الكويتيون يحاولون التكيف مع درجات الحرارة العالية

اعتاد الكويتيون على حر الصيف كبقية سكان دول الخليج، وهم يبحثون عن وسائل التبريد في هذا الفصل الذي تجاوزت حرارته الخمسين درجة مئوية، إلا أن البحث عن حلول جذرية لمسألة التغييرات المناخية كالتوجه إلى الطاقة الخضراء وزراعة الأشجار هي الملفات الحارقة التي تتطلب الحسم العاجل.
الكويت - زقاق وأشجار نخيل ومتاجر أسفل المباني الصغيرة وشرفات مطاعم مزدحمة، يبدو المكان كطريق عادي في أحد الشوارع، ولكنه في الحقيقة يقع في مركز تسوق فاخر مكيَّف في الكويت، أحد أكثر دول العالم حرا.
ويقتبس هذا المكان مظهرا من مظاهر الحياة الطبيعية ليوفر ملاذا للبعض من سكان الدولة الخليجية الغنية بالنفط والبالغ عددهم نحو أربعة ملايين، وقد اعتادوا على صيف حارق تفوق فيه الحرارة أحيانا الـ50 درجة مئوية. أما في الخارج، فنادرا ما يشاهد المارة، حتى في السوق التقليدي حيث يسير عدد قليل من الأشخاص وقد أنهكتهم الحرارة.
وحسب توقعات خبراء الأرصاد الجوية في الكويت، فإن تصاعد موجة الحر في ما يعرف بــ"باحورة الصيف" و"حمارة القيظ" سيجعل الكويت تعيش أسخن أيام السنة، والحرارة ستتراوح بين 48 و52 درجة مئوية".
في هذا السوق، يفتح عبدالله أشكناني متجر التمور الذي يديره منذ 30 عاما خلال فصل الصيف رغم أنه يدرك تماما بأن الحر يحد من أعداد الزبائن بشكل كبير. وقال الإيراني (53 عاما) والمقيم في الكويت منذ 1997 "في الصيف يغادر معظم الناس ويبقى عدد قليل. لا أحد في السوق" في غالبية الأوقات.
وإذا كان معظم الكويتيين والمقيمين الأثرياء محميون من تأثير ارتفاع درجات الحرارة. فالمنازل ومراكز التسوق والسيارات كلها مكيفة الهواء، فإن الوضع أسوأ بكثير بالنسبة إلى أولئك الذين لا يستطيعون الهروب من الحر، لاسيما العمال.
ورغم حظر الحكومة العمل الخارجي أثناء ذروة ما بعد الظهر خلال أشهر الصيف الحارة، فإنه غالباً ما تجد العمال المهاجرين يكدحون في الشمس، وخلف قماش شفاف عند شرفة مقهى قريب، تجلس مجموعة من الكويتيين بالقرب من مكيف هواء.
ويتذكر صالح خالد المصباح، وهو من مواليد 1959، نشأته عندما كان من النادر استخدام مكيفات الهواء، ومع ذلك يقول إنه كان يشعر بلطف الجو في الظل، حتى في أكثر الأشهر حرا. وعندما كان طفلاً كان يلعب في الخارج خلال أشهر الطقس المعتدل، وينام على السطح في الصيف. أما الآن فقد أصبح الجو حاراً جداً للقيام بمثل هذه الأمور، ولذلك يقضي الأطفال معظم أيام السنة في الداخل خشية التعرض لأشعة الشمس الحارقة.
ويقول أبومحمد الذي ارتدى ثوبا تقليديا أبيض "نجحنا في تحمل الحرارة بفضل التكييف في المنزل وفي السيارة وفي هذا المقهى". لكن هذا المتقاعد الذي يقول إنه نسي عمره، يدرك أيضا أن الاستهلاك المفرط للطاقة، من ناطحات السحاب إلى السيارات الكبيرة، "جلب هذا الحر" إلى الكويت. وعلى غرار دول الخليج الأخرى، فالكويت منتجة للنفط، وهي صناعة تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري. وتسهم في أحد أعلى معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون للفرد في العالم.
في حين أن النصف الشمالي من الكرة الأرضية يمر بحالة من "الغليان" هذا الصيف، يحذّر خبير الأرصاد الجوية الكويتي عيسى رمضان من أنّ “ما يحصل عندنا سيحصل في مكان آخر". ويرى أنّ مناطق جنوب العراق وشمال السعودية تشهد صيفا حارًا وجافًا بشكل خاص بسبب موقعها الجغرافي والرياح الشمالية الغربية.
ففي شمال الكويت، وبعد تجاوز الحرارة فيها 50 درجة مئوية، تسجّل منطقة مطربة القاحلة بعضاً من أعلى درجات الحرارة في العالم بعد وادي الموت في الولايات المتحدة. ومع تزايد الاستهلاك للطاقة، اشتدت معدلات الاحتباس الحراري على مدى العشرين عامًا الماضية، وامتدت فترة الحرارة الشديدة "من أسبوعين إلى شهر تقريبا"، بحسب رمضان.
وأوضح "هناك زحف للفصول. ففصل الصيف مثلا، بدل أن ينتهي نسبيا وندخل فصل الخريف في بداية سبتمبر، أصبح يمتد لفترة أكبر، ما بين أسبوعين إلى شهر تقريبا (..) فتبدأ الحرارة تنخفض بداية أكتوبر". وقال، إنّه في نهاية القرن الماضي، أصبح عدد الأيام التي تبلغ فيها الحرارة أكثر من 50 درجة مئوية نحو 64 يوما.
وتملك الدولة الثرية بعض أكبر احتياطيات الذهب الأسود في العالم، وقد استثمرت مؤخرًا فقط في النقل العام والطاقة الخضراء، ولاسيما مشروع الشقايا، أول محطة تجارية للطاقة الشمسية الكهروضوئية في البلاد.
وتؤكد المديرة العامة بالوكالة للهيئة العامة للبيئة سميرة الكندري أنّه “بالفعل هناك ارتفاع في درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة"، مشيرة إلى وجود “عدة مشاريع للطاقة المتجددة أهمها الشقايا".
وذكرت أن المرحلة الأولى من المشروع “اكتملت”، مضيفة "نقوم حاليا بالتحضير للمرحلة الثانية حتى يصبح 15 في المئة من إنتاج الطاقة عن طريق الطاقة المتجددة بحلول 2035. وإن شاء الله في خطوة مستقبلية نزيد هذه النسبة".
وعلى الأرض، هناك بعض المبادرات الفردية، ومن بينها مبادرة عيسى العيسى، وهو طبيب أسنان يبلغ من العمر 46 عامًا وقد قام بزراعة الأشجار في المنزل كـ"هواية".
لكن خلال عام 2020، درس القضية بشكل أكبر وأسس مشروع "غابة الكويت" لزراعة "أول غابة" في البلاد على مشارف العاصمة، مدركا أنّ الأشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون. وفي قطعة أرض خالية بالقرب من منزله، بدأ بزراعة الأشجار، وبتفقدها في الصباح الباكر .
ويقول الطبيب الذي يهتم بالبيئة أيضا، "أكثر الأماكن التي نحتاج فيها إلى الأشجار هي الأماكن الملوثة والأماكن الصناعية والأماكن التي يعيش فيها البشر"، معتبرا أنّه أصبح من الملحّ "فصل المناطق السكنية بالخضرة".