القهوة التركية غزو ثقافي "غير ملموس" لإيران

يعمل الشباب الإيرانيون على توسيع هامش الحرية في بلادهم من خلال إقبالهم على ارتياد المطاعم والمقاهي الحديثة ولباس الجينز والملابس الرياضية أسوة بشباب العالم المتفتح، وقد استغل المستثمرون الأتراك هذا الاندفاع الشبابي من قبل الإيرانيين ليفتحوا مطاعم للأكلات التركية ومقاهي حديثة تقدم لهم مشروب القهوة المعدة على الطريقة “الإسطنبولية”، طريقة نجحت في جذب الشباب الإيرانيين لنمط الحياة التركي.
طهران - بعد الأطعمة والمأكولات التركية، باتت القهوة التركية أيضا تجذب الإيرانيين وتنال إعجابهم، وبالأخص في مقاهي العاصمة طهران.
ويستغل المستثمرون في المقاهي والمطاعم من الأتراك هامش الحرية الذي حصل عليه الإيرانيون لافتتاح مطاعم ومقاه تركية يعتبرها الشباب الإيرانيون فضاءات معاصرة لحياة حرمهم منها الجناح المحافظ قبل قدوم حسن روحاني.
وفي عام 2013، أُدرجت القهوة التركية في قائمة “الميراث الثقافي غير الملموس” التي أعدّتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.
وإلى جانب مذاقها الأصيل، تعد سهولة تحضيرها وعدم حاجة ذلك إلى الكثير من الخبرة التقنية، من بين الأسباب الكامنة وراء الإقبال على القهوة التركية، داخل البلاد وخارجها.
وانتشرت المقاهي العصرية في طهران التي يرتادها الشبان باعتبارها فضاء للحرية، وخاصة الفتيات المدخنات، فالمقهى أفضل مكان لهن لأن العائلة تمنعهن من التدخين في البيت.
يذكر أن الإيرانيين يعتبرون القهوة مشروبا إفرنجيا رغم أنها وصلت قبل الشاي إلى أصفهان في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر عن طريق القوافل التجارية التي كانت تحمل البن من موطنه الأم إلى البلاد العربية عبر إسطنبول وأوروبا.
لم تصل القهوة وحيدة إلى أصفهان، بل وصلت معها ثقافة المقاهي التي واجهت اعتراضا من قبل رجال الدين الرافضين لأي ثقافة جديدة خاصة وأنها حملت معها النرجيلة والألعاب وليالي السمر والشعر.
وأبقت السلطات الإيرانية على محدودية عدد المقاهي في البلاد كونها نموذجا للتأثير الغربي، وأماكن لنشر المعتقدات والأفكار غير الإسلامية.
وعاد رونق القهوة مع انتشار المقاهي الحديثة أو ما يسمى بـ”الكوفي شوب” التي تحمل أسماء أجنبية تقدم القهوة السريعة التحضير إلى جانب القهوة الكلاسيكية الفرنسية والتركية.
وتعتبر هذه المقاهي الفضاء المتاح للقاء بين الشبان والبنات في إيران، فهي تعد من الفضاءات القليلة التي تفرض قيودا أقل على العلاقات بين الجنسين.
ومنذ مجيء حسن روحاني للرئاسة الإيرانية وبناء على وعوده في إعطاء المزيد من الحريات الاجتماعية للشباب الإيرانيين، تم افتتاح الكثير من المقاهي في المدن الإيرانية الكبرى مثل طهران وأصفهان وشيراز لكن تقوم الشرطة بمهاجمة هذه المقاهي بين الحين والآخر بوصفها “مراكز فساد ينبغي إغلاقها”.
وشهدت إيران في السنوات الأخيرة، إجراء مسابقات وطنية وإقليمية، لأحسن طريقة في إعداد القهوة التركية، الأمر الذي أدى إلى ظهور خبراء في هذا الأمر بمختلف المناطق الإيرانية.
ومما يزيد الاهتمام بالقهوة التركية، أن الطابع التقليدي والتاريخي، يطغى على كافة مراحلها، بدءا من إعدادها، ومروراً بطريقة تقديمها وانتهاء بالأوعية التي تُقدّم فيها.
يقول هوداداد أصلاني، صاحب سلسلة من المقاهي الشهيرة في صنع القهوة التركية في طهران، إنهم باتوا أصحاب خبرة في صنعها، مبيناً أن الأهم بالنسبة لهم هو إعدادها وفق “الأصول الإسطنبولية”.
