الكوارث الطبيعية تهدد حياة الجزائريين

الجزائر العاصمة تغرق في غياب استراتيجيات الوقاية.
الجمعة 2021/12/10
بيوت هشة

في ظل تتالي الكوارث الطبيعية، من فياضانات وحرائق وتساقط الثلوج، يعاني الجزائريون في كل فصول السنة من خطر يهدد حياتهم خاصة وأن المسؤولين لا يضعون استراتيجية جديدة تعتمد على مقاربة استباقية ووقائية تحمي البلاد من المخاطر التي تتعرض لها بسبب التغير المناخي.

الجزائر - مع كل أمطار موسمية أو سيول جارفة وكوارث طبيعية وصحية يحبس الجزائريون أنفاسهم خوفا من خسائر بشرية ومادية في ظل عجز منظومة تسيير الكوارث عن التصدي لمثل هذه الأخطار ومجابهتها، رغم التوصيات المتكررة التي تطلق في كل مرة من هنا وهناك منادية بضرورة انتهاج استراتيجية جديدة تعتمد على مقاربة استباقية ووقائية.

كان يكفي أن تمطر السماء لساعتين دون انقطاع حتى تغرق العاصمة الجزائرية بشوارعها وساحاتها وأحيائها وتنقطع حركة السير فيها وتنهار المباني القديمة على ساكنيها؛ مظهر بات مألوفا للمسؤولين والمواطنين، لكنه ما كان ليحدث لو تحمل كل طرف مسؤوليته بما يمليه عليه الضمير المهني والأخلاقي.

يُعرّف القانون الجزائري المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة كل خطر كبير بأنه ” كل تهديد محتمل على الإنسان وبيئته يمكن حدوثه بفعل مخاطر طبيعية استثنائية أو بفعل نشاطات بشرية”.

ويقول عضو المجلس الجزائري والاقتصادي والاجتماعي والبيئي محمدة شهرة إن “ظهور فايروس كورونا جاء ليؤكد أن الكوارث أيضا دخلت عصر العولمة إذ لم يعد يحدها إطار زمني أو جغرافي ولا أحد بإمكانه حماية الآخر في حال نشوب أزمات مماثلة”.

واعترف شهرة بأن تكلفة الكوارث الطبيعية تخلف وراءها أرقاما مخيفة، داعيا كل الجهات إلى توحيد جهودها في مواجهة الأزمات التي تواجهها الجزائر، وإلى التفكير في استراتيجيات جديدة للتعامل معها.

ويقول عبدالكريم شلغوم، رئيس النادي الجزائري للمخاطر الكبرى، إن “ما تعيشه الجزائر حاليا هو نتيجة قصور كبير في إدارة المخاطر التي لا يجب أن تكون من القمة بل من القاعدة”.

ويتساءل شلغوم “كيف لأمطار موسمية ليست طوفانية (400 مليمتر في الأسبوع) أن تعرض 57 بلدة في العاصمة ومدن أخرى في ولايات (محافظات) مجاورة إلى الشلل وتدمر مباني؟”، لافتا إلى أن “ذلك يعني أن أبسط الإجراءات الوقائية غير متاحة في هذه المناطق”.

السيول أتت على كل شيء

وينبه شلغوم إلى أنه “من حسن الحظ أن هذه الأمطار أظهرت عيوب البنى التحتية والمنشآت والعديد من النقاط السوداء”، مبرزا أنه لا يعرف ماذا كان سيحدث لو ضرب زلزال كبير مدن الجزائر خاصة الشمالية المعرضة لهذا النوع من المخاطر.

ويؤكد شهرة أن “الاستراتيجيات الجديدة في الجزائر لا بد أن تعتمد على مدن جديدة”، مشيرا إلى أن “العاصمة لم تعد تحتمل مشاريع كبرى إضافية، ويتعين على المسؤولين اتخاذ قرارات جريئة لوقف المشاريع الكبرى فيها وتحويلها إلى مدن أخرى من البلاد”.

ويعترف عبدالحميد عفرة، وهو مدير الأبحاث ومندوب المخاطر الكبرى في وزارة الداخلية، بأن “قانون الوقاية من المخاطر الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة لم يطبق في الميدان، لكون الأهداف من وضع هذا النص القانوني لم تحدد، ولا الأمر المتعلق بالمسؤوليات وآجال التنفيذ، أو الموارد التمويلية الخاصة بالنص ذاته”.

