القدو صديق وأنيس المسنات في البحرين

الجمعة 2017/12/22
القدو سيد جلسات النساء

المنامة- رغم تزايد الوعي بمضار التدخين ما زالت نساء البحرين وخاصة المسنات منهن يجتمعن حول القدو يدخنه بشراهة وبشكل متواصل منذ عشرات السنين دون أن تغريهن الشيشة وزينتها العصرية، فهو سلطانهن وجليسهن سواء كن مجتمِعات أم وحيدات في البيت.

والقدو يشبه الشيشة، وهو عبارة عن جرّة من الفخار تملأ بالمياه وفيها أنبوب يكون عادة من عيدان القصب، ويوضع عليها رأس فخاري مخروطي الشكل يوضع فيه التتن ليدخنه الرجال والنساء على حد سواء في البحرين ومناطق عديدة أخرى من دول الخليج. والتتن هو التبغ الذي يوضع في القدو، ويزرع في عمان والبحرين والهند والبصرة، ومنه الحار والبارد والهندي.

تقول أم صالح (63 سنة) “بدأت أدخن القدو منذ كان عمري خمس عشرة سنة، فهو عادة اجتماعية بين النساء لا تتعلق بعمر أو بفئة اجتماعية أو بدرجة ثقافية. ورغم أن البعض من النساء تخليّن عنه لمضاره، ما زالت أخريات يتعلقن به ويتعاطينه بشكل يومي، بل لا يمكنهن الاستغناء عنه منذ ساعات الصباح الأولى حتى سهرة آخر الليل”.

ويحافظ القدو على انتشاره بين كبار السن الذين يرى بعضهم أنهم يقبلون عليه بسبب وجود الماء فيه ما يضمن وصول الدخان باردا، على العكس من السجائر، كما يعمل الماء على تصفية الدخان من بعض النيكوتين. وتضيف أم صالح “ليست المسنات وحدهن اللاتي يفترشن الأرض لشرب القدو، بل تشاركهن الفتيات اللاتي لم يتجاوزن سن المراهقة، حيث يجدن في شربه متعة أثناء تبادلهن الأحاديث حتى أن البعض منهن لا يمكنهن تأدية أي عمل داخل المنزل إلا بوجود القدو حذوهنّ.

وعلى الرغم من ظهور أشكال جديدة للتدخين كالسجائر والشيشة، إلا أن القدو برائحة التتن الخالص يعد الخيار الأوحد بين أيدي هؤلاء النسوة اللاتي يجدن في عبور الدخان لرئتيهن طعما خاصا يصعب التخلي عنه، وخصوصا مع صعوبة تقبل المجتمع لفكرة تدخين النسوة للسجائر والشيشة.

جمرات لا تنطفئ

تقول أم عبدالله “يرافقني القدو منذ ما يقارب الأربعين عاما، فأنا أواظب على تدخينه طوال اليوم، وخصوصا في الفترة الصباحية دون أن أنساه بعد الظهر مع جاراتي، وعموما جمرات القدو في منزلي لا تنطفئ”. وتضيف مازحة “لا تحلو السوالف في جلساتنا إلا على نفحات التتن وهي تتغلغل في أجواء وملابس الحاضرات”.

وانتقلت ثقافة تدخين القدو إلى البحرين مع هجرة بعض الإيرانيين إلى الخليج العربي، إذ نقلوا معهم هذه الظاهرة، ويعد القدو من الأدوات التي كانت تدخن بها النسوة في البحرين قديما، ولا زالت منتشرة رغم تراجعها في المدن أمام الشيشة والسجائر التي تقبل عليها النساء والفتيات في المقاهي وخاصة المخصصة للنساء والتي انتشرت مؤخرا في المدن”.

ويختلف شكل القدو وحجمه من امرأة إلى أخرى فمنهن من تفضل القدو العادي وأخريات يفضلن القدو ذو الساق الطويلة جدا، والبعض الآخر يرغبن في أن يكون بطن القدو كبيرا بصورة مبالغ فيها، لكن كلهن يسعين إلى جلسة أنس مع سلطان التتن، وكلهن يجدن تقنيات تجهيز القدو وإشعاله.

ولا تخلو مجالس المسنات من القدو، سواء كانت مجالس حزن -فالمآتم النسائية التقليدية توفر القدو وتعتبره من أبجديات الضيافة حاله حال القهوة التي تقدم للمعزيات- أو مجالس أفراح وأعراس حيث تقوم أم العروس بتجهيز القدو وتنتظر قدوم جارتاها وأقاربها لمباركة الزواج، ومن ترغب من الضيفات في التدخين يتوفر لها ذلك كجزء مكمل من الضيافة بمناسبة الفرح.

الكثير من المسنات يعتبرن عدم تقديمه في المناسبات عيبا اجتماعيا، وتظل صاحبة هذا النوع من المناسبات مدار حديث النساء كلما التقين لأسابيع طويلة. والنساء اللاتي لا يدخن القدو يشترينه لكي يقدمنه في مثل هذه المناسبات للضيوف ومن لا تملك قدوا في بيتها يقلن عنها إما أنها من النساء “الهاي” كبيرة الشأن وإما بخيلة لا تعطيهن قدوا للتدخين.

وفي مجالسهن التي تقام في المنازل بشكل دوري تجلب أغلب نساء الحي معهن القدو ومن الممكن مشاركة القدو الواحد بين النساء لكن أغلبهن يرفضن تدخين قدو مستعمل بتبغ محروق، وإلا لا يحلو حديثهن عن مشاكلهن أو أفراحهن، وتبادل أخبار الجارات والتراشق بقصص نساء الأحياء الأخريات بكل حرية مع عبق التتن.

ولا يستعمل القدو للتسلية والسهر فحسب، بل كانت الأمهات في الماضي يستعملن ماء لتسكين الألم لدى أطفالهن سواء داخل البطن أو الجلد، أو آلام الأذن لتسكين ألم لسعات الحشرات، أو لإسكاتهم عن البكاء لتحلو لهن جلستهن، فتسقي المرأة طفلها شيئا من ماء القدو، ليغط في النوم لساعاتٍ طويلة، ذلك لأن ماء القدو يحتفظ بكميات كبيرة من مادة “النيكوتين” المخدرة، حسب ما يؤكده خبراء الصحة.

تقول فاطمة البالغة من العمر ثلاثا وخمسين سنة “عندما كان يشتد بي ألم ضرسي أو أذني في سن الثالثة عشرة من عمري كانت أمي تقول لي إن تدخين القدو يخفف الأوجاع، وهكذا أدمنت تدخينه إلى اليوم”.

وعلى الرغم من أن تدخين القدو تأثر بتوصيات منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة في دول العالم حول مضار التدخين ووضع القوانين التي تهدف إلى حماية المجتمع من آثاره السلبية، فإنه لا يزال في عيون المسنات البحرينيات حبيبا وصديقا وأنيسا، رافقهن عمراً طويلاً كما رافق الأمهات والجدات، وحتى يحين اليوم الذي تدرك فيه السيدات مضاره، يبقى القدو سلطانا يؤثث جلساتهن.

20