القصور الصحراوية في تونس تنافس الفنادق السياحية

القصور تلعب دورا كبيرا في تأمين النشاطات التربوية والدينية والتجارية عند الإقامة حولها، وهي إقامة مؤقتة ومقتصرة على زمن التهديدات الأمنية وسنوات الجفاف.
الخميس 2024/11/07
بساطة لالا فخامة

صارت القصور الصحراوية في تونس أحد أبرز المعالم السياحية التي تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم. هذه القصور، التي غالبًا ما تكون مبنية من الطين أو الحجر في مناطق صحراوية مثل جنوب تونس، تتمتع بتاريخ طويل وثقافة غنية، فضلاً عن تصاميمها المعمارية الفريدة التي تعكس التكيف مع البيئة الصحراوية.

تونس ـ رغم مرور أكثر من 900 عام على تشييدها لا تزال القصور الصحراوية في تونس، التي يصل عددها إلى ما يقارب 150 قصرا، صامدة ومتربعة كشاهد حي على ميلاد الحضارة والحياة وسط قساوة الصحراء.

فهذه القصور تنتشر على أكثر من نصف مساحة الجنوب التونسي، تحول أغلبها إلى فنادق ووجهات سياحية، تقام فيها المسابقات والمعارض والمناسبات الثقافية، حتى باتت من أهم مقومات التراث التونسي، لكونها تمثل نمطًا معماريًا محليًا خالصًا، بمبانيها المشيدة في أعالي الجبال والمرتفعات التي تقف شاهدة على عمق الوجود البشري في المنطقة.

وشيد هذه القصور سكان المدن الصحراوية التونسية، بني خداش ومطماطة وتطاوين، لأغراض شتى أهمها التحصن من الغزاة وتخزين المؤونة من قمح وشعير ومواد غذائية أخرى منها التين المجفف الذي عرفت به المنطقة.

وقد بنيت على المرتفعات، وهي عبارة عن طوابق من غرف صغيرة فوق بعضها البعض، يصل ارتفاع الواحد منها إلى 6 أمتار وعرضه بين 1.5 متر ومترين، وعادة ما يكون القصر في شكل مستطيل. ويختلف عدد الغرف من قصر إلى آخر، وعادة ما يقارب عددها 200 أو 300 غرفة، مقسمة على طوابق قد تصل إلى ستة طوابق، بحسب التونسي المختص في التراث الحبيب علجان.

حح

وتستقبل الزائر البوابة الكبيرة المصنوعة من خشب النخيل والمحصّنة بقفل حديدي ضخم يحرسه خفير مكلف من مجلس القبيلة. وبعد تجاوز البوابة نجد “السقيفة”، وهي ممر طويل مسقوف بخشب النخيل ويسمّى في اللهجة المحلية “سنور”. ويقود الممر إلى فضاء واسع مفتوح، أرضيته مرصوفة بالحجارة الملساء ويسمى “الصحن”، وهو الساحة المركزية للقصر، وعليها تطل كل الغرف والطوابق، وفيها كان أعيان القبيلة يعقدون جلساتهم التي يناقشون فيها شؤونهم. ويتحول صحن القصر أحيانا إلى محكمة لفض النزاعات القائمة بين أفراد القبيلة.

أما الغرف فيشيّد بعضها فوق بعض وبسقف على شكل قبة وذلك لاعتبارات مناخية، فالغرفة معدة لتخزين المواد الغذائية ويجب أن تحافظ على درجة حرارة مناسبة لوظيفتها، ومن شأن القبة أن تعكس أشعة الشمس بعيدا عنها على عكس السقف المسطح الذي يترك مجالا لحرارة الشمس كي تستقر فوقه. ويمكن الوصول إلى الحجرات العلوية بسلالم مصنوعة من الخشب أو بالحبال لإيصال المؤن، ويحيط بها سور شاهق يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار للحراسة، إضافة إلى الحارس المتمركز عند مدخل القصر.

وتمتد القصور الصحراوية في محافظتي تطاوين ومدنين (جنوب شرق)، أشهرها قصر “الحدادة” الذي يقع في مدينة غمراسن (على بعد 30 كيلومترا من مركز محافظة تطاوين) واستخدم سنة 2000 ديكورا لفيلم “حرب النجوم” للمخرج الأميركي جورج لوكاس، وقصر “أولاد دبّاب” (10 كيلومترات من تطاوين). وتعني القصور الكثير لأهالي الجنوب التونسي، فهي تربطهم بتراثهم وتاريخ أجدادهم وتفاصيل نمط عيشهم التقليدي.

حح

وتلعب هذه القصور دورا كبيرا في تأمين النشاطات التربوية والدينية والتجارية عند الإقامة حولها، وهي إقامة مؤقتة ومقتصرة على زمن التهديدات الأمنية وسنوات الجفاف، أما في ساعات اليسر والرخاء فينتشر الأمازيغ بين السهول والمراعي للزراعة والتجارة. ولعل طابعها الهندسي المميز هو ما مكّن بعضها اليوم من أن يتحوّل إلى معالم سياحية ومزارات على الرغم من الإهمال الذي يعانيه معظمها.

ويعتبر المهرجان الدولي للقصور الصحراوية أهم مناسبة ثقافية في المنطقة، وهو تظاهرة تلتئم في شهر مارس من كل سنة وتدوم ثلاثة أيام وتعرّف بعادات وتقاليد أبناء الجنوب التونسي. ويقوم السياح خلال أيام المهرجان بجولات سياحية عديدة تمكنهم من الاطلاع على مخزون تطاوين وما حولها من مدن وقرى، ويستمتعون بمشاهدة ما تحفل به المنطقة من معمار فريد ومتميز.

وتمتاز المنطقة بصحرائها الشاسعة وعيونها المائية على غرار عين الظاهر الساخنة التي تستقطب آلاف السياح الذين يزورونها بهدف الاستشفاء والاستمتاع بجمال الصحراء، مع قطعان من الجمال ترعى بالقرب من العيون.

ويحرص ملاك هذه القصور على أن يمزجوا في خدماتهم السياحية بين الخدمات التي تضاهي ما تقدمه الفنادق العصرية والحفاظ على طابعها المعماري عبر المفروشات التقليدية والأكلات الشعبية، وهو ما يجذب إليها الكثير من السياح والراغبين في تنظيم الحفلات والمسابقات.

خخ

18