الكوليرا مارد يتفشى عقب الفيضانات في اليمن

تتوالى الكوارث على اليمنيين طيلة سنوات الحرب، فمع التشريد والفقر ونقص الغذاء يواجهون هذه الأيام فيضانات زادت من معاناتهم مع تفشي وباء الكوليرا الذي يفتك بالأطفال والنساء وكبار السن في ظل النقص الأجهزة والكوادر الطبية والدواء ما ينذر بكارثة حقيقية ترتفع مخاطرها مع الأيام.
حيس (اليمن) - تواجه عيادة طبية في إحدى مناطق غرب اليمن التي ضربتها الفيضانات مؤخرا، تدفقا لمرضى يشتبه في إصابة العديد منهم بالكوليرا، بعدما زادت الأمطار الغزيرة مخاطر تفشي المرض. وفي "مركز علاج الإسهالات" الواقع في مديرية حيس على بعد 120 كيلومترا نحو جنوب مدينة الحُديدة، يستلقي أولاد ونساء وجوههم شاحبة على أسرّة وقد وضعت في أيديهم حقن وريدية، بينما يعلو في المكان صوت بكاء أطفال.
هؤلاء هم من بين حوالي 164 ألف شخص في مختلف أنحاء اليمن يُشتبه في إصابتهم بالكوليرا، وهو عدد مرشّح للارتفاع إلى 250 ألفا في الأسابيع المقبلة إذا لم يتمّ تعزيز جهود الاستجابة للوضع، بحسب الأمم المتحدة. وقال طبيب الطوارئ في المركز بكيل الحضرمي إن "الإقبال زاد بسبب السيول والأمطار" في مديرية حيس. وأكد، أن "الطاقم المداوم يتحمل فوق طاقته ويمكن أن ينهار في أيّ وقت"، محذّرا من "كارثة طبية إن لم تتم الاستجابة لها من الجهات المعنية".
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت مناطق عدة في اليمن وبينها مديرية حيس الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، سيولا جارفة نتيجة هطول أمطار غزيرة. وقد أسفرت الفيضانات عن مقتل 60 شخصا وألحقت أضرارا بـ268 ألفا آخرين منذ أواخر يوليو في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، بحسب الأمم المتحدة.
وجرّاء نزاع لا يزال مستمرا تسبب بسوء تغذية حاد وبتدمير المراكز الطبية، تستعدّ حيس لأزمة صحية جديدة عقب الفيضانات التي قد تحمل معها أمراضا تنتقل عن طريق المياه. وقالت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير صدر مؤخرا إن "موجة الكوليرا الأخير.. تفاقمت بسبب الأمطار الغزيرة والفيضانات التي تلتها، ما زاد من خطر تلوث المياه". وأكد الحضرمي أن المركز استقبل بين الأول من أغسطس و18 منه، 530 مريضا يُشتبه في إصابتهم بالكوليرا.
ولم يتسنّ للسلطات الصحية تأكيد إصابة سوى ثلاثة أشخاص بعد إرسال العينات إلى مختبر طبي في محافظة تعز المجاورة، بحسب الطبيب، وسط إمكانيات محدودة لإجراء الفحوص وغياب المختبرات في المنطقة. وأشار الطبيب إلى أن هذا الأمر يدلّ على أن المرض "منتشر وخاصة الآن بسبب الأمطار، وسيتفاقم الوضع أكثر فأكثر". والكوليرا الناجمة عن تلوث المياه أو الغذاء، هي مرض متوطن في اليمن الذي يشهد منذ 2014 نزاعا مسلحا.
وساهم النقص الشديد في المياه وتهالك المنشآت الصحية وارتفاع معدلات سوء التغذية، في زيادة حالات الكوليرا منذ أواخر العام الماضي. وجاءت الفيضانات الأخيرة لتزيد التحديات التي تواجهها وكالات الإغاثة في بلد يتعرض فيه العاملون في المجال الإنساني لخطر الاعتقال من جانب الحوثيين، وحيث يحتاج نصف السكان إلى مساعدات إنسانية.
وفي حيس، تسببت الفيضانات هذا الشهر بتبعثر الألغام الأرضية وانتقالها إلى أماكن جديدة، ما أدى إلى تعقيد وصول عاملي الإغاثة إلى المجتمعات المحتاجة وزيادة المخاطر التي قد يواجهونها، وفق المنظمة الدولية للهجرة. ومن بين المحتاجين إلى المساعدة عبدالله الشميري الذي يخشى أن تصاب عائلته كلها بالكوليرا بعدما ثبُتت إصابة ابنه بالمرض وانتقال العدوى إليه.
وقال الشميري (46 عاما) الأب لأربعة أبناء، من أمام المركز الطبي في حيس "قبل أسبوع كان ولدي مصابا بالكوليرا وأُرسل الفحص إلى تعز وتبين من الفحص أن الكوليرا حادة جدا". وأضاف أن "من في البيت كلهم مصابون بإسهال وإخواني أيضا لكن العلاجات هنا لم نتمكن من تحصيلها ونضطر في بعض الأحيان إلى أن نجلبها من الخارج". وتابع "الكوليرا منتشرة في مديرية حيس وحتى في جوارها".
◙ طبيب يؤكد أن الطاقم الطبي يتحمل فوق طاقته ويمكن أن ينهار في أي وقت محذّرا من كارثة صحية
وسُجّلت في اليمن حيث تسبب النزاع بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، 2.5 مليون حالة خلال فترة تفشي وباء الكوليرا الأخيرة في البلاد أي بين 2016 و2022، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. وقالت الوكالة الأممية إن ذلك شكل "أكبر تفش للكوليرا على الإطلاق في التاريخ الحديث"، مع أكثر من أربعة آلاف وفاة.
ومنذ أواخر العام الماضي، تُسجّل زيادة جديدة في عدد حالات الكوليرا، لكن يصعب تقدير نطاقها نتيجة الوصول المحدود إلى المعلومات وكذلك إلى المصابين على الأرض. وبحلول العاشر من أغسطس، تم الإبلاغ عن 163944 شخص يُشتبه في إصابتهم بالكوليرا مع 647 حالة وفاة مرتبطة بها في كافة أنحاء البلاد عام 2024، حسب ما أكد متحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). وأوضح، أن غالبية الحالات والوفيات تمّ الإبلاغ عنها في شمال اليمن حيث تخضع أجزاء شاسعة منه لسيطرة الحوثيين.
وقالت مديرة التمويل والشراكات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ليزا داوتن، إن خطة الأمم المتحدة للاستجابة للكوليرا في اليمن قدرت في البداية وجود 60 ألف حالة في الفترة الممتدة من أبريل إلى سبتمبر 2024. لكن الأرقام الأخيرة أظهرت أن الوضع أسوأ مما كان متوقعا، إذ أن التمويل الحالي يكفي فقط لمعالجة ربع هذه الحالات، وفق قولها.
وحذّرت أمام مجلس الأمن الدولي في 15 أغسطس من أنه "إذا لم يتم تعزيز جهود الاستجابة على الفور، فإن عدد الحالات المشتبه فيها قد يرتفع أكثر، ليتجاوز 250 ألف حالة في غضون أسابيع قليلة".
وقال فؤاد حمص وهو أحد سكان حيس، إن الأعداد في المنطقة "كل يوم تزداد"، مشيرا إلى أن ذلك حصل "بسبب الأوبئة التي انتشرت نتيجة الأمطار والسيول الجارفة". وأشار إلى أن "عدم وجود مجار لتصريف المياه في المدينة أدى إلى تجمع المياه في أماكن كثيرة في داخل المدينة ما أدى إلى انتشار الأمراض".