القمح الأوكراني الرخيص يغرق أسواق أوروبا ويتسبب في أزمة أسعار

لندن - أعلنت بولندا والمجر في 15 أبريل الجاري قرارا يقضي بمنع استيراد جميع المنتجات الغذائية القادمة من أوكرانيا حتى نهاية يونيو القادم. وشكّل هذا صدمة لبروكسل، لكنه كان استجابة مباشرة لانخفاض الأسعار في الأسواق المحلية بسبب تدفق المواد الغذائية من أوكرانيا.
وتبعت سلوفاكيا وبلغاريا قرار الدولتين بينما تدرس رومانيا تطبيق هذا الحظر. ويُذكر أن هذه البلدان كانت من أكبر داعمي كييف السياسيين داخل الاتحاد الأوروبي. لكنها واجهت صعوبات في تطبيق مبادرتين رئيسيتين قدمهما الاتحاد الأوروبي في العام الماضي لتخفيف الضغط الاقتصادي عن أوكرانيا.
وكانت ممرات التضامن أولى المبادرتين، وهدفت إلى تسهيل تصدير البضائع الأوكرانية (وخاصة منها الزراعية) إلى الاتحاد الأوروبي وما وراءه عبر الطرق الأوروبية والسكك الحديد والممرات المائية، حيث تعاني موانئ البحر الأسود الأوكرانية من وطأة الحصار الذي يفرضه الجانب الروسي. أما الإجراء الثاني فهو قرار اتخذه التكتل في يونيو 2022، ويقضي بإلغاء جميع التعريفات والرسوم المفروضة على السلع الأوكرانية التي تدخل دول الاتحاد لمدة سنة.
وتخلق تحركات بولندا والمجر أحادية الجانب معضلة حقيقية لبروكسل لكون سياسة التجارة المشتركة من ميزات الاتحاد الأوروبي الحصرية، أي أن الدول الأعضاء لا تتمتع بإمكانية هذا التحرك الفردي من الناحية القانونية. وانتشرت في البداية شائعات قالت إن بروكسل ستتخذ إجراءات ضد بودابست ووارسو، إما بفرض غرامات أو محاكمتهما. لكن ما نتج هو فهم لمعاناة المزارعين في البلدان المجاورة لأوكرانيا.
يُذكر على سبيل المثال أن بولندا استوردت سنة 2021 حوالي 2800 طن من القمح من بلدان أخرى. ثم ازدادت هذه الكمية في 2022 إلى 500 ألف طن. وكانت الزيادة أكثر حدة بالنسبة إلى الذرة، حيث وصلت الواردات إلى 1.8 مليون طن في 2022، بينما لم تتجاوز 5800 طن في 2021. ولم تكن بولندا الاستثناء فيما يتعلق بهذه الزيادة الهائلة، ذلك أن الظاهرة تكررت بين جيران أوكرانيا الآخرين.
وأشارت وارسو في 18 أبريل، أي بعد مرور أيام قليلة على إعلانها منع الواردات، إلى أنها أبرمت صفقة مع كييف يُسمح فيها لجميع المنتجات الأوكرانية بعبور بولندا دون أن تدخل سوقها. ويشمل الاتفاق الذي أصبح ساريًا في 21 أبريل مراقبة قوافل شاحنات البضائع عبر نظام تحديد المواقع العالمي. ورحّبت بروكسل بهذه النقطة كخطوة أولى، لكنها تواصل بحثها عن حل موحد يمنع حدوث الاختلالات التجارية في سوق التكتل الموحدة.
كما جمع لقاءٌ بين مسؤولي المفوضية الأوروبية ووزراء تجارة بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا ونظيرهم الأوكراني. وعُقد الاجتماع في بروكسل بتاريخ 19 أبريل بهدف التوصل إلى اتفاق مشترك. واقترح الاتحاد الأوروبي خلاله إدخال تدابير وقائية يمكن اتخاذها على الفور لتستمر حتى 30 يونيو وتشمل أربعة منتجات أوكرانية هي القمح والذرة والسلجم وبذور عباد الشمس.
