الكويت تحتاج إلى إصلاح مالي حقيقي لتفادي مخاطر تقلبات النفط

البنك الدولي يقدر خسائر الاقتصاد الكويتي بنحو 17 مليار دولار في 2021.
الثلاثاء 2021/10/19
الضبط المالي أولوية قصوى

تخفي إشادة البنك الدولي بمدى قدرة الكويت على إنعاش اقتصادها، بفضل العوائد التي يمكن أن تجنيها بعد ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، في طياتها الكثير من الرسائل التي يتمحور أغلبها حول حاجة الحكومة إلى القيام بإصلاحات حقيقية لتفادي تقلبات أسواق الخام رغم تعافيها المؤقت في الفترة الأخيرة.

الكويت- رجح البنك الدولي أن تساعد زيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره، إلى جانب الانتشار السريع للقاحات المضادة لفايروس كورونا، في تعافي الاقتصاد الكويتي هذا العام. لكن الحكومة أمامها تحديات هائلة للإصلاح المالي والهيكلي اللذين يعدان حجر زاوية لتعويض مخاطر انخفاض أسعار الخام مستقبلا.

ومرت الكويت بإحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية بسبب تأثيرات الأزمة الصحية وانخفاض أسعار النفط قبل أن يعاود الارتفاع، وهو المصدر الرئيسي لأكثر من 90 في المئة من الإيرادات الحكومية، مما وضع فرضيات بشأن احتمال اللجوء إلى تسييل أصول سيادية لسد عجز الموازنة للعام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس المقبل.

ويرى محللون أن الحكومة لن تستطيع في فترة قصيرة معالجة العجز المالي إلا من خلال ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية وأن تنويع مصادر الدخل من بين أبرز التحديات التي تواجه البلد الخليجي حاليا، علاوة على مسألة مكافحة الفساد.

وأكد المدير الإقليمي للبنك الدولي لدول الخليج العربي عصام أبوسليمان في مقابلة مع وكالة الأنباء الكويتية الرسمية على ضرورة أن تحول الكويت انتباهها سريعا إلى التحديات بعيدة الأمد في ما يتعلق بالاعتماد الكبير للاقتصاد على النفط وتنفيذ “رؤية 2035”.

عصام أبوسليمان: على الكويت تحويل انتباهها سريعا إلى التحديات بعيدة الأمد

وقال خلال اللقاء بمناسبة صدور تقرير البنك عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن “الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى التنويع من شأنها تمكين الدولة من مواجهة أي أزمات مستقبلية على أسس أقوى”.

ويتوقع البنك الدولي أن يتكبد الاقتصاد الكويتي خسائر بقيمة 17 مليار دولار حتى نهاية هذا العام بسبب الجائحة، فيما قدر نمو الناتج المحلي في العام الحالي بنحو 2.2 في المئة على أن يبلغ نحو 5.3 في المئة بنهاية العام المقبل في حال تم اتباع سياسة يمكن من خلالها تحريك العديد من القطاعات المهمة.

وتظهر بيانات إدارة الإحصاء الحكومية أن الاقتصاد الكويتي انكمش بشكل غير مسبوق في 2020 جراء قيود الإغلاق وتراجع أسعار النفط.

وثمة تقديرات تؤكد أن التكلفة التقديرية التراكمية للجائحة من حيث خسائر الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستصل بحلول نهاية هذا العام إلى نحو 200 مليار دولار.

أما على مستوى منطقة الخليج فإن الخسائر المتوقعة بنهاية هذا العام ستصل إلى نحو 120 مليار دولار، وهو ما يتوافق مع خسارة في النمو الاقتصادي بنسبة 7.3 في المئة مقارنة بتوقعات عام 2019.

ويعتقد أبوسليمان أن التحول العالمي نحو طاقة أنظف يهدد الاستدامة الاقتصادية والمالية على المدى البعيد، بيد أن الأصول المالية الضخمة تدعم المرونة الاقتصادية في الكويت حيث الإصلاح المالي والهيكلي حجر زاوية لتعويض مخاطر انخفاض أسعار النفط والإنتاج غير المؤكد.

وتشتمل تلك الإصلاحات على تدابير تعبئة الإيرادات غير النفطية فضلا عن تعزيز رأس المال البشري وإصلاح الحوكمة الاقتصادية لتنشيط عملية التنمية التي يقودها القطاع الخاص وتوفير فرص العمل.

وتواجه الكويت الغنيّة بالنفط مخاطر سيولة على المدى القصير، وهو ما يعود أساسا إلى غياب تفويض برلماني للحكومة بالاقتراض من الخارج.

وكانت تقارير محلية قد أشارت في وقت سابق إلى أن الحكومة الكويتية تعكف على إعادة دراسة كل المشاريع الرأسمالية المدرجة ضمن خطط الجهات المختلفة، وإعادة النظر في الكثير منها بهدف تقليل الإنفاق على تلك غير المنتجة.

ومن شأن هذا الأمر تحقيق وفورات مالية تبلغ حوالي 600 مليون دينار (قرابة ملياري دولار) في غضون ثلاث سنوات، منها 265 مليون دولار خلال العام المقبل.

ورغم وجاهة العوامل المباشرة التي أدت إلى هذه الأزمة يُرجع أغلب المحللين الاقتصاديين أسبابها الحقيقية إلى أخطاء متراكمة وعمليات هدر وسوء تصرّف في الموارد، تواصلت لفترة زمنية طويلة وحرمت البلد من استثمار مبالغ طائلة أتت من عوائد النفط في سنوات الوفرة.

الكويت مرت بإحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية بسبب تأثيرات الأزمة الصحية وانخفاض أسعار النفط قبل أن يعاود الارتفاع وهو المصدر الرئيسي لأكثر من 90 في المئة من الإيرادات الحكومية

ويبدو أن التهاون الرئيسي، المتمثّل في عدم تنويع الموارد والارتهان للنفط واتباع سياسة اجتماعية مبالغ في سخائها لعقود عبر الإكثار من تقديم المنح للمواطنين، قد شجّع على التواكل وجعل المواطنين مجرّد عبء على الدولة بدل أن يكونوا مساهمين في صنع ثروتها.

ووضع صندوق النقد الدولي الاقتصاد الكويتي مطلع هذا العام تحت المجهر وحث الكويتيين على تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية لتقليص “اعتماد سياسات الحكومة على ارتفاع أسعار النفط وانخفاضها”.

وكان جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق قد قال في فبراير الماضي إن “الكويت لديها مستوى مرتفع من المصدات، لكنها بحاجة إلى تسريع الإصلاحات”.

11