الكويت تدخل مرحلة الركض لتدارك ما فات من إصلاحات

الكويت التي تلكأت كثيرا في إجراء إصلاحات اقتصادية ضرورية كان الدفع بها في سنوات الوفرة المالية سيكون أقل تكلفة اجتماعية وسياسية، تبدو اليوم مضطرّة للركض لمحاولة تدارك ما أهدر من وقت ومن مقدّرات مادية، بكل ما في ذلك من تبعات محتملة على السلطة المرهقة بصراعات الحكومة والبرلمان.
الكويت - يدفع العجز الكبير المسجّل في الموازنة الكويتية سلطات البلاد إلى التفكير في حلول غير تقليدية لمعالجة اختلالات الوضع المالي للدولة قد تشمل الاقتراب من محظور رفع الدعم أو تقليصه على عدد من المواد الأساسية والخدمات.
ولن تقتصر تبعات هذا التوجّه في حال المضي في تنفيذه على الجوانب الاجتماعية بإنهاء حالة الرفاه الاستثنائية التي توفّرها الدعوم السخية للمواطنين، بل ستكون له تبعات سياسية مؤكّدة في بلد يعيش حالة من الاشتباك الدائم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حيث لن يجد نواب المعارضة داخل مجلس الأمّة (البرلمان) موضوعا شعبويا أفضل من موضوع رفع الدعم لاتّخاذه وسيلة لمناكفة الحكومة وتسليط المزيد من الضغوط عليها.
وتقول مصادر كويتية إنّ نقاشا حكوميا بشأن مراجعة عدّة أنواع من الدعم المقدّم من قبل الدولة على السلع والخدمات انطلق بالفعل منذ الإعلان مؤخّرا عن تسجيل عجز غير مسبوق في الموازنة الكويتية للسنة المالية 2020 – 2021 بلغ ما يعادل 35.5 مليار دولار.
ولسنوات طويلة ظلّ من غير المطروح في الكويت التي تستند إلى ثروة نفطية هائلة أن يواجه البلد أي صعوبات مالية، بينما نحت الدولة في تقديماتها الاجتماعية منحى بالغ السخاء وفّر حالة استثنائية من الرفاه للمواطنين الكويتيين، قبل أن تكشف الهزّة الكبيرة التي شهدتها أسواق النفط العالمية خلال السنة الماضية وكذلك تبعات جائحة كورونا الخلل الكبير في الاقتصاد الكويتي وهشاشته الشديدة بفعل افتقاره للتنوّع واعتماده بشكل شبه كلّي على عوائد بيع الخام.
ومن المفارقات أنّ الثروة الكويتية لم تثمر نتائج إيجابية دائما بل أوجدت اختلالات مزمنة يعانيها البلد حاليا، وعلى رأسها اختلال التركيبة السكانية، حيث جلبت الوفرة المالية الملايين من العمال الأجانب لسد النقص الحاد في الأيدي العاملة والذي كرّسه عزوف الكويتيين عن العمل في أعمال متعبة وقليلة الدخل المادّي، بينما هم غير مضطرين للعمل نظرا لما تقدمه لهم الدولة من دعوم سخيّة. وقد ترتّب عن ذلك تجاوز عدد الوافدين لضعفي عدد المواطنين، وغرق سوق الشغل بعمالة هامشية غير مؤهلة تساهم في استنزاف الثروة الكويتية بتحويلاتها المالية بالعملة الصعبة نحو بلدانها الأصلية.
وتلازم الطبقةَ السياسيةَ في الكويت منذ سنوات فكرةُ حتمية الإصلاح دون أن يتمّ الشروع في ذلك بشكل عملي نتيجة نوع من الاتكالية على البحبوحة المالية المتحقّقة بفعل الأسعار الجيدة للنفط، وأيضا بفعل صراعات سياسية وخصوصات بين الحكومات والبرلمانات المتعاقبة والتي تؤثر بشكل واضح على اتخاذ القرارات وسنّ التشريعات خصوصا إذا كانت تمس بمصالح وامتيازات جهات بعينها.
مراجعة الدعم موضوع شعبوي مفضّل لدى المعارضة الكويتية وأداة مثالية لتسليط المزيد من الضغوط على الحكومة
ومن الإصلاحات التي باتت مطروحة بشكل اضطراري مراجعة منظومة الدعم المرهقة لموازنة الدولة الكويتية، حيث أوضحت المصادر التي نقلت عنها صحيفة الرأي المحلّية أن اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء ناقشت أخيرا فرص تخفيض الدعوم الممكنة وجرى استعراض جملة سيناريوهات تتعلق بالسلع التموينية والكهرباء والوقود.
وطرح خلال النقاش الذي وصفته المصادر بالأوّلي خفض مستهدف من فاتورة تكاليف المعيشة والدعم التي تقدمها الدولة الكويتية بنحو 6.64 مليار دولار، ما يشكل نحو 50 في المئة من إجمالي الدعم الذي قدمته الحكومة خلال السنة المالية الماضية بنحو 12.42 مليار دولار.
ومما طرح أيضا من مقترحات خفض فاتورة دعم بعض منتجات الوقود وتحديدا البنزين وذلك من خلال رفع أسعاره. كما تم التطرق إلى فرض خفض كلفة دعم الكهرباء.
وشمل النقاش بحسب المصادر نفسها رفع قيمة الإيجار على عدّة مرافق تابعة للدولة التي دأبت على تأجيرها بأسعار رمزية.
ويعتقد خبراء أن ما بلغته الكويت من تدهور في الحالة المالية لم يعد يسمح للحكومة ولا للقيادة السياسية بالاستمرار في المنطقة الرمادية التي تحاول تنفيذ إصلاحات محدودة دون إغضاب المعارضة التي تسيطر على البرلمان وتعطل كل قرارات لا تتماشى مع حساباتها.
ويشير هؤلاء إلى أنه ليس أمام الكويت سوى تنفيذ استراتيجية تقشف واضحة تقطع مع الخط الأحمر الذي تتمسك به المعارضة، وهو المساس بنموذج الرفاه الذي تعودت به الكويت خلال عقود، لافتين إلى أن الأزمة المالية الحادة تفرض على القيادة السياسية وعلى المسؤولين الحكوميين أن يصارحوا الشعب بواقع الكويت وإمكانياتها وأن الرفاه ذهب مع الطفرة النفطية وأن على الجميع ربط الأحزمة.
ويرى الخبراء أنّ لا مناص من أن تسلك الكويت طريق دول خليجية أخرى لجأت إلى فرض الضرائب لأجل تنويع مصادر دخلها. كما أن لا حل أمامها سوى التحكم في الإنفاق السخي الموجه إلى القطاع الحكومي والتقليص من العلاوات الموجهة إلى قطاع واسع من الموظفين غير المنتجين.
وتهيمن على الاقتصاد الكويتي القوانين التقليدية حيث تسيطر الدولة على جميع القطاعات المنتجة وتجد صعوبة في تقليص الإنفاق بسبب الرفض السياسي والشعبي لأيّ تقليص للإعانات والدعم الحكومي في وقت لا يزال فيه دور القطاع الخاص محدودا في تخفيف الأعباء عن الدولة.
وكانت أكبر المفاجآت للكويتيين السنة الماضية طَرْحُ حكومة الشيخ صباح الخالد عن طريق وزير المالية آنذاك براك الشيتان لسيناريو العجز عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين ما يعني اللجوء إلى إلى الاقتراض والسحب من رصيد الصندوق السيادي المعروف بصندوق الأجيال القادمة.