الكوليرا تتسلل مجددا.. مخاوف من انتشارها عالميا

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن العام الجاري شهد انتشارا أكثر فتكا لمرض الكوليرا، وذلك بعد نحو 5 سنوات من إعلانها أن عام 2017 كان الأسوأ في التاريخ من حيث انتشار هذا المرض. وأدى الجفاف في عدد من الدول الأفريقية وتدني الأوضاع المعيشية في المناطق التي تعاني من الفقر والصراعات والتغيرات المناخية إلى تسارع انتشار وتيرة الإصابة بالكوليرا.
إسطنبول - أعلنت منظمة الصحة العالمية في مطلع أكتوبر الجاري رصدها أكثر من 10 آلاف حالة إصابة بالكوليرا في سوريا خلال ستة أسابيع فقط. جاء ذلك وسط تنامي المخاوف من تسارع رقعة انتشار المرض عالميا، لاسيما مع ظهور بؤر جديدة له في سوريا، حيث أطلقت تحذيرات من إمكانية استيطانه وتحوله إلى وباء، خصوصا بعد رصده في أنحاء متفرقة من البلاد.
وعبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن تخوفها من زيادة عدد الإصابات بالكوليرا على خلفية موجة الجفاف التي مرت بها دول أفريقية في العام الجاري وتدني الأوضاع المعيشية في المناطق التي تعاني من ويلات الفقر والصراعات.
وقالت المنظمة في تقرير نشرته في أغسطس الماضي "إن عدد المتضررين من الجفاف في إثيوبيا وكينيا والصومال، ممن لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، ارتفع في غضون خمسة أشهر بنسبة 70 في المئة ليصل إلى 16.2 مليون شخص بين فبراير ويوليو الماضيين". وأوضح التقرير أن هذا الارتفاع يعرّض الأطفال وعائلاتهم لخطر الإصابة بأمراض مثل الكوليرا والإسهال "بشكل متزايد".
وينتقل مرض الكوليرا عن طريق المياه، ويسبب إسهالا حادا يهدد الحياة، خصوصا إذا لم يخضع المريض للعلاج. ويتعرّض الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات ويعانون من سوء التغذية لخطر الإصابة بمرض الكوليرا بشكل خاص.
◙ منظمة الأمم المتحدة للطفولة متخوفة من زيادة عدد الإصابات بالكوليرا، على خلفية الجفاف الذي ضرب دولا أفريقية
وقال فيليب باربوزا، رئيس فريق مكافحة الكوليرا وأمراض الإسهال الوبائي التابع لمنظمة الصحة العالمية، إن العام الجاري شهد انتشارا "أكثر فتكا" لمرض الكوليرا، وذلك بعد نحو خمس سنوات من إعلان المنظمة أن الكوليرا في اليمن عام 2017 كانت "الأسوأ في التاريخ".
وفي سبتمبر الماضي أفاد باربوزا بوجود "زيادة مقلقة" في تفشي المرض في جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أنه خلال أول تسعة أشهر من العام الجاري فقط، أبلغت 26 دولة عن تفشي الكوليرا فيها، مع ظهور ارتفاع في معدل الوفيات.
وأضاف في تصريحات نقلها بيان للأمم المتحدة "لم نشهد هذا العام المزيد من تفشي الكوليرا فحسب، بل كان أكبر وأكثر فتكا". وأوضح باربوزا أن معدل الوفاة المبلغ عنه في عام 2021 ارتفع بنحو ثلاثة أضعاف، مقارنة بمتوسط الأعوام الخمسة السابقة.
وتظهر تصريحات المسؤول الأممي أن الكوليرا لا تهدد الشرق الأوسط فحسب، بل باتت تهدد بشكل عام المناطق التي تعاني من الفقر والصراعات ومظاهر تغير المناخ مثل الأعاصير والجفاف والفيضانات، حيث تقل إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة.
وفي عام 2017 شهد اليمن تفشيا لمرض الكوليرا جراء ويلات الحرب التي تشهدها البلاد منذ سبتمبر 2014، حيث سجل بحلول منتصف 2021 أكثر من 2.5 مليون إصابة بالمرض وأكثر من 4 آلاف وفاة، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة آنذاك "أسوأ أزمة إنسانية" في العالم.
وقبل نحو شهر بدأ انتشار الكوليرا في مناطق سيطرة النظام السوري، ليمتد لاحقا إلى خارجها. وأوضحت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري في نهاية سبتمبر الماضي أن عدد الإصابات المؤكدة بالكوليرا بلغ 338 إصابة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 29 حالة وفاة.
