القراموص المصرية تصنع البردي وذكريات الفراعنة

الرسومات الفرعونية على ورق البردي واحدة من الذكريات المفضلة للسياح والزائرين الأجانب.
الثلاثاء 2021/08/10
الفن المتوارث

لا أحد يظن أن للورق مستقبلا في عالم الكتابة والتطور التكنولوجي، لكن أهالي قرية القراموص في مصر مازالوا متشبثين بصناعة البردي بتقنيات قديمة جدا لاستعماله في رسوم زخرفية ونصوص يقتنيها السياح كأحسن ذكرى خلال زيارة بلاد الفراعنة.

القراموص (مصر) - وسط الحقول الخضراء بمحافظة الشرقية في دلتا النيل بمصر يجهد أهالي قرية القراموص في زراعة ورق البردي الذي كان يستخدمه الفراعنة في الكتابة، للحفاظ على حرفة يهددها تراجع أعداد السياح الأجانب في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

في سبعينات القرن الماضي علّم مدرّس فنون في القرية مزارعي القراموص التقنيات الزراعية والحرفية العائدة إلى آلاف السنين لتحويل النبتة إلى ورق بردي مع رسوم زخرفية ونصوص، بعدما شارفت تلك التقنيات على الزوال.

ومنذ ذلك الحين تشكل القرية الواقعة على بعد 80 كيلومترا شمال شرق القاهرة أكبر مركز لصنع ورق البردي في البلاد، بحسب متخصصين في هذه الصناعة.

ورغم أن المصريين القدامى استخدموا البردي بغرض الكتابة تظل الرسومات الفرعونية التي يرسمها فنانو قرية القراموص على هذه الأوراق الثمينة المصنوعة من النبات واحدة من الذكريات المفضلة للسياح والزائرين الأجانب.

ولا تقتصر الرسومات البردية التي ينجزها الرسامون في القراموص على التاريخ الفرعوني، بل تشمل موضوعات أخرى مثل الخط العربي والمناظر الطبيعية.

سعيد طرخان -البالغ من العمر 60 عاما ويعمل مزارعا لنبات البردي ورساما، وأسس في القرية عام 2014 جمعية للمهنيين في هذا القطاع- قال إن “هناك 25 مزرعة في القراموص تعمل حاليا في صناعة ورق البردي، مقارنة بنحو 500 قبل 2011”.

وتشبه أوراق نبات البردي شكل المروحة ويمكن أن يصل ارتفاعها إلى أربعة أمتار وتنمو سيقانها مغمورة بالماء.

وبعد انقضاء آلاف السنين على طريقة الفراعنة في صناعة ورق البردي لا يزال المزارعون في القراموص يحافظون على التقنيات القديمة من خلال تقطيع الساق إلى شرائح رفيعة ومحاذاتها بسلك ووضع طبقات أخرى مشابهة فوقها، فيما تفصل بين كل طبقة وأخرى شريحة من القماش.

ثم تُوضع هذه الطبقات تحت ضاغط لمدة ساعات لتتشكل ورقة. ويتم غمر الورق بالماء ثم يُترك ليجف في الشمس، كي يصبح جاهزا للكتابة أو الرسم.

ويقول عبدالمبدي مسلم -البالغ من العمر 48 عاما ويمتلك ورشة لتحويل نبات البردي- “ورق البردي هو مصدر دخلنا الوحيد وهو يوفر قوت العيش لي ولأولادي ولا أعرف شيئا آخر”، مشيرا إلى أنه تكبد خسائر تقارب نسبتها 80 في المئة من إجمالي دخله.

وفي غرب العاصمة المصرية بالقرب من أهرامات الجيزة الشهيرة يؤكد أشرف الصراوي (48 عاما)، الذي يملك متجرا كبيرا لبيع لوحات البردي، عدم الارتياح الذي يمر به العاملون في قطاع السياحة بالمنطقة، لكنه لا يزال يتمسك بأمل زوال الأزمة قريبا.

ويقول “السياحة لا تموت أبدا، قد تمرض لفترة لكنها ستعود”، موضحا أن متجره خسر جزءا كبيرا من إيراداته بعد أن أغلق لمدة أشهر بسبب الوباء.

وفكر سعيد طرخان في تنويع منتجات البردي حتى تلقى رواجا بين الشباب مثل صناعة دفاتر مذكرات ودفاتر رسم أو أوراق تستخدم للطابعات أو حتى أوراق مصنوعة من ورق البردي المعاد تدويره.

يقول طرخان “نحاول التفكير بشكل مختلف حتى نتمكن من الاستمرار، وأقول شكراً لكوفيد – 19 الذي حبسنا في المنازل وجعلنا نطور عملنا”.

وقبل بضعة أشهر أطلق محمد -ابن سعيد طرخان (30 عاما)- متجرا إلكترونيا للعائلة يبيع فيه المنتجات لشريحة واسعة من الزبائن.

ويقول محمد “في البداية كنا نبيع محليا لمن يأتون إلينا، ولكن بعد تفشي كوفيد – 19 فكرنا في أننا نحن من نستطيع الوصول إلى المزيد من الناس وحتى الأجانب عبر الإنترنت”.

24