القاهرة مشتتة بين حلول مؤقتة وأخرى طويلة المدى لتوفير "عيش" المصريين

الحكومة المصرية تستهدف إضافة نحو 1.5 مليون طن قمح جديدة للإنتاج الحالي في غضون ثلاث سنوات من خلال تجهيز مشروعات الأراضي الجاري استصلاحها.
الأربعاء 2022/03/30
كميات لا تكفي الجميع

القاهرة - دفعت الأزمة العالمية في الغذاء والإشكاليات المتعلقة بسلاسل توريد القمح الحكومة المصرية، إلى البحث عن خطط بديلة وعملية تعزز من الاعتماد على نفسها دون الارتكان إلى الخارج من أجل توفير رغيف الخبز.

وقررت السلطات تجهيز مشروعات الأراضي الجاري استصلاحها في الدلتا الجديدة (شمال القاهرة) وشمال سيناء (شرق القاهرة) وتوشكى (جنوب) وغرب العوينات وغرب المنيا والضبعة الجديدة، وكلها في مناطق متفرقة بالصحراء الغربية، لتكون جاهزة لزراعة القمح خلال الفترة المقبلة.

وتستهدف من وراء ذلك إضافة نحو 1.5 مليون طن قمح جديدة للإنتاج الحالي في غضون ثلاث سنوات، بمعدل نصف مليون فدان سنويا.

وتنتج البلاد 8 ملايين طن من القمح عبر زراعة 3 ملايين فدان (الفدان 4200 متر مربع)، كما تستورد مصر 13 مليون طن من القمح سنويا وفقا لبيانات بورصة شيكاغو للحبوب، ويوجد عجز كبير في احتياجات القمح يصل إلى نحو 70 في المئة.

نادر نورالدين: يجب زراعة القمح كمحصول ثان في مناطق الاستصلاح

وتعاني مصر من ارتفاع الأسعار نتيجة للتقلبات التي تشهدها أسعار الحبوب في أسعار السلع، فضلا عن التغيرات في أسعار النفط، ومع الارتباط الكبير بين أسعار النفط والغذاء، إذ يمثل الوقود والطاقة نحو 30 في المئة من إنتاج الغذاء، في الشحن البري أو البحري أو الحرث والحصاد والري.

وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير خلال زيارة رسمية للقاهرة الاثنين، إن باريس ستضمن حصول القاهرة على احتياجاتها من القمح في الأشهر المقبلة.

ولدى المصريين صورة سلبية عن القمح الفرنسي بسبب فطر “الإرجوت”، حيث رفضت مصر منذ نحو خمس سنوات شحنة قمح لاحتوائها على مستويات مرتفعة من فطر الإرجوت لنسبته العالية التي تبلغ نحو 0.1 في المئة، فيما تبلغ النسبة المسموح بها من قبل السلطات المصرية 0.05 في المئة.

وأكد شريف فياض أستاذ الزراعة بمعهد بحوث الصحراء أن ميزة استيراد القمح من فرنسا تتمثل في أن المسافة قريبة مقارنة بدول أخرى مصدرة للقمح مثل الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وأستراليا.

وأوضح لـ”العرب” أن القمح الفرنسي يعد من القموح العالمية المطابقة للمواصفات، ونسبة الإرجوت فيه غير مضرة، كما تصدره لدول عدة في العالم.

وتلقت مصر ضربتين موجعتين في آن واحد أخيرا أثرتا على أسعار القمح الذي تستورده البلاد، الأولى ارتفاع أسعار النفط ثم صعود أسعار الغذاء في البورصات العالمية نتيجة خروج روسيا وأوكرانيا من سوق الحبوب.

ويسهم البلدان في نحو 30 في المئة من تجارة الغذاء عالميا لاسيما القمح، كما يستحوذان على 34 في المئة من صادرات القمح في العالم.

وحسب بيانات وزارة الزراعة الأميركية فإنه خلال الفترة من يوليو 2020 إلى يونيو 2021 بلغت واردات القمح الروسي إلى مصر 8.96 مليون طن من إجمالي 13.3 مليون استوردتها مصر خلال هذه الفترة.

وتشير توقعات الوزارة إلى ارتفاع واردات مصر من القمح إلى 13.6 مليون طن موسم 2021- 2022 مقارنة بـ13.3 مليون طن الموسم السابق.

ومن شأن تلك الخطة خفض حجم الاستيراد، وحال نجاح مصر فيها سوف تتجنب تقلبات البورصات العالمية وكذلك أسعار النفط التي تؤثر بشدة على أسعار الغذاء.

Thumbnail

وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن ضرورة الإقلاع عن زراعات الكنتالوب والخيار والفراولة وتصبح الأولوية للمحاصيل الاستراتيجية التي تستوردها البلاد مثل القمح والذرة الصفراء ومحاصيل الزيوت مثل دوار الشمس وفول الصويا، وبنجر السكر والفول والعدس وغيرها.

وقال نادر نورالدين أستاذ الأراضي بجامعة القاهرة إن القمح من المحاصيل التي تحتاج إلى الأراضي الخصبة ويمكن زراعته في الأراضي المستصلحة، وبعض المزارعين يقومون بذلك في مناطق النوبارية وشرق العوينات.

وأضاف لـ”العرب” أنه يجب على الحكومة المصرية عدم زراعة القمح كأول محصول في الأراضي التي تستصلح حاليا، بل يجب أن يسبقه محصول كزراعة تمهيدية ثم تتم زراعته كمرحلة ثانية حتى تكون الأرض تلقت الأسمدة العضوية والغسل من الأملاح، لأن القمح لا يتحمل ملوحة عالية.

ولذلك فإن قرار السلطات باستهداف زيادة مساحات القمح خلال ثلاث سنوات، سليم، كي تتكمن من تهيئة البنية التحتