الكفاءات الدينية جزء من حملة التجنيس السعودية

السعودية أصبحت أحدث دولة تعلن عن برامج الجنسية أو الإقامة الدائمة المصممة لجذب المواهب العالمية في كل المجالات.
الخميس 2021/11/18
الجنسية السعودية متاحة للكفاءات المهمة في عهد الأمير محمد بن سلمان

واشنطن – أجرت المملكة العربية السعودية مؤخرا تعديلا قانونيا يفتح الباب لتجنيس الكفاءات البشرية في مجالات مختلفة بما يسهم في تعزيز عجلة التنمية ويعود بالنفع على البلاد، لكنها على عكس دول خليجية أخرى، فتحت الباب أمام تجنيس الكفاءات الدينية التي قد تكون ركيزة أساسية ضمن استراتيجية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لجعل المملكة قائدة للقوة الناعمة في العالم الإسلامي.

ويرى جيمس دورسي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط والأدنى، أن المستفيدين الأوائل من مرسوم حديث لمنح الجنسية للمتفوقين المتميزين في القانون والطب والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والرياضة يشيرون إلى أن الأمير محمد بن سلمان على عكس منافسي المملكة الرئيسيين الذين يسعون إلى جذب المواهب الأجنبية بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وقطر وسنغافورة، يعتبر الدين مجال تنافس لا يقل أهمية.

وتبرز حقيقة أن ما يقرب من ربع المواطنين الجدد البالغ عددهم سبعة وعشرين شخصا هم شخصيات دينية سنية وشيعية وبعضهم ليس مقيما في السعودية الأهمية التي يوليها الأمير محمد بن سلمان إلى التنافس الديني على القوة الناعمة بين المسلمين في الشرق الأوسط ودول آسيا ذات الأغلبية المسلمة.

جيمس دورسي: الأمير محمد بن سلمان يعتبر الدين مجال تنافس لا يقل أهمية
جيمس دورسي: الأمير محمد بن سلمان يعتبر الدين مجال تنافس لا يقل أهمية

ومن بين المواطنين الجدد مفتي البوسنة السابق مصطفى سيريك، ورئيس مجلس إدارة الوقف الأسكندنافي للتعليم حسين الداودي، ورجل الدين الشيعي اللبناني محمد الحسيني المعروف بعدائه لإيران ودعوته إلى إقامة علاقات مع إسرائيل، وأمين عام اللجنة الوطنية للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان الدكتور محمد السماك، والكاتب والمفكر وأستاذ الدراسات الإسلامية اللبناني رضوان نايف السيد.

تعدّ غالبية المواطنين الجدد من الأطباء والباحثين والعلماء والمهندسين والمؤرخين البارزين. وكان علماء الدين، باستثناء الحسيني، إما موقعين على إعلان مكة لعام 2020 الذي دعا إلى التسامح والتفاهم الثقافي والديني أو أعضاء في المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي.

وحوّل الأمير محمد بن سلمان الرابطة إلى أداته الرئيسية لنشر رسالة التسامح الديني والحوار بين الأديان.

وكانت رسالة تُرجمت إلى البنية التحتية والتنمية الاقتصادية للمناطق الشيعية المحرومة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة، وتعيين الشيعة رؤساء تنفيذيين لشركات رئيسية بما في ذلك شركة أرامكو النفطية التي تملكها الدولة. ولكنها لم تؤد إلى السماح للشيعة أو لأي شخص آخر في المملكة بالتعبير بحرية. كما أنها لم تدفع الحكومة إلى السماح لغير المسلمين بممارسة الشعائر الدينية في الأماكن العامة أو بناء دور عبادة لغير المسلمين.

وجاء تجنيس شخصيات دينية لبنانية وبوسنية في وقت يمر فيه كلا البلدين بأزمة حيث تقود المملكة العربية السعودية حملة مقاطعة لبنان المفلس والمفرق بالفساد في محاولة لكسر سيطرة حزب الله الذي تدعمه إيران على البلاد. ودفعت المقاطعة الدولة إلى الهاوية وأصبح أكثر من نصف سكانها تحت خط الفقر.

وبالمثل أصبحت البوسنة على حافة منحدر حيث يهدد الصرب فيها بتفكيك اتحاد المسلمين والكروات والصرب.

وأصبحت المملكة العربية السعودية أحدث دولة تعلن عن برامج الجنسية أو الإقامة الدائمة المصممة لجذب المواهب العالمية، حيث أصبحت قطر في عام 2018 أول دولة خليجية تفعل ذلك، تليها سنغافورة في نوفمبر الماضي والإمارات في يناير. وللدول المختلفة مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر برامج عقارية سابقة في حين أن لقطر سجلا في منح الرياضيين الأجانب الجنسية لتعزيز أدائها في البطولات الدولية.

وأثارت المملكة العربية السعودية نقاشا واستهزاء حين منحت الجنسية في 2017 إلى صوفيا، وهي روبوت على شكل امرأة. وقالت صوفيا في مؤتمر للمستثمرين رفيعي المستوى إنها تشرفت بأن تكون أول روبوت يحصل على الجنسية السعودية.

وتعززت رمزية الحدث من خلال حقيقة أن الروبوت المصمم على شكل امرأة لم يرتد غطاء رأس أو زيا يغطي شكل جسمه، حيث لم تكن قواعد اللباس بالنسبة إلى النساء في ذلك الوقت متحررة بشكل كبير.

ولقد أخذت الإمارات العربية المتحدة زمام المبادرة في التحرر الاجتماعي في سعيها للبقاء جذابة للمغتربين، ولتتمكّن من مواجهة الجهود السعودية لجذب الشركات التي ترغب في تأسيس أعمال تجارية مع الحكومة السعودية إلى المملكة بدلا من دبي وإبراز الدولة على أنها منارة للاعتدال.

وتقدمت الإمارات في العام الماضي، حيث وضعت خططا تمنح المقيمين الوقت للبحث عن وظيفة جديدة إذا أصبحوا عاطلين عن العمل بدلا من إجبارهم على مغادرة البلاد على الفور، والسماح للآباء برعاية تأشيرات أطفالهم حتى سن الخامسة والعشرين، وتخفيف قيود التأشيرة على العاملين لحسابهم الخاص والأرامل والمطلقات.

كما أنهت الإمارات العقوبات المتساهلة على جرائم “الشرف”، ورفعت الحظر المفروض على غير المتزوجين الذين يعيشون معا، وألغت تجريم الكحول. كما أصلحت قوانين الأحوال الشخصية لتمكين الأجانب الذين يعيشون فيها من اتباع قوانين بلادهم بشأن الطلاق والميراث، بدلا من إجبارهم على الالتزام بالقوانين الإماراتية التي تستند إلى الشريعة الإسلامية.

ولم تتبنّ السعودية إصلاحات مماثلة بعد ولكنها تأمل في إبقاء الشركات داخل حدودها وحذرت الحكومة بأنها لن تمنح عقودا للشركات التي لا تنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول 2024.

ومن المتوقع أن تنتقل أكثر من 40 شركة إلى الرياض خلال العام المقبل حسب فهد الرشيد رئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض. ويأمل الرشيد في استقطاب 480 شركة بحلول 2030. وبحسب ما ورد، يحاول المسؤولون السعوديون إقناع حوالي 7 آلاف شركة أجنبية بإنشاء مقار لها في المملكة.

يقول دورسي إن المنافسة على المواهب الأجنبية تثير قضايا ديموغرافية قابلة للانفجار، لاسيما في دول الخليج التي تعاني من عجز في المواطنة حيث يتكون أكثر من نصف السكان من غير المواطنين. وتعالج جهود دول الخليج لاستقطاب المواهب الأجنبية إلى حد ما الأسئلة التي أثارها قبل عدة سنوات الناشط الإماراتي سلطان سعود القاسمي في وقت كانت مناقشة الموضوع من المحرمات.

لم يكن مفاجئا أن القاسمي أثار الجدل من خلال الدعوة إلى إعادة التفكير في سياسات المواطنة الإماراتية التقييدية التي من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم المشاكل طويلة الأمد المرتبطة بالعجز الديموغرافي بدلا من تخفيفها.

وأشار القاسمي، مرددا الشعور الذي كان يكتسب زخما بين الشباب المتمرس على الإنترنت، إلى أن الأجانب الذين ليس لديهم حقوق قد ساهموا في نجاح الإمارات على مدى عقود.

وقال “ربما حان الوقت للنظر في طريق إلى المواطنة سيفتح الباب أمام رواد الأعمال والعلماء والأكاديميين وغيرهم من الأفراد المجتهدين الذين أتوا لدعم البلاد ورعايتها كما لو كانت بلدهم”.

واندلع الجدل على نفس المنوال عندما منحت قطر 23 رياضيا من 17 دولة الجنسية قبل دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو سنة 2016، حيث شكلوا غالبية فريق الدولة الخليجية المؤلف من 39 عضوا والذي فاز بأول ميدالية ذهبية لقطر على الإطلاق. وكان هذا النقاش الذي أوضح للقطريين أنه لا توجد حلول سهلة للعجز الديموغرافي.

وكان القطريون قلقين من أن المواطنين المجنسين يمكن أن يدخلوا خللا على التوازن التي صنعوه بعناية. وتعززت الهوية القطرية عندما أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة دبلوماسية واقتصادية للدولة الخليجية.

وقال رجل أعمال قطري “مع ذلك لدينا مشكلة. سيجعل تسليم الجنسية الأمور أكثر صعوبة”.

ووفق دورسي، من المجموعات التي يجب حل مطالبات الجنسية الخاصة بها بسهولة نسبية هي البدون الموجودة في الكويت وبعض دول الخليج الأخرى، وهي أقلية بدوية عديمة الجنسية فشلت في التسجيل للحصول على الجنسية وقت الاستقلال. ويُحرم البدون من الوصول إلى الخدمات العامة وغالبا ما يعيشون في فقر نسبي.

وقالت طالبة على تويتر إنها طردت مع طلاب آخرين يوم الأحد الماضي من مدرسة الجهراء الثانوية الكويتية عندما اكتشف أنهم من البدون. وكتب العديد من الطلاب تغريدات متطابقة تقريبا.

وكتبت إيمان شمس الدين على تويتر “أنا طالبة في السنة الأخيرة علمي، أدرس مسائي، حصلت على نسبة 98 في المئة السنة الماضية، واليوم يتم طردي لأنني من البدون مع أن جميع المستندات المطلوبة كاملة”.

6