القمة العربية.. مشاركة محدودة تكشف تنازل الجزائر عن دور التقريب

الجزائر تريد لأزمة العلاقات مع المغرب أن تبقى وأن تزداد تعقيدا ما يجعل كل حديث عن "قيم مشتركة" و"تضامن عربي" مجرد كلام للاستهلاك العابر.
الثلاثاء 2022/10/25
قمة ميزتها الخلافات

الجزائر - ظهر جليا الحضور الخليجي الباهت في القمة العربية المزمعة في الجزائر مطلع الشهر المقبل، وهو ما يعني إعلان فشل مبكر، خاصة إذا ترافق مع غياب العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وتكاد تكون القاعدة القائلة إن القمم العربية هي مناسبة لرأب الصدوع في العلاقات العربية هي المعيار الأساس لنجاحها.

ويظهر أن العلاقات بين الجزائر والمغرب هي أكبر الصدوع، وحيث أن الوساطة السعودية بين البلدين قد تم دفنها في الجزائر، فإن القمة سوف تنعقد وهي تحمل مبررات فشلها معها.

وتشير بعض الترجيحات إلى أن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش ووزير الخارجية ناصر بوريطة هما من سيمثلان المغرب في القمة. ما يعني أن قضية العلاقات بين المغرب والجزائر لن تثار، وأن المشاركة المغربية سوف تكون بروتوكولية أكثر منها مشاركة فاعلة، بالنظر إلى الموقف الجزائري المتشدد الذي يرفض استئناف العلاقات الطبيعية بين البلدين، بل ويدفع بها إلى المزيد من التأزم لدوافع انفعالية لا تصمد أمام الدعوات المغربية المتكررة لاستئناف علاقة حسن الجوار.

العلاقات بين الجزائر والمغرب هي أكبر الصدوع وبالتالي فإن القمة العربية سوف تنعقد وهي تحمل مبررات فشلها

ويلاحظ المراقبون أن الجزائر حتى وإن كانت قد نجحت في حماية القمة من لغم مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد، باقتناع سوريا أو بإقناعها بإرجاء مشاركتها، فإن هناك ألغاما أخرى ما يزال من غير المؤكد أن الجزائر يمكنها تعطيلها.

ويتمثل اللغم الأول في مشاركة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي المنتهية ولايته كممثل لبلاده، بينما ترى مصر ودول عربية أخرى أن هذا المجلس حتى وإن كان أقل إشكالية من حكومة عبدالحميد الدبيبة، فإنه كان يجب أن يسلم السلطة لرئيس منتخب في ديسمبر الماضي، ما يجعل رئيس البرلمان عقيلة صالح هو الشرعية الأكثر أهلية لتمثيل ليبيا.

ويقول متابعون إن دعوة صالح واجبة، وأن جهدا جزائريا لحل الأزمة في ليبيا، على غرار جهدها للمصالحة الفلسطينية، كان يجب أن يكون من بين أبرز الأولويات، ولو كانت “القضية الليبية” أقل بهرجة من المنافع الدعائية لـ”القضية الفلسطينية”.

ويتمثل اللغم الثاني في أن الدعوة التي وجهت إلى الرئيس العراقي السابق برهم صالح انتقلت تلقائيا إلى الرئيس الجديد عبداللطيف رشيد، ولكن تذهب الخشية أن يرافقه المكلف برئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، ممثل جماعات الإطار التنسيقي الموالية لإيران، ما يجعل مشاركته سابقة لأوانها على الأقل.

ويتعلق اللغم الثالث بالمشاركات الجانبية في القمة، فمن المنتظر أن يشارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس السنغالي ماكي سال باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي، والرئيس الأذري إلهام علييف بصفته رئيسا لحركة عدم الانحياز، وذلك كضيوف شرف.

الجزائريون يركزون على "النجاح" الوحيد الذي يجري وهو ما يتعلق بتوقيع الفصائل الفلسطينية لـ"إعلان الجزائر" للمصالحة في ما بينها

ويرى مراقبون أن هناك مخاوف من أن تحشر الجزائر إبراهيم غالي زعيم جبهة بوليساريو بين ضيوف الشرف، في مسعى لتسويقه، كما عملت على حشره في قمة “تيكاد” (منتدى التعاون الاقتصادي الياباني – الأفريقي) التي عقدت في تونس، وذلك على الرغم من أن جماعة بوليساريو لا اقتصاد لها لكي تتعاون به مع أي أحد.

وكان من الملفت في هذا الصدد أن الجزائر لم توجه دعوة لرئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إيمبالو، رغم أنه رئيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بسبب موقفه الرافض لمشاركة غالي في قمة تيكاد.