أمطار موسمية ليست طوفانية تعرّض 57 بلدة في العاصمة ومدن أخرى مجاورة إلى الشلل وتدمّر مباني

ويوضح عفرة أنه “تم فعليا تحديد وجود 15 خطرا كبيرا في الجزائر، إلا أنه لم يصدر أي مخطط للوقاية من هذه الأخطار”، مشيرا إلى أنه “بعد التشخيص لا بد من وضع مقاربة جديدة مؤسسة على  الوقاية والتنبؤ، وبعدها يمكننا الوصول إلى مرحلة التدخل ثم مرحلة المعافاة بشكل أفضل”.

وفي الصيف الماضي شهدت الجزائر موجة من الحرائق لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد مخلفة العشرات من القتلى والجرحى، وصنفتها الحكومة ضمن الأعمال الإجرامية التي تستهدف وحدة واستقرار البلاد، وجرى اعتقال العديد من الأشخاص اعترفوا بـ”جرمهم”.

بيد أن الجزائر عادة ما تسجل معدلا مرتفعا في هذا النوع من الكوارث؛ فقد قدّرتها إلهام كابوية، المسؤولة في مديرية الغابات، بنحو 3 آلاف حريق سنويا مقارنة بـ20 إلى 100 حريق سنويا في دول حوض البحر المتوسط، فيما وصلت الخسائر إلى 100 ألف هكتار في عام 2021 فقط.

وتنوه كابوية إلى أن الفرق الشاسع بين الجزائر وجيرانها يشير إلى خلل واضح وجب تداركه على أكثر من صعيد.

ويشدد عبدالكريم شلغوم على ضرورة استخلاص الدروس والعبر من الماضي، فينبه إلى أن الجزائر تشهد سنويا العشرات من الكوارث، لكن لا أحد بإمكانه أن يعرف من هو المسؤول، ويتم تشكيل لجان دائمة من نفس الأشخاص لكن دون الوصول إلى نتيجة.

ويذكر أنه بعد زلزال مدينة بومرداس شرقي العاصمة في عام 2003 تمّت معاينة الآلاف من المواقع وتبين أن أغلب الانهيارات السكنية تعود إلى سوء اختيار أراضي البناء التي لا تحترم مقاييس السلامة.

غراف

كما يعتقد أن الجزائر لم يعد لديها الوقت الكافي للتصدي للكوارث بمختلف تسمياتها، محذرا من أنه إذا لم تصحح الأوضاع في أقرب وقت فإن البلاد ستشهد كوارث لا يمكن التحكّم فيها.

وينوه عبدالحميد عفرة إلى أن الواقع يتطلب وضع مقاربة جديدة تقوم على مراجعة القانون، وذلك بالتزامن مع وضع مخططات الوقاية من المخاطر التي تبقى أبرزها الزلازل والفيضانات والحرائق.

الجزائر تسجل معدلا مرتفعا من الكوارث، بنحو 3 آلاف حريق سنويا مقارنة بدول حوض البحر المتوسط

صحيح أن تعزيز وترسيخ ثقافة الحماية والوقاية من المخاطر الكبرى لدى عامة الناس عن طريق تبني سياسة اتصالية وتحسيسية متواصلة، له دور مهم في الخروج من الأزمات بأقل الخسائر، لكن لا بد من القول في نفس الوقت إنه بالرغم من كل ذلك تبقى الأضرار مرتفعة جدا.

وتقول الحكومة الجزائرية إن مواجهة المخاطر الكبرى والوقاية من آثارها تعدان “أحد الرهانات الهامة التي تواجهها البلاد”، مبرزة “وجوب تعبئة جميع الموارد البشرية والمادية بصفة متواصلة للحفاظ على أمن الأشخاص والممتلكات”، و”الانتقال من سياسة رد الفعل إلى سياسة استشرافية ووقائية تسهل عملية التعافي وإعادة الإعمار”.

ويشدد عبدالكريم شلغوم على أن إدارة المخاطر الكبرى تندرج ضمن مهام الأمن القومي لذلك يؤكد على حاجة الجزائر إلى إنشاء مرصد وطني يضم كبار الخبراء من قطاعات مختلفة مثلما يحدث في العديد من دول العالم، بعيدا عن التسيير البالي المتخلف الذي تسبب في الكثير من الكوارث.

ويلفت شلغوم، وهو اعتقاد سائد لدى فئة كبيرة من الجزائريين، إلى أن مشكلة الجزائر تكمن في عدم الاستعانة بالكفاءات التي بمقدورها أن تقدم للبلاد والعباد الكثير والكثير من الخدمات والمنافع.

بنية تحتية مهترئة

 

18