وستمكّن الإجراءات المقترحةُ هذه المنتجات الغذائية الأربعة من عبور دول الاتحاد الأوروبي الخمس دون دخول أسواقها المحلية، مع تعهد بروكسل بالنظر في وضع واردات أخرى على القائمة. وكان هذا مشابهًا لصفقة بين بولندا وأوكرانيا، لكن الدول الخمس المتضررة هنا لم ترحب باقتراح الاتحاد الأوروبي بحفاوة، حيث كانت تبحث عن ضمانات بشأن البيض والدواجن والعسل.
وكان الأوروبيون يراهنون على اجتماع لوزراء زراعة الاتحاد الأوروبي، إلا أن الاجتماع الذي عقد يوم 26 أبريل فشل في التوصل إلى نتائج بشأن الحظر المفروض على المنتجات الزراعية الأوكرانية. لكن تقارير إعلامية أوروبية نقلت عن مصادر أن المفوضية الأوروبية أعربت “بشكل غير رسمي” عن استعدادها لتوسيع قائمة المنتجات الزراعية المحظور استيرادها من أوكرانيا.
ويشكل الدعم المالي لتعويض المزارعين حلا للتخفيف من حدّة الوضع. وتلقى المزارعون البلغاريون والبولنديون والرومانيون في أواخر مارس 56 مليون يورو (62 مليون دولار) في شكل دعم مباشر من ميزانية الاتحاد الأوروبي. وستشمل صفقة أخرى بقيمة 100 مليون يورو مزارعين سلوفاكيين وهنغاريين. وتسببت الأزمة في تأجيل التصويت داخل الاتحاد الأوروبي على تمديد نظام الإعفاء من الرسوم الجمركية مع أوكرانيا لمدة سنة، وقد كان من المفترض إجراؤه خلال الأسبوع الماضي.
◙ ممرات التضامن مفيدة لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي وتمكنت كييف بفضلها من تصدير 63 مليون طن من البضائع خلال مدة الاثني عشر شهرًا الماضية
ولا يتطلب تمديد أي نظام مؤقت للإعفاء من الرسوم الجمركية مع أوكرانيا إجماعا على مستوى التدابير التجارية. ويمكن حل المشكلة عبر تصويت الأغلبية المؤهلة، أي أن 55 في المئة من الدول الأعضاء (حوالي 15 من 27) التي تمثل 65 في المئة من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي يجب أن تصوت لصالح التمديد. وتبدو السويد، التي تتولى حاليًا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، واثقة من تأمين الأصوات المطلوبة لكنها تفضل التوصل إلى إجماع حول مثل هذه القضية السياسية الحساسة.
وكانت ممرات التضامن مفيدة لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وتمكنت كييف بفضلها من تصدير 63 مليون طن من البضائع خلال مدة الاثني عشر شهرًا الماضية. وكان نصف الكمية تقريبًا من الحبوب، وأكسبت البلاد 26 مليار يورو. وصدّر الاتحاد الأوروبي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا 23 مليون طن من البضائع إلى دول خارجه، بقيمة تصل إلى 48 مليار يورو. وحدد مسؤول من الاتحاد أن الصادرات شملت “كل شيء من الحفّاظات إلى بنادق الكلاشينكوف”.
وسلّطت هذه التحركات الكثيفة ضغوطا على المعابر الحدودية بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا وممرات التضامن، وخاصة على مستوى نهر الدانوب الذي تمر عبره نصف الصادرات الأوكرانية تقريبًا. وخصص الاتحاد الأوروبي 25 مليون يورو من الاستثمارات، مما مكّن من زيادة أحجام الناقلات وعزز إمكانية الملاحة الليلية لتمديد ساعات النقل.
وتكمن مشكلة أخرى في زيادة التكاليف اللوجستية لمسارات التضامن، حيث تمثل حوالي 40 في المئة من إجمالي سعر الصادرات. ولا ينبغي أن تزيد هذه النسبة عن 10 في المئة. ووجدت إسبانيا في العام الماضي، حين أتلف الجفاف معظم محاصيل الاتحاد الأوروبي، أن استيراد الذرة من أميركا اللاتينية كان أرخص من الحصول عليها من أوكرانيا.