الكذّابون يحكمون العالم.. كيف نتصدى لهم

تجدد المنافسة يجعل الوعد بعدم استخدام النووي مجرّد أكذوبة.
الثلاثاء 2023/03/21
منافسة تعيد الحرب النووية إلى الواجهة

يعدُ قادة الدول الكبرى المتنافسة من حين إلى آخر بعدم لجوئهم إلى استخدام الأسلحة النووية في مختلف الحروب والصراعات التي يخوضونها، لكنّ وعودهم تلك تظل محل شك، حيث يؤكد محللون أن من يحكمون العالم كذّابون لذلك يجب تغيير طريقة التصدي لهم.

واشنطن - يسير العالم في طريق محفوف بالمخاطر يحذر العديد من المراقبون من أنه قد ينتهي بحرب نووية مدمرة، مدفوعة بطيش بعض الحكماء ورغبتهم غير المحدودة في السيطرة وتوسيع نفوذهم.

ويتساءل خبراء الحد من التسلح الغربيون عما إذا كانت محرمات استخدام الأسلحة النووية القديمة لا تزال سارية في عصر تتصاعد خلاله النزعة غير الليبرالية، وهو ما يؤكده غزو أوكرانيا غير المبرر.

وكان من المفترض أن يسود المنطق خلال الحرب الباردة ويمنع الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة من امتلاك أسلحة نووية. لكن العديد من المتخصصين والباحثين اليوم يرون أن الغموض المحيط بالاستخدام المحتمل لأسلحة الدمار الشامل في المستقبل هو الأمر المؤكد الوحيد، وفق تقرير لموقع أويل برايس الأميركي نقلا عن منصة أوراسيانيت المستقلّة.

وقالت الأستاذة في كلية هانتر بنيويورك والخبيرة البارزة في الأمن الدولي سينثيا روبرتس إن “الأسلحة النووية أصبحت مركزية للسياسة الدولية مرة أخرى مع تجدد المنافسة بين القوى الكبرى”. وأضافت أن العدوان الروسي في أوكرانيا أعاد “سيناريو نشوب حرب نووية إلى عالم الاحتمالات”.

ستيفن فان إيفرا: التنوير في خطر بسبب عدم التحقق من المعلومات
ستيفن فان إيفرا: التنوير في خطر بسبب عدم التحقق من المعلومات

وقد أدارت روبرتس حلقة نقاشية نظمها معهد سالتزمان لدراسات الحرب والسلام بجامعة كولومبيا، وتناول الحوار مشهد أسلحة الدمار الشامل المتغير.

واستشهدت الأستاذة بمراجعة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة للموقف النووي، والتي حذرت من أن الولايات المتحدة تدخل “حقبة غير مسبوقة” تواجه خلالها “خصمين (نوويين) محتملين” هما روسيا والصين. ويختلف الوضع بذلك عن الحرب الباردة التي واجهت خلالها واشنطن الاتحاد السوفييتي.

ويبقى صعود الصين أحد العوامل التي من شأنها أن تغير حسابات استخدام الأسلحة النووية. وأشار بعض المشاركين في الحلقة النقاشية كذلك إلى أن من عوامل تمكين الأنظمة غير الليبرالية المحتملة عامل الابتكارات التكنولوجية التي برزت خلال القرن الحادي والعشرين، وخاصة منها ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتقدم السريع في آليات الذكاء الاصطناعي. وحددوا أن انحسار المنطق يزيد من خطر الضغط على زر الإطلاق النووي أو استخدام أسلحة الدمار الشامل الأخرى.

وقال عالم السياسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ستيفن فان إيفرا، وهو من أعضاء اللجنة النقاشية، إن “الكذّابين يحكمون العالم”. واعتبر ما أسماه “التنوير” في خطر بسبب منافذ الإعلام الجديدة وحقيقة عدم التحقق من المعلومات التي تتحكم في كيفية رؤية الجمهور للأمور.

وأثيرت مخاوف من أن تلجأ روسيا إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في أوكرانيا بعد تهديد الرئيس فلاديمير بوتين باستعمال السلاح النووي وانسحاب موسكو في مطلع 2023 من معاهدة نيو ستارت الضامنة لتخفيض الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا.

