم، وهي العودة التي شجعتها الحكومة الأوكرانية بشدة، والتي تقدم المنح للشركات لتحفيز خلق فرص العمل وإعادة بناء القوى العاملة.

وقد أعلن زيلينسكي مؤخرا “بدون عودة الناس، لن يكون لدينا اقتصاد قوي”. وتراهن حكومته على فرص العمل الجذابة لتكون بمثابة عامل جذب وتشجيع العائدات.
وفي حين أن الكثيرين فعلوا ذلك، لا يبدو أن العودة الدائمة مدرجة على جدول أعمال معظم الأوكرانيين.
ولا تدعم البيانات المتعلقة بنوايا الهجرة فكرة أن “جميع الأوكرانيين يريدون العودة إلى ديارهم”. وحتى قبل غزو العام الماضي، كان واحد من كل أربعة بالغين في أوكرانيا يرغب في الهجرة، وفقا لباحثين من معهد كلينجندايل.
وكانت الوجهات المرغوبة في معظمها في الاتحاد الأوروبي، لكن الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل الولايات المتحدة وكندا كانت مدرجة أيضا في القائمة.
وعلاوة على ذلك، تشير الأبحاث التي تركز على أنماط إعادة الهجرة إلى أن احتمالات العودة منخفضة نسبيا لدى النساء والأطفال خاصة كلما طال أمد الحرب وترسخ الأطفال في المدارس.
زيلينسكي منع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وستين عاما من مغادرة البلاد حتى يكونوا متاحين للخدمة العسكرية
ومع استمرار الأزمة الأوكرانية في الامتداد الزماني والمكاني، كان التحول من إدارة الأزمات والتدابير قصيرة الأجل إلى السياسات والدعم على المدى الطويل أمرا في محله.
ومن هذا المنطلق، أطلقت الحكومة الأميركية مبادرة جديدة بين القطاعين العام والخاص ووقّعت مذكرة تفاهم مع “شراكة الخيمة من أجل اللاجئين” لدعم فرص العمل والتكامل الاقتصادي للاجئين بشكل عام.
وتسعى هذه الشراكة إلى حشد الشركات والمؤسسات الأميركية والدولية لربط اللاجئين (بما في ذلك الأوكرانيون) بفرص العمل في الولايات المتحدة والبلدان المضيفة الأخرى.
ومع مرور الوقت، فإن قدرات التكامل في أوروبا، بما في ذلك أسواق العمل، والتعليم، والإسكان، وما إلى ذلك، قد تصل إلى حدودها القصوى.
وبصرف النظر عن أولئك الذين يختارون العودة إلى وطنهم، فإن العديد من الأوكرانيين يرغبون في الهجرة بحثًا عن فرص أفضل أو الانضمام إلى أفراد الأسرة المنتشرين في جميع أنحاء العالم.
ومع وجود مئات الآلاف من الأوكرانيين على الأراضي الأميركية (الوافدين القدامى والجدد)، فإن المزيد والمزيد من الأوكرانيين سوف يرغبون في الانضمام إليهم.
وكان حوالي 355000 مهاجر أوكراني يعيشون في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 2019، وقد وصل ما لا يقل عن 300000 لاجئ أوكراني جديد في الأشهر الثمانية عشر الماضية.