الكنيسة ودار الإفتاء تلعبان دورا رئيسيا في عملية تعبئة الناخبين المصريين

دخلت المؤسسات الدينية في مصر على خطى الانتخابات الرئاسية في خطوة لتعبئة الناخبين، في وقت يصيب فيه القلق السلطات المصرية من تدني نسبة المشاركة. وتسعى القاهرة إلى قطع الطريق في الداخل والخارج على المتحججين بضعف نسبة التصويت للتشكيك في نزاهة الانتخابات.
القاهرة - على الرغم من الشعور المتزايد بين المصريين بأن السباق الرئاسي قد حُسم بالفعل لصالح الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلا أن هناك قلقا متزايدا بين المسؤولين الحكوميين بشأن انخفاض نسبة الإقبال بشكل كبير وإحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم.
ويرى النظام المصري في الانتخابات فرصة لتأكيد شرعيته والحصول على ولاية ثالثة للرئيس عبدالفتاح السيسي حتى عام 2030. ومن المقرر إجراء التصويت أيام الأول والثاني والثالث من ديسمبر للمواطنين المقيمين في الخارج، والعاشر والحادي عشر والثاني عشر من ديسمبر للمتواجدين داخل مصر.
تحشيد في اتجاه واحد
دعوات المقاطعة حدثت خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة، ولم يكن لذلك أي انعكاس على النتيجة النهائية
يقول الكاتب محمود حسن في تقرير نشر على موقع مونيتور الشرق الأوسط إن لقاءات دورية تتم يوميا مع موظفي الدولة لتشجيعهم على المشاركة في العملية الانتخابية والإدلاء بأصواتهم، دون إلزامهم بدعم مرشح معين.
وتعتمد خطة التعبئة على دفع موظفي الحكومة وعائلاتهم إلى المشاركة في التصويت، وأن يقوم نواب مجلسي الشعب والشورى وكبار رجال العائلات والأثرياء باستخدام نفوذهم الاجتماعي والمالي من أجل التصويت.
وتلعب الكنيسة الأرثوذكسية في مصر أيضا دورا رئيسيا في عملية تعبئة الناخبين. وهي توجه الكتلة القبطية، التي تمثل نحو 10 في المئة من سكان مصر، للتصويت لصالح السيسي، حيث تصفه الدعاية السياسية بمنقذهم من حكم الإسلاميين. وبحسب المواقع القبطية، فإن له أيضا الفضل في تقنين 2973 كنيسة ومبنى تابعة لها.
وبثت الهيئة الوطنية للانتخابات على وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية ومضة حث الناخبين على الإدلاء بأصواتهم تحت شعار “من أجل الغد قم بواجبك، انزل وصوت”. وفي الوقت نفسه، قامت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج سهى جندي بجولة في دول الخليج والأوروبية لتحفيز 14 مليون مصري يعيشون في الخارج على التصويت.
وحذت دار الإفتاء المصرية حذوها، وأصدرت فتوى تقول المعارضة إنها مسيّسة وتتعارض مع مدنية الدولة المصرية، ونصت الفتوى على أن المشاركة في الانتخابات واجب ديني ووطني، وأن الناخبين هم شهداء أمام الله.
وأجاب شوقي علام مفتي الديار المصرية على سؤال الإعلامي حمدي رزق في برنامج “نظرة” على فضائية “صدى البلد”: هل المشاركة في الانتخابات الرئاسية واجب وطني أم ديني؟ بأنه لا فارق بينهما، لكن الممتنع عن التصويت كالشخص الذي امتنع عن الشهادة ورفض القيام بواجباته التي تحث عليها الشريعة.
ونشر الموقع الرسمي لدار الإفتاء فتوى خاصة بحكم الامتناع عن التصويت في الانتخابات مفادها أن الإسلام حث المسلمين على التحلي بالصدق والأمانة والتخلي عن الكذب والخيانة، وأمر المسلم بأداء الأمانة بكل أنواعها وأشكالها، والتصويت في الانتخابات هو جزء من أداء هذه الأمانة.
وأكدت الدار أن الممتنع عن أداء صوته الانتخابي آثم شرعا، ومثله من يدفع صاحب الشهادة إلى مخالفة ضميره أو عدم الالتزام بالصدق الكامل في شهادته بأيّ وسيلة من الوسائل، كذلك من ينتحل اسما غير اسمه ويدلي بصوته بدل صاحب الاسم المنتحل يصبح مرتكبا لغش وتزوير يعاقب عليه شرعا.
ويحاول القائمون على الحملة الإعلامية استعادة الزخم حول السباق الرئاسي، بعد أن تراجع الزخم بشكل ملحوظ لعدة أسباب، أبرزها تحول الاهتمام الشعبي نحو الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة وغياب قوى المعارضة عن المشهد السياسي.
ومن العوامل الأخرى التي تزيد من إضعاف شرعية الانتخابات الرئاسية هو حقيقة أن تسعة أحزاب في الحركة المدنية دعت إلى مقاطعة الانتخابات بسبب الانتهاكات التي حدثت أثناء مرحلة جمع المصادقة.
وقالت منظمة العفو الدولية إن النظام المصري منع بشكل أساسي مرشحي المعارضة الحقيقيين من خوض الانتخابات الرئاسية.