بيد أن بيانات منظمة الصحة العالمية المعلنة في الخامس من أكتوبر الجاري كشفت أن عدد الإصابات بالكوليرا في سوريا تجاوز 10 آلاف إصابة. وحذر محمد سالم، مدير برنامج اللقاح في وحدة التنسيق والدعم (منظمة محلية)، من احتمال أن تتحول الكوليرا إلى "مرض مستوطن" في سوريا، لافتا إلى وجود مخاوف من انتقالها إلى بلدان مجاورة.
وقال في حديث سابق مع الأناضول إنه “في حال استمرار اكتشاف إصابات جديدة لمدة ثلاث سنوات، فستتحول الكوليرا إلى مرض مستوطن، في ظل انهيار البنية التحتية وشح المياه وتلوثها”. وأضاف سالم أن المرض وصل حاليا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام شمالي سوريا.
وكانت منظمة "منسقو استجابة سوريا" (محلية) أصدرت في الثاني من أكتوبر الجاري بيانا حذّرت فيه من تسجيل حالات إضافية ضمن المخيمات المنتشرة شمالي سوريا، وتحوّلها إلى بؤرة كبيرة للوباء يصعب السيطرة عليها.
وطالبت المنظمة الوكالات الدولية ببذل المزيد من الجهد لدعم القطاع الذي قد يتهاوى تحت الضغط الإضافي الذي سبّبه تسجيل الإصابات بالكوليرا. وعزت المنظمة احتمال أن يتفشى المرض ويخرج عن السيطرة إلى "هشاشة البنية التحتية من ناحية المياه الصالحة للشرب، وكمية المياه المخصصة للفرد، وإجراءات الأمن والسلامة للحصول على الماء".
◙ الكوليرا لا تهدد الشرق الأوسط فحسب، بل باتت تهدد بشكل عام المناطق التي تعاني من الفقر والصراعات ومظاهر تغير المناخ
ويشار إلى أن العدد المذكور للإصابات والوفيات هو "الأكبر" منذ عقود في سوريا، التي كانت ضمن البلدان الخالية من هذا المرض. كما بدأت الكوليرا تتسلل إلى لبنان، حيث أعلنت وزارة الصحة الخميس الماضي عن تسجيل أول إصابة بمرض الكوليرا في البلاد منذ عام 1993.
وقالت الوزارة في بيان إنه تم تسجيل أول إصابة بالكوليرا في الخامس من أكتوبر بمحافظة عكار (شمال)، مشيرة إلى أن حالة المريض "مستقرة" وأنه يتلقى العلاج في المستشفى. لكن عدد الإصابات ارتفع بوتيرة سريعة خلال أيام، وذكرت وسائل إعلام لبنانية الاثنين نقلا عن مسؤولين أن عدد الإصابات بالكوليرا ارتفع خلال ثلاثة أيام إلى 14 إصابة.
عقب ذلك شرعت وزارة الصحة ووزارة التعليم في توزيع منشورات توعوية تتعلق بوباء الكوليرا، إضافة إلى استنفار المستشفيات لمواجهة المرض إذا انتشر. وفي يوليو الماضي أعلنت وزارة الصحة العراقية عن رصد 309 أشخاص أصيبوا بالكوليرا خلال نحو شهر، توفي منهم ثلاثة أشخاص.
ولم تكشف السلطات العراقية في الفترات اللاحقة لهذا الإعلان عن أي تفاصيل إضافية بشأن وضع الكوليرا في البلاد. وفي عام 2015 شهد العراق أكبر تفشّ لوباء الكوليرا، تركّز في بغداد وبابل (جنوب)، وخلّف نحو 1809 إصابات مؤكدة و65 حالة وفاة.
وتسبب انتشار الكوليرا في مالاوي بوفاة نحو 117 شخصا، منذ تسجيل أول إصابة في الثالث من مارس الماضي. ووفقا لتقرير صادر عن وزارة الصحة استمرت الحالات في الارتفاع طرديا، ووصلت حتى أكتوبر إلى 4 آلاف و223 حالة في 23 منطقة من أصل 28 منطقة.
وقالت الوزارة إن معدل الوفيات بلغ 2.8 في المئة، ما يعني أن المرض يتسبب في وفاة شخصين من بين كل 100 مريض. وفي مطلع الشهر الجاري قالت وزيرة الصحة كومبيزيه خومبيز تشيبوندا، في تصريحات صحفية، إن العوامل الرئيسية المرتبطة بتفشي الكوليرا تتمحور حول "سوء نظافة الأغذية ونقص المياه الصالحة للشرب وانخفاض عدد المراحيض وقلة استخدامها".