الكنوز المصرية تشعل شغف الزوار في شانغهاي

تشهد مدينة شانغهاي تظاهرة ثقافية مميزة من خلال معرض "على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة"، الذي حطم الأرقام القياسية العالمية بأكثر من مليوني زيارة. ويعد المعرض نموذجا بارزا للتبادل الحضاري بين اثنتين من أعرق حضارات العالم.
بكين ـ أعلن متحف شانغهاي مؤخرا أن معرض “على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة”، الذي نُظِّم بالتعاون بين المتحف والمجلس الأعلى للآثار في مصر، قد استقبل أكثر من مليوني زائر منذ افتتاحه في يوليو من العام الماضي، محققا رقما قياسيا كأكثر المعارض المدفوعة زيارةً على مستوى المتاحف العالمية.
ويُعدّ معرض “على قمة الهرم” أحد المعارض الرئيسية التي يتعاون فيها الجانبان الصيني والمصري، لتقديم تفسير شامل لحضارة مصر القديمة، وعرض أحدث الاكتشافات الأثرية. ويستمر المعرض لمدة 13 شهرا حتى أغسطس من العام الجاري.
وتشمل المعروضات تماثيل لآلهة قديمة تُجسّد الأساطير والفلسفة المصرية القديمة، وأواني فخارية ملوّنة، ولوحات تجميلية من عصور ما قبل التاريخ، بالإضافة إلى كنوز من سلالات وفراعنة متعدّدين.
وقالت يان هاي يينغ، كبيرة أمناء المعرض وأستاذة في جامعة بكين لوكالة شينخوا، إن المعرض شامل ومتنوع، مضيفة “يُسرد التاريخ العريق للحضارة المصرية القديمة في معرض واحد.”
وفي القاعة الثانية من المعرض، تُعرض لأول مرة عالميا أكثر من 400 قطعة أثرية مكتشفة حديثا من منطقة سقارة، وهو أحد أهم مواقع الدفن في مصر القديمة.
وتعرض القاعة أيضا إنجازات بارزة من جهود التنقيب الأثرية الصينية – المصرية المشتركة. وقد تم مؤخرا إطلاق مشروع رقمي لمسح ودراسة القطع الأثرية المكتشفة في موقع سقارة، يركّز على إجراء المسح الرقمي، والتصوير، والتنظيم، والبحث في الآلاف من توابيت المومياء الخشبية المكتشفة هناك.
وقال شيويه جيانغ، قائد المشروع والباحث في علم المصريات بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إنه سيتم إنشاء قاعدة بيانات للأبحاث الأثرية الصينية – المصرية المشتركة تُتاح عالميا، مع نشر النتائج الرئيسية باللغات الصينية والإنجليزية والعربية.
واختار متحف شانغهاي فريقا رائدا في مجال الوسائط المتعددة في الصين لإنشاء قاعة عرض غامرة، حيث تم تحويل “كتاب الموتى” إلى فيلم رسوم متحركة جذاب، وظهر صوت قط الزباد في الموسيقى الخلفية لقاعة عرض “سر سقارة”، مما أضفى الكثير من التفاصيل التي تأسر الجمهور الصيني والأجنبي، وكأنهم يسافرون عبر الزمان والمكان.
وخلال السنوات الأخيرة، أقامت الصين وعدة دول عربية معارض مشتركة للآثار الثقافية عرضت فيها حضارات قديمة من فترات تاريخية ومناطق جغرافية متنوّعة. فعلى سبيل المثال، في أوائل عام 2024، تعاون متحف القصر الإمبراطوري في بكين مع الهيئة الملكية لمحافظة العُلا السعودية لإطلاق معرض “العُلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية”، والذي عرض لأول مرة للجمهور الصيني المناظر الطبيعية الخلابة، والتراث الأثري والثقافي الغني لمدينة العُلا شمال غربي السعودية، ما جذب اهتماما واسعا من الجمهور الصيني.
وتُظهر بيانات استطلاع العينات أن معرض “على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة” أسهم في دفع استهلاك شامل يُقدّر بنحو 10 مليارات يوان (حوالي 1.39 مليار دولار أميركي) في مدينة شانغهاي. وعلى منصة التواصل الاجتماعي الصينية “شياوهونغشو”، يوجد أكثر من 1.69 مليون منشور مرتبط بعبارات بحث مثل “تذاكر على قمة الهرم”، ويشارك المستخدمون بحماس نصائح شراء التذاكر وتجارب الزيارة.
وحتى الآن، حقق المعرض إيرادات تشغيلية إجمالية بلغت 580 مليون يوان (حوالي 80.62 مليون دولار أميركي)، ويتوقّع متحف شانغهاي أن يتجاوز عدد الزوار 2.5 مليون زائر، وأن تتخطى الإيرادات الإجمالية 700 مليون يوان (حوالي 97.31 مليون دولار أميركي).
وبالإضافة إلى معرض الآثار الثقافية، أصبحت مصر وجهة أكثر جذبا للسياح الصينيين. فوفقا للبيانات الرسمية المصرية، ارتفع عدد السياح الصينيين الذين زاروا مصر في عام 2024 بنسبة 63 في المئة مقارنة بالعام السابق، ويُعدّ هذا المعرض نموذجا واضحا على التعاون المثمر بين الحضارتين العريقتين، الصينية والمصرية.
واستفادةً من مكانة الصين كأكبر دولة في العالم في تصميم وإنتاج الألعاب، صمم متحف شانغهاي أكثر من ألف منتج ثقافي وإبداعي خاص بالمعرض، تشمل الملابس، وأثاث المنزل، والألعاب العصرية، والإكسسوارات، والقرطاسية، وغيرها من المنتجات الرائجة على الإنترنت.
وبفضل الصور، والنصوص، والمقاطع التفاعلية المعتمدة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أُقيم معرض متنقل مستوحى من “على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة” في المجتمعات المحلية بشانغهاي، وشهد هذا التبادل الثقافي الصيني – العربي مشاركة جماهيرية أوسع.
وبفضل المفاهيم الحديثة لإدارة المعارض، والاقتصاد الثقافي والإبداعي المتنامي، وصلت الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للتبادل الثقافي إلى مستوى جديد.
وفي هذا السياق، قال تشو شياو بوه، مدير متحف شانغهاي، “من خلال هذا المعرض، نسلّط الضوء على الرؤية الحضارية الفريدة، وجماليات إدارة المعارض، والإبداع التشغيلي، والشمولية الثقافية، والقوة الاقتصادية للصين. وأعتقد أن بإمكان المتاحف أن تؤدي دورا محوريا في فهم الصين المعاصرة.”