والانخفاض المتوقع في المشاركة الانتخابية لن ينجم فقط عن دعوات المقاطعة، بل أيضا عن الإحباط بين المصريين الذين لديهم شعور متزايد بأن النتيجة قد حُسمت بالفعل وأن التصويت مضيعة للوقت.
ويقول الباحث السياسي محمد عنان “قد تشهد الانتخابات المقبلة أدنى نسبة مشاركة على الإطلاق. وعدم وجود أي مناظرات رئاسية إعلاميا لا يساعد في هذا الصدد، ولا أيضا غياب المعلومات عن المرشحين مهما كانت مزورة”.
وفي عام 2014، حقق عبدالفتاح السيسي، الذي كان وزيرا للدفاع آنذاك، فوزا ساحقا متوقعا في الانتخابات الرئاسية، وفاز بنسبة 96.9 في المئة من الأصوات، ولكن نسبة الامتناع عن المشاركة بلغت 53 في المئة.
الكنيسة الأرثوذكسية في مصر تلعب دورا رئيسيا في عملية تعبئة الناخبين وهي توجه الكتلة القبطية، التي تمثل نحو 10 في المئة من سكان مصر، للتصويت لصالح السيسي
وفي مارس 2018، أعيد انتخاب السيسي لولاية ثانية بأكثر من 97 في المئة من الأصوات، في انتخابات استبعد فيها المنافسون الحقيقيون، أو فضلوا الابتعاد.
وفي انتخابات سابقة قوطعت الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية ولم يغير ذلك من نتيجة الانتخابات، أو يكون لذلك الموقف “أي مردود بالشارع”.
ويرى المحلل السياسي المصري عمرو الهلالي في تصريح لموقع الحرة، أن دعوات بعض الأحزاب إلى مقاطعة الانتخابات “غير مجدية”، في ظل عدم امتلاك تلك الأحزاب لـ”كتل شعبية ثابتة أو تأثير حقيقي بالشارع المصري”.
وحدثت دعوات المقاطعة سابقا خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة، ولم يكن لذلك أي انعكاس على النتيجة النهائية.
ويشير الهلالي إلى أن نسبة المشاركة الطبيعية للمصريين في الانتخابات “متدنية” بطبعها، وتتراوح بين 30 و40 في المئة من إجمالي الأصوات التي يحق لها التصويت.
وحسب الهلالي فإن 60 في المئة أو أكثر من الناخبين “لا يشاركون عادة في العملية الانتخابية”، وبالتالي فإن “عدم المشاركة” لا تؤثر على مسار الانتخابات أو النتيجة. لكن المشاركة بالانتخابات و”إبطال الصوت” يحمل دلالات سياسية كموقف للتاريخ، ويعكس “وجود حالة من الاعتراض بالشارع على العملية السياسية”.
ويرى مراقبون أن لدعوات المقاطعة تأثيرا محدودا على الشارع المصري. وأوضحوا أن غالبية المرشحين المحتملين غير معروفين، ولا توجد بينهم شخصية عامة، ولا يمتلكون حضورا قويا بالشارع المصري.
جدل

يعزو المشككون في نزاهة وشفافية العملية الانتخابية المرتقبة في مصر شكهم إلى غياب قوى المعارضة عن المشهد السياسي، ومنع مرشح المعارضة أحمد الطنطاوي من استكمال العدد الكافي من التأييد لخوض الانتخابات.
ويرى الخبير السياسي حمدي المصري أن هناك من يرى في مصر أن ترشيح الطنطاوي هو ضغط من أطراف خارجية، وأن البيئة السياسية في البلاد لا تسمح حتى الآن بإجراء انتخابات تنافسية.
ويشير المصري إلى أن الانتخابات المقبلة ستكمل مطالب العواصم الغربية التي ترى ضرورة إثبات شرعية الرئيس. لكن الانتخابات لن تلبي تطلعات الشعب المصري الذي تفاقمت معاناته النفسية وأزماته الاجتماعية والاقتصادية.
ويقول حسن في تقريره أن ذلك يتضح بعدم وجود أي منافسة في الانتخابات ومن خلال أن المرشحين الثلاثة، باستثناء السيسي، وهم عبدالسند يمامة وفريد زهران وحازم عمر، هم من الأحزاب الموالية للسلطة، إذ إن عمر نائب عينه الرئيس السياسي في مجلس الشيوخ عام 2020.
وانتقد الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى ما أسماه عرض المهرج السياسي، وذلك بعد إعلان اليمامة اعتزامه الترشح للرئاسة، بعد إعلانه في البداية دعمه للسيسي.
وقال رئيس حزب الوفد الليبرالي في يونيو “كلنا مع الرئيس السيسي”، وأشاد به باعتباره البطل القومي الذي أنقذ الأمة من “المجهول”.
وبحسب زهران، فهو ليس جزءا من المسرحية الانتخابية، رغم حصوله على 30 تأييدا من أعضاء البرلمان الذي تهيمن عليه أغلبية موالية للنظام.
ويمتلك حزبه سبعة مقاعد فقط، مما يثير تساؤلات حول كيفية حصوله على تلك التأييدات، كما يواجه اتهامات بإثارة الفرقة في صفوف الحركة المدنية (مجموعة من أحزاب المعارضة)، مقابل وعود بزيادة عدد مقاعد حزبه في البرلمان المقبل.