ومن المتوقع أن يحضر القمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني والرئيس التونسي قيس سعيد والرئيس العراقي عبداللطيف رشيد، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، وربما العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس مجلس السيادة في السودان عبدالفتاح البرهان.

ويركز الجزائريون على “النجاح” الوحيد الذي يجري وهو ما يتعلق بتوقيع الفصائل الفلسطينية لـ”إعلان الجزائر” للمصالحة في ما بينها. والميزة الأهم في هذا الإعلان هو أنه وضع جدولا زمنيا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية، وأوكل مهمة المتابعة والتنفيذ للجنة عربية تقودها الجزائر.

ولم يحقق هذا الإعلان مصالحة فعلية بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة، لأنه لم يحدد برنامجا وطنيا مشتركا، وقفز من فوق الدعوات إلى وحدة السلطة الفلسطينية لكسر الانقسام بين السلطتين في رام الله وغزة، واقتصر على السعي لفض النزاع من خلال الانتخابات، مع بعض الكلام الذي استهلكته الكثير من المبادرات السابقة. وهو ما قد يعني، في حال جرت الانتخابات فعلا، وفي حال فاز طرف ورفض الآخر النتائج، فإن الانقسام سوف يبقى كما هو، وتعود الدورة كما ظلت تدور على امتداد 15 عاما.

وفي مطلع أكتوبر الجاري أكد رئيس الحكومة الجزائرية أيمن بن عبدالرحمن أن بلاده “هيأت كافة الشروط اللازمة من أجل إنجاح القمة العربية، وإنها تسعى لإعادة بناء العمل العربي المشترك”.

هناك مخاوف من أن تحشر الجزائر إبراهيم غالي زعيم جبهة بوليساريو بين ضيوف الشرف، في مسعى لتسويقه

وأضاف رئيس الوزراء الجزائري في عرض قدمه أمام نواب المجلس الشعبي أن القمة “ستكرس، فضلا عن ترسيخ القيم المشتركة والتضامن العربي كما قررها رئيس الجمهورية، الطابع المركزي للقضية الفلسطينية وتحيين مبادرة السلام العربية لسنة 2002”.

ويقول مراقبون إن هذه النيات إيجابية، ولكن مصداقيتها تتعلق بما إذا كانت الجزائر تعتزم الأخذ بما تقترحه على الآخرين، لكي تقترحه على نفسها في العلاقات مع المغرب، حيث يتساءل كثيرون ما هي القيم المشتركة والتضامن العربي إذا بقيت العلاقات بين هذين البلدين الجارين مقطوعة ومتوترة وتتجه نحو زيادة في التصعيد والتهديدات الأمنية؟

ويشير المراقبون إلى أن الجزائر، وهي على مشارف انعقاد قمة لـ”التضامن العربي”، تعاقدت مع إيران لتزويد عناصر جبهة بوليساريو بطائرات مسيرة، ومعدات عسكرية أخرى لمهاجمة المغرب.

وتذهب التوقعات التي سبقت “الحضور الخليجي الباهت”، إلى أن قمة الجزائر، يمكن أن تشكل منعطفا ليس في العلاقات بين الجارين، وإنما في مجمل القضايا والملفات الشائكة، ما يوفر للجزائر دورا عربيا كبيرا في حلها، بما في ذلك الأزمات في السودان وليبيا واليمن، بل وحتى العراق، إذ سبق للجزائر أن كانت قادرة على أن تلعب دورا دبلوماسيا فعالا في فض النزاعات.

وبرغم التراجع الملموس لهذا الدور منذ انطلاق الحراك الشعبي من أجل التغيير، إلا أن انعقاد القمة كان بوسعه أن يوفر مناسبة لـ”إعادة تشغيل” ذلك الدور، فيحقق للجزائر المكانة العربية المرموقة التي تستحقها.

ويعني انكشاف “الحضور الباهت”، أن هذا الدور سوف يظل معلقا، وأن الإدارة الجزائرية الراهنة لا تريد أن تجعل من رئاسة الجزائر للقمة العربية، وهو عمل يمتد بمفاعليه حتى انعقاد القمة المقبلة، أداة لا لحل المشكلات المطروحة على جدول أعمالها، ولا أن تنهض هي نفسها بما كان متوقعا منها.

ويرى مراقبون أن السبب الرئيسي في ذلك هو أن الجزائر تريد لأزمة العلاقات مع المغرب أن تبقى وأن تزداد تعقيدا، ما يجعل كل حديث عن “قيم مشتركة” و”تضامن عربي” مجرد كلام للاستهلاك العابر. وما إن تنتهي القمة، فإن الدور الجزائري سوف ينتهي معها، وكأن انعقادها مجرد عبء تنتظر الجزائر التخلص منه.

7