الكتل الشيعية العراقية تلوح بعدم التصويت لحكومة مصطفى الكاظمي

تناور الأحزاب الموالية لإيران في العراق برفض الفريق الحكومي المنتظر لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بهدف الإبقاء على الحكومة المستقيلة التي يرأسها عادل عبدالمهدي، في وقت لم يحدد فيه البرلمان العراقي بعد موعد الجلسة المخصصة للتصويت على حكومة الكاظمي.
بغداد - مع اقتراب عقد الجلسة العامة للبرلمان العراقي للتصويت على حكومة رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي بدأت تتضح الصورة تدريجيا، حيث تشير كل التوقعات إلى تخلي الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران عن الكاظمي الذي رشحته في البداية لهذا المنصب.
ويشير مراقبون إلى أن تخلي الكتل البرلمانية الموالية لإيران عن الكاظمي في هذا الظرف يؤكد أن ترشيحه لا يعدو أن يكون ترشيحا شكليا للتخلص من رئيس الوزراء المكلف السابق عدنان الزرفي، ومن ثمة الانقلاب عليه للإبقاء على الحكومة المستقيلة التي يقودها عادل عبدالمهدي.
واتبعت القوى السياسية العراقية الخاضعة لإيران تكتيكا مألوفا، يقوم على التشكيك التدريجي في آلية مفاوضات المكلفين بتشكيل الحكومة، وصولا إلى لحظة التصعيد النهائي ضدهم.
وبعد تسريب قائمة أولية تضم البعض من مرشحي الكاظمي لشغل حقائب وزارية، قال أعضاء في الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران، إن الأسماء لا ترتقي إلى مسؤولية مواجهة أعباء المرحلة الحالية، التي تشهد تحديا مزدوجا يتمثل في وباء كورونا وانهيار أسعار النفط، وما يرتبط بذلك من أزمات مالية.
ويقول مراقبون إن هذه الأطراف التي خولت الكاظمي علنا اختيار أعضاء فريقه بحرّية راحت في السر تفاوضه على حصصها منفردة، وعندما رفض الإصغاء تحول إلى خصم لها.
والأربعاء اجتمع الكاظمي بالقوى الشيعية، وعرض عليها جزءا من مرشحيه لشغل الحقائب في الحكومة القادمة، حيث جرى الاتفاق على عقد اجتماع جديد لحسم الأمر.
ولكن المفاجأة كانت في الاجتماع الجديد الذي عُقد الجمعة حيث أبلغت الأحزاب الموالية لإيران، الكاظمي بأنها لن تصوت لصالح حكومته إذا أصر على عرض هذه الأسماء خلال جلسة منح الثقة المتوقعة في غضون أيام.
وتذرعت هذه الأحزاب بأن الكاظمي اختار وزراء الحقائب الشيعية بحرية، لكنه قبل بإملاءات الكتل الكردية والسنية.
وقال رئيس كتلة تحالف الفتح النيابية في البرلمان، محمد الغباني، إن الكتل الشيعية وافقت على خيار تخويل الكاظمي اختيار وزرائه بحرية تامة بشرط أن يطبق على الكتل السنية والكردية.
القوى الشيعية فشلت في التعرف على نوايا الكاظمي بشأن المرشحين لحقيبتي الدفاع والداخلية وهو ما ضاعف خشيتها
وأضاف أن “الرئيس المكلف خلافا لذلك المبدأ قبل مرشحي الكتل الكردية والسنية وتعامل بازدواجية”، معتبرا أن “هذا الأمر مرفوض ويعقد تمرير الكابينة“.
ورأى مراقبون في تعليق الغبان تلويحا حقيقيا من ثاني أكبر الكتل النيابية، التي تضم أبرز حلفاء إيران من الأحزاب والميليشيات العراقية، بالتخلي عن الكاظمي، وربما الوقوف ضده خلال جلسة منح الثقة، التي من المرجح أن تعقد بين يومي الاثنين والخميس.
وتقول مصادر مطلعة على كواليس المفاوضات، إن القوى الشيعية المقربة من إيران فشلت في التعرف على نوايا الكاظمي بشأن المرشحين لحقيبتي الدفاع والداخلية خلال مفاوضات الأيام الماضية، وهو ما ضاعف خشيتها.
وتخشى هذه القوى أن يستخدم الكاظمي وزارتي الدفاع والداخلية، في حال عين فيهما وزيرين مستقلين عن نفوذ الأحزاب، لضرب الميليشيات الموالية لإيران، ما يعني خسارة طهران لأهم أذرعها في العراق.
وتضم قائمة القوى الشيعية التي انقلبت على الكاظمي بعد تأييده منظمة بدر، بالرغم من أن الأنباء تشير إلى أن زعيمها هادي العامري وعد المكلف بأنه سيدعمه شخصيا.
وتضم القائمة كذلك حركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي المطلوب للولايات المتحدة بتهم إرهابية، وميليشيا كتائب حزب الله التي أسسها الحرس الثوري الإيراني، وائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي.
وتقول النائبة عن تحالف الفتح ميثاق الحامدي، “حكومة الكاظمي، حسب القوائم المسربة، تضم الكثير من المرشحين الجدليين وآخرين لا يمتلكون أي مؤهلات”، معتبرة أن “اختيار الوزراء بهذه الطريقة يخلق أزمة سياسية جديدة بين الكتل البرلمانية ولا ينصف الاستحقاقات الانتخابية التي كفلها الدستور، مما يؤكد التعامل بازدواجية في اختيار المرشحين“.
واعتادت الكتل السياسية استخدام مصطلح “الاستحقاق الانتخابي” لوصف حصتها المنتظرة في الحكومة، خلال مرحلة المفاوضات، ما يعني أن تحالف الفتح القريب من إيران يفتش عن حصته ضمن حكومة الكاظمي، بالرغم من إصداره تخويلا علنيا للمكلف بأن يختار وزراءه كما يريد.
ويقول مراقبون إن هذا الانقلاب من قبل القوى الموالية لإيران على الكاظمي يستتبع ربما إعادة تشكيل خارطة التفاهمات السياسية في العراق، إذ ما زال الحيز الشيعي الأكبر، والأكثر عددا في البرلمان، لم يحسم أمره تجاه المكلف، وسط ترجيحات بأنه سيواصل دعمه حتى النهاية.
ويضم هذا الحيز كتلة سائرون التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وهي أكبر كتل البرلمان العراقي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وتحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وتقول المصادر إن هذا الحيز قد يوفر قرابة 90 نائبا خلال جلسة منح الثقة لحكومة الكاظمي.
وبالنظر إلى الإجماع شبه الكامل بين القوى السياسية السنية والكردية على دعم الكاظمي، فإن جلسة منح الثقة قد تشهد حضور نحو 200 نائب، من أصل 329 هو عدد أعضاء البرلمان العراقي، ما يوفر أغلبية أكثر من كافية لتمرير الكابينة.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب”، إن الكاظمي قد يطلب من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد في أي لحظة، مشيرة إلى أن جلسة منح الثقة قد تعقد بين يومي الاثنين والخميس. وتقول مصادر إن الولايات المتحدة شجعت القوى السياسية السنية والكردية على دعم الكاظمي في المرحلة المقبلة، بوصفه شريكا شيعيا معتدلا.
ويرى مراقبون أن تمرير حكومة تعترض عليها القوى الموالية لإيران بشدة، سيمثل تحديا صريحا لرغبات إيران وحلفائها الأقوياء في العراق، ما يفتح الباب على إمكانية تطور الاعتراض إلى نوع من التصعيد الميداني.
وبالفعل، لوحت قوى سياسية مقربة من إيران بأنها قد تلجأ إلى الشارع، في حال مرر البرلمان حكومة الكاظمي، دون أخذ اعتراضاتها بعين الاعتبار.