ويُذكر أن حسابات بوتين وجنرالاته كانت غير دقيقة فيما يتعلّق بغزوهم لأوكرانيا حيث توقعوا أن تكون الأمور أسهل مما هي عليه على أرض الواقع. وأبرز التحرك العسكري سوء قيادة الجيش الروسي ونقاط ضعفه. ولم يستبعد الخبراء في حلقة معهد سالتزمان النقاشية فكرة لجوء روسيا إلى السلاح النووي رغم اعتبارهم أن الاحتمال ضئيل خلال هذه المرحلة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، سكوت ساغان، أن بوتين يبقي خياراته مفتوحة. وقال إن “تاريخ القادة في الأزمات يشير إلى أنهم قد يتخذون قرارات متهورة جدا عندما يصبحون على حافة الخسارة”. وأضاف أن “قيود الحقبة السوفييتية في صنع القرار الجماعي تبدو متآكلة في روسيا اليوم”.

وأشار ساغان إلى أن “الدكتاتوريين يحيطون أنفسهم برجال مطيعين لا يقولون لهم لا. إذا لم تجد ممثلا عقلانيا في القمة، فأنت بحاجة إلى ضوابط وتوازنات في أسفل هرم السلطة”.

وقال تشارلز غلاسر، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، إن “مجموعة متنوعة من السيناريوهات يمكن أن تؤدي إلى استخدام سلاح نووي في أوكرانيا”. وأضاف “علينا أن نضع في اعتبارنا أنه قد تكون هناك استخدامات عقلانية للأسلحة النووية. سيكون الأمر خطيرا، لكن الخطورة الشديدة ليست بالضرورة غير عقلانية”.

الكثير من المتخصصين يرون أن الغموض المحيط بالاستخدام المحتمل لأسلحة الدمار الشامل في المستقبل هو الأمر المؤكد الوحيد
الكثير من المتخصصين يرون أن الغموض المحيط بالاستخدام المحتمل لأسلحة الدمار الشامل في المستقبل هو الأمر المؤكد الوحيد

ويتوقع المحلل أن يميل بوتين إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية كورقة مساومة لفرض تسوية سلمية تمنع وقوع كارثة قد تهدد قبضته على السلطة إذا شعر بأن روسيا ستواجه انتكاسة كبيرة مثل خسارة شبه جزيرة القرم.

وأعرب فان إيفرا عن تخوّفه من احتمال حدوث تصعيد نووي في أوكرانيا، قائلا إن “توازن الإصرار يميل ضد الولايات المتحدة”. وأضاف أن “هذه هي المرة الأولى التي تُدخل فيها الولايات المتحدة نفسها في صراع مع قوة نووية أخرى تعتقد أنها تهتم بالمخاطر المطروحة أكثر مما تهتم به واشنطن. ومن قواعد فن الحكم النووي حسب رأيي هو عدم الدخول في مواجهة مباشرة بشأن القضايا التي يهتم بها الطرف الآخر بقدر اهتمامك أو يهتم بها أكثر منك. سيقرر ميزان العزم ختام هذه المواجهة”.

وناقش الحاضرون السؤال المحير التالي: ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة إذا استخدمت روسيا سلاحا نوويا؟ يبدو أن إجماع الخبراء يميل نحو الانتقام الأميركي التقليدي الضخم لأن مثل هذه الاستجابة ستقلل من مخاطر التصعيد.

الأسلحة النووية أصبحت مركزية للسياسة الدولية مرة أخرى مع تجدد المنافسة بين القوى الكبرى

ولاحظ غلاسر أن بوتين لم يواجه خسارة كارثية بعد رغم انتكاسات روسيا العديدة في ساحة المعركة، أي أنه لم يواجه موقفا قد يميل فيه إلى الأمر بضربة نووية. وأضاف “إذا استخدم بوتين أسلحة نووية، فإننا لا نعرف حقا ما سيحدث بعد ذلك. وقد يؤدي استخدامها حتى لو كان محدودا إلى حرب نووية أكبر”.

وأكدت إيتيل سولينجن، وهي أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا إيرفين، أن “أي رد أميركي قوي على الاستخدام الروسي المحتمل لسلاح نووي في أوكرانيا سيشمل مخاطر بالتأكيد، لكن عدم الرد قد يكون أكثر خطورة”.

وتابعت “لا نمتلك خيار عدم الرد في مواجهة العدوان. يعادل عدم القيام بأي شيء أحيانا زيادة مخاطر وقوع كارثة. كان هذا درسا استخلصناه في 2014”.

وكانت سولينجن تشير إلى رد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الفاتر على ضم روسيا المسلح لشبه جزيرة القرم في 2014، وعلى انتشار الانفصاليين المدعومين من الكرملين في منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا الذين غزوا المنطقة بعد فترة وجيزة من احتلال شبه جزيرة القرم.

وقالت سولينجن إن “توقع بوتين أن يتكرر التقاعس الغربي الذي شهده في 2014 قد يكون هو الذي شجعه على شن هجوم على أوكرانيا في 2022”.

7