وأضاف أنه يمتلك في طهران، 7 مقاه تقدّم لروادها القهوة التركية الحقيقية، وهي تحظى بإقبال واسع من قبل نخب العاصمة الإيرانية.
وتابع قائلا، “السر وراء بيع قهوة تركية حقيقية وذات جودة عالية، هو تحضيرها بالطرق المتبعة في تركيا. وهذا يعني ارتفاع سعرها، لكن الأهم بالنسبة لنا هو تقديم مذاق أصيل لرواد المقهى، وهذه هي الطريقة الوحيدة كي يعتاد الزبون على النكهة الحقيقية للقهوة التركية”.
من جهته، قال الشيف والخبير بالنكهات، باهادير أميني، إن الفلكلور الثقافي الذي يصاحب تقديم القهوة التركية، وكونها وسيلة لعقد موائد الأحاديث، أثّر بشكل عام في الحضارات البشرية بالمنطقة.
وأوضح أن القهوة التركية باتت تحظى بإقبال كبير في الفترات الأخيرة، من قبل الجيل الجديد في عموم مناطق إيران.
وقالت الشابة يادا وهي طالبة جامعية إنها اعتادت ارتياد المقاهي الحديثة وخاصة التركية منها حيث تلتقي بصديقاتها وأصدقائها من الشباب الذين يفضلون القهوة التركية لأنها قريبة منهم، ثم إن الفضاء معاصر يشبه “الكوفي شوب”.
ويقول صديقها حميد رضا إن المقهى ملاذ العشاق الذين تطاردهم الشرطة الدينية في الخارج، ففي المقهى يلتقون بأكثر حرية لكنهم معرضون أيضا للإيقاف، طالما أن التهم جاهزة وهي الإخلال بالآداب، وفي المجتمع الإيراني يتم تحريم العديد من الأشياء في الحياة اليومية من طرف السلطات، فالنساء يجب عليهن ارتداء الحجاب في الفضاءات العمومية، كما يُمنع اختلاط الرجال بالنساء خارج الإطار العائلي.
ويضيف أنه يفضل القهوة التركية لأنه يحبذها منذ زار تركيا، فهي تذكره بإسطنبول وشوارعها التي يعرف البعض منها.
وانتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة عمل الإيرانيات في المطاعم والمقاهي سواء المخصصة للعائلات أو التي يرتادها الشباب، وقد أثار ذلك جدلا واسعا خفت حدّته بصفة تدريجية، خاصة وأن القانون الإيراني لا يمنع نصا عمل الفتيات في الفضاءات العامة.
وأشار باهادير أميني إلى أن إدراج منظمة “اليونسكو” القهوة التركية ضمن قائمة “الميراث الثقافي غير الملموس”، يعد كافيا لإدراك مدى أهميتها.
وأردف قائلا، “للقهوة التركية تأثير كبير في الشرق الأوسط وفي العالم بشكل عام، كونها القاسم المشترك في موائد الأحاديث، وبالأخص الأحاديث والنقاشات السياسية في المنطقة بشكل خاص”.
وأوضح أن هناك قواسم مشتركة بين المقاهي التركية والإيرانية، حيث أنها في كلا البلدين، مكان للاجتماع ومناقشة التطورات السياسية، والثقافية والفنية.
وذكر أن المقاهي كانت أماكن رئيسية بعد الحمامات التقليدية، لدى كافة المناطق العثمانية خلال القرنين الـ16 و17 الميلادي.
وتابع، “الثقافة التي تشكّلت حول القهوة التركية، أثرت بشكل عميق في الفن والثقافة العثمانية. التأثير نفسه شهدناه بعد 200 عام في الفن والثقافة الإيرانية”. وذكر أن افتتاح المقاهي التركية في طهران، بات يزداد في الآونة الأخيرة، مبيناً أن أولى هذه المقاهي افتتحها مواطن إيراني عاش لفترة من الزمن في إسطنبول.
وأشار إلى أن المقهى المذكور، كان متأثرا بثقافة المقاهي العثمانية، من حيث التصميم والعمارة والديكور والخدمات. وأفاد في ختام حديثه بأن المقاهي التركية كثرت في الآونة الأخيرة، حيث بات العديد من الأتراك يقدمون على افتتاح المشاريع الترفيهية من هذا النوع في عموم إيران، والعاصمة طهران بشكل خاص.