القوى الوطنية تحذر من التفاف إخوان ليبيا على الملتقى الجامع

الإخوان يستغلون ارتباك سلامة للسطو على الملتقى، وتركيا وقطر تتحركان لجمع شتات الإخوان وتسويق مبادرة الصلابي.
الاثنين 2019/01/14
الجهود الأممية تصطدم بمناورات الإخوان

مع انتظار الليبيين لتحديد موعد انعقاد المؤتمر الجامع الذي يهدف إلى توحيد الفرقاء السياسيين وتحقيق مصالحة تعيد الاستقرار للمشهد السياسي المضطرب منذ فبراير 2011، تحاول قوى الإسلام السياسي في ليبيا من خلال المبادرة الذي أطلقها القيادي المتشدد علي الصلابي استقطاب القوى السياسية المختلفة داخليا، فيما تتحرك كل من تركيا وقطر لتمهيد الطريق للجماعات الإسلامية والتنسيق لمبادرة الصلابي خارجيا استكمالا لمشروعهما التخريبي في المنطقة، حتى تستطيع جماعة الإخوان وضع يدها على السلطة في ليبيا.

دخل غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، سباقا محموما مع الزمن لجمع شمل الكثير من القوى للوفاء بوعده حول عقد مؤتمره الجامع خلال الأسابيع المقبلة، لكن الأمور تسير على وتيرة معكاسة لبعض توجهاته، والتحديات الموجودة على الأرض تمضي في اتجاه مغاير لما يريده، وحسابات بعض الأطراف المؤثرة تصطدم بمحاولات جماعة الإخوان السيطرة على الكثير من مفاتيح الأزمة وطرق حلها.

وجدت قيادات الجماعة الفرصة سانحة لاستثمار الارتباك الذي يخيم على خطوات المبعوث الأممي، وبذلوا في الفترة الماضية جهودا مضنية ليفرضوا سطوتهم على الملتقى الجامع، باعتباره مدخلا عمليا لتعميم رؤيتهم على الآخرين، وتوظيف الغياب المنتظر لعدد كبير من القوى الوطنية، احتجاجا وعدم اقتناع بما يجري تدبيره، لأن المؤتمر بهذه الصورة سوف يؤدي إلى تمكين الإسلام السياسي في ليبيا لا محالة، وتحت غطاء دولي.

تتعزز هذه القناعة مع كل خطوة يقوم بها غسان سلامة ورفاقه نحو المؤتمر الجامع، وهو ما فتح الباب لإعلان تبرم البعض من تصوراته، فبدأ يتريث ويقلل من اندفاعاته الأيام الماضية، واستشعر خطرا على دوره ومستقبله، وقد يضطر صاغرا إلى القبول بترحيل المؤتمر إلى أبريل المقبل لعدم الصدام مباشرة مع بعض القوى، وضمان تمثيل نسبي مرتفع من جهات مختلفة، كي لا يبدو كمن يمعن في فتح الطريق بأريحية أمام تيار الإسلام السياسي.

مبادرة الصلابي

مخطط تركي قطري
مخطط تركي قطري

تتحرك تركيا وقطر نحو المزيد من تمهيد الأرض تحت أقدام جماعة الإخوان والاستفادة من المشهد الغامض الراهن، ويعمل هذا الفريق على إنقاذ الملتقى الجامع لتحقيق غرضهم، قبل أن يتعرض للفشل ويضع حدا لمصير سلامة السياسي، إذا عقد فعلا، أو تتمكن القوى الوطنية من الضغط على المبعوث الأممي لتأجيله إلى وقت غير مسمى.

قامت جماعة الإخوان أخيرا، بضخ دماء غزيرة في المبادرة التي أطلقها القيادي المتشدد علي الصلابي والخاصة بالجناح التنفيذي للجماعة المعروف بـ “تكتل السلام والمصالحة”، وتعول كل من الدوحة وأنقرة عليها كثيرا لوضع يد التيار الإسلامي على السلطة في ليبيا.

لم تخل المبادرة التي كتبها الصلابي من الإصرار على تسويق أفكار الإخوان بين سطورها بوضوح، ووصلت في مجملها إلى 130 صفحة، تتصدرها مقدمة طويلة، وخاتمة تحوي صورته ومؤلفاته التي زادت على 60 كتابا.

هي واحدة من مبادرات كثيرة أطلقها الرجل كنوع من المناورة أو تثبيت واقع يميل لصالح جماعته، التي تجد الأجواء القاتمة مواتية لتمددها، أو على الأقل لن تواجه بعواصف غضب من قوى فاعلة في المجتمع الدولي، ترى حلقات الإخوان تتوسع في ليبيا من دون روادع أمنية أو سياسية.

تحاول المبادرة الالتحاف برداء وطني من خلال إرسال إشارات إلى عناصر النظام السابق وثوار فبراير، وتلميحات متعددة بخصوص القوى الوطنية عموما، أملا في أن تحظى بقدر من الإجماع يمكنها من تمرير مشروعها أو الجزء الحيوي منه في الملتقى الجامع.

استشعر سلامة خطرا على دوره وقد يضطر صاغرا إلى القبول بترحيل المؤتمر إلى أبريل المقبل، كي لا يبدو كمن يمعن في فتح الطريق بأريحية أمام تيار الإسلام السياسي

ترى تركيا وقطر أهمية فائقة في مبادرة الصلابي لتناسي مشكلة سفن الأسلحة التي تتدفق على موانئ ليبية، وتتحدى قرار حظر تصدير الأسلحة الأممي، وتعملان على تسويق المبادرة لدى جهات إقليمية ودولية، بحسبانها أداة تحظى بتوافق، يمكن البناء عليه مستقبلا، ولذلك يريد هؤلاء تجييش عناصر التيار الإسلامي ووقف الخلافات بين أطيافه، لتقديمه باعتباره كتلة واحدة، تنطلق من مركز تجميع الكثير من الإسلاميين في العالم بإسطنبول.

يستعد الصلابي الذي يتنقل بين تركيا وقطر، إلى عقد ندوة بإسطنبول، في مارس المقبل، أي قبل عقد الملتقى الجامع، لحشد الدعم اللازم لمشروعه السياسي، وتوحيد القوى الإسلامية بصورة جماعية، ومناطحة الأطراف المناهضة لها.

تنصب الخطوات الحالية على جمع شتات الإخوان المؤيدين للوفاق الوطني والمعارضين له، والجماعة الليبية المقاتلة، التي اتهم زعيمها السابق عبدالحكيم بلحاج، رئيس حزب الوطن، رسميا بارتكاب جرائم حرب، ناهيك عن عودة ما يسمى بتيار المفتي الصادق الغرياني المقيم في تركيا، وكلها أطياف تجتمع تحت شعار مؤدلج واحد يسعى حثيثا نحو قطف ثمرة ليبيا.

أضحت أنقرة تتعامل مع ليبيا كأنها مركز بديل لتجميع التيار الإسلامي من أنحاء العالم، يمرح فيها أقطابه، من الشمال إلى الجنوب والغرب، بعدما تقلص في الشرق، وهي عناصر متطرفة تتلقى دعما من قوى كثيرة في المنطقة، ما أدخل الأزمة منزلقا خطيرا، يضعها بين خيار حكم الإخوان وأعوانهم من الكتائب المسلحة، أو دخول البلاد دوامة التقسيم، والذي لا يزال من السيناريوهات المحبوبة لدى بعض القوى الدولية كوسيلة لضمان الحفاظ على مصالحها.

استقطاب سيف القذافي

تتحرك الدوائر المؤيدة للإسلاميين في ليبيا على مسارات موازية لعملية الحشد والتوحيد، في مقدمتها استعادة إحياء ما يسمى بمشروع “ليبيا الغد”، الذي طرحه سيف الإسلام معمر القذافي منذ حوالي 12 عاما، ووجد معارضة من قيادات نافذة إبان حكم والده، وتم وأده في ذلك الوقت لعدم مواءمته السياسية.

لعبت قيادات إخوانية بالخارج دورا سابقا في حض سيف القذافي لإطلاق سراح عدد من المنتمين للجماعة، وهو ما اعتبروه بادرة خير للتفاهم معه، والآن يعيد هؤلاء الخطة بطريقة تتسق مع معطيات الواقع الجديد، فقد اختفى رجال القذافي الأقوياء المعارضون لهذا الطرح، وظهر أشخاص يقتنعون بالفكرة القديمة، ويروجون لها لجس النبض حول إمكانية تطبيقها وخداع المواطنين، وتعبيد الطريق أمام تمكين الإسلاميين بسلاح عاطفي، يتعلق بحنين فئة من الليبيين لأيام القذافي الأب، التي كانت فيها البلاد موحدة ومستقرة أمنيا.

Thumbnail

يتجاهل هؤلاء أن شعبية سيف الإسلام قد تكون كبيرة في بعض الأماكن، لكنها ليست كافية لإضفاء شرعية على جماعة الإخوان في أوساطهم، فأتباع النظام السابق ليسوا كتلة واحدة، ولا يوجد تفاهم حول قيادة بعينها، حتى القذافي الابن محل شكوك لدى شريحة مهمة من الليبيين، وهناك تحفظات عليه، أبرزها ميله نحو التحالف مع التيار الإسلامي.

يبدو أن قيادات الأخير لم تدرك جيدا أن قواعد اللعبة متغيرة باستمرار في ليبيا، ومن الصعوبة العمل وفقا لترتيبات سابقة، فالتبدل الذي تشهده المعادلات الليبية يمضي سريعا، ولا يكفي لأي جهة بناء حسابات محكمة عليها. كما أن الاستقطابات الجارية بشأن مؤدلجين وكتائب مسلحة ومدنيين، لن تكفي لضمان الهيمنة على الدولة في المرحلة المقبلة، فالتباين الملحوظ بين القوى المختلفة والتباعد بين الشق السياسي والعسكري، سوف يكون عاصما أمام أحلام الصلابي ورفاقه وتحركهم بحرية داخل ليبيا.

ومرجح أن تلجأ الكتلة الشبابية الصامتة في ليبيا، وهي ستمثل وزنا مؤثرا في الأوضاع، إذا نجحت في تجميع شملها من مناطق مختلفة، ولدى هؤلاء الشباب قدرة فائقة على التعامل مع التطورات السياسية، ولن يقبلوا بأن يتم اختطاف بلدهم من جانب تركيا، تحت أي مسمى أو ذريعة، وقد يفاجئ شباب ليبيا قريبا العالم بتبني تصورات متقدمة ربما تقلب الطاولة على ترتيبات الطبقة السياسية في طرابلس، فضلا عن جماعة الإخوان ومن يدعمونها في العلن والخفاء.

ولذلك تفكر أنقرة في تكوين خلية من نخبة جديدة موالية لها في ليبيا، تساعدها في القبض على زمام أمور كثيرة في البلاد، بعدما تأكدت أن احتضان الميليشيات وقادتها سوف يكون مكلفا الفترة القادمة، في ظل قوائم مختلفة خرجت أو يتم إعدادها وتطالب بجلب أشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب، وبعضهم يقيم في إسطنبول ويجد رعاية رسمية من الرئيس رجب طيب أردوغان.

لم تكن خارطة الطريق المزعومة التي رسمها الصلابي أخيرا هي الأولى، فقد سبقتها محاولات عدة، لكن المبادرة الجديدة التي جرى الكشف عن بعض تفاصيلها في سبتمبر الماضي، تظل الأكثر إحكاما وخطورة، لأنها تريد استيعاب غالبية القوى تحت جناحها، وإيجاد أمر واقع قد يصعب تغييره لاحقا.

6