"الكراب" ساقي المغرب يتحول إلى علامة سياحية نادرة

عندما يزور السائح المغرب تعلق بذاكرته معالم أثرية وأجواء تقليدية وساق مزين بلباس مبهج يحمل على كتفه قربة ماء وعلى صدره أقداحا نحاسية، لكن السائح لا يغريه شرب الماء بقدر ما تغريه صورة مع هذا الرجل الأسطوري.
الرباط- بملابسه المزركشة وناقوسه النحاسي الذي يتردد صداه في الأمكنة المزدحمة، يجوب الشوارع والأزقة ليسقي الناس شربة ماء خاصة في الحر القائظ، والمقابل دريهمات قليلة يظفر بها أو مجرد دعاء الترحم على والديه مما يشعره بالزهو لممارسة مهنة قديمة في طريقها للانقراض.
إنه “الكراب” حمال القربة أو “الساقي”، وهو وجه مألوف في المغرب ورمز من الفولكلور، أصبح علامة مُسجلة ترمز إلى السياحة المغربية بلباسه الأحمر المميز و“بلْغتُه” بتصميمها الفريد، أما قبّعته الكبيرة التي تحميه من الشمس الحارقة فهي مُستوحاة من القبعات المكسيكية.
وصور الكراب مطبوعة على ملصقات المغرب السياحية الإعلانية وفي ردهات الفنادق السياحية الكبرى.
وقد تجاوزت شهرة الكراب الحدود وأصبح رمزا فلكلوريا بملابسه التقليدية والغريبة أحيانا، فرسمته ريشة فنانين كبار خاصة الفرنسيين.
يمشي هذا “الكراب” مزهوا بخطاه ويرسم الابتسامة على وجه السياح، ولا تكتمل فرحته إلا حين يأخذ قبعته الحمراء والمُذهبة ويضعها على رؤوس أحد السياح لتزداد فرحته بالدريهمات التي يحصل عليها منه إثر أخذ صورة معه.
ويتذكر الخمسيني محمد لحدب الذي يمارس هذه المهنة منذ عشرات السنين دون كلل أو ملل ”بالأمس كانت مهنة مطلوبة جدا قبل أن تزود جميع المنازل بمياه الحنفيات وتظهر قنينات الماء المعدنية”.
ويضيف “في السابق كانت لنا قيمة أفضل أما اليوم فزبائننا في الغالب من جيل الأمس الذين يقبلون على ماء القربة أو سائح منبهر”.
وتقول سائحة فرنسية “الكراب بلباسه هذا وأجراسه النحاسية المتلألئة هو تحفة فنية تمشي على قدميها”، مضيفة “أحب المغرب وأزوره كل عام تقريبا، لأن هذا البلد هو مسقط رأس والدي الذي اشتغل طبيبا فيه لعقود طويلة من الزمن، وقد احتفظت مُخيّلتي بِصُور جميلة من الرباط ومن بين تلك الصور صورة السقاء الذي عشت كل طفولتي وسنوات عمري الأولى وأنا أراه يجوب الحارات”.
وتتابع «دقات أجراسه النحاسية لا يزال صداها يدق في أعماقي، وحين أزور المغرب أجدني أستعيد الزمن الهارب من حياتي ولا تكتمل فرحتي إلا حين أرى الكراب يجوب بقربته الشوارع العتيقة، وحين أزور الرباط أو مراكش أبحث عنه لأشرب من ماء قربته التي تُذكرني بطفولة بعيدة أيام كان الكراب يعيش أيامه الذهبية».
ومن مراكش يقول الكراب عمر عبدالسلام وقد علقت على صدره أقداح أو “طاسة” كما يسميها منقوشة، “منذ خمسة عقود وأنا أعمل في هذه المهنة التي كانت مزدهرة وكانت مهنة تكسب صاحبها مالا وفيرا، لكن الزمن تغير”.
ويضيف “إن الزمن تغير حيث بدأت الأجيال الحديثة في المغرب تتنكر لعلامة بارزة من علامات الأصالة المغربية وهي تعكس كرم المغرب والمغاربة، فكل من يطلب منا شربة ماء لا نحرمه منها نحن هدفنا إرواء عطش السائل حتى ولو لم يدفع لنا قرشا واحدا، فنحن نكتفي ونقنع بكلمة شكرا وأجرنا عند الله”.
صور الكراب مطبوعة على ملصقات المغرب السياحية الإعلانية وفي ردهات الفنادق السياحية الكبرى
ورغم هرمه وتعبه الجسدي يشعر عمر بالواجب يناديه كلما اشتد الحر، قائلا “حتى في أشد أيام الصيف حرارة فنحن لا نربح إلا دراهم معدودة من السائح الذي يكون كريما معنا”. وأغلب الكرابة المغاربة المتبقون، وهم قلة بالمقارنة مع السابق، تفوق سنهم الخامسة والخمسين في مهنة لا تكفل لهم سبل العيش الكريم وليس فيها لا تقاعد ولا أي ضمان اجتماعي.
ويقول عمر “لا أملك أي مدخول مادي أعيش به، فوزارة السياحة تتنكر لنا ولا نستفيد من صناديق التقاعد، وحين يمرض أحدنا يتكفل به أصحاب القلوب الرحيمة على الرغم من أننا نسدي خدمة جليلة للسياحة في هذا البلد». ويضيف «في ساحة جماع الفنا التقطت لي صور مع مشاهير العالم من ممثلين ومطربين ورسامين وكبار الأثرياء ورؤساء الشركات العابرة للقارات، وأنا أعتز بكوني أصنع الفرحة لهؤلاء، فهم يُعجبون بزيّنا المُميز وبِقُبّعاتنا الجميلة والمزينة بخيوطها البراقة. كما أن كبار الرسامين رسمونا في لوحاتهم التي تباع في أشهر المعارض العالمية»، لافتا إلى أن صور «الكراب» مطبوعة على البطاقات البريدية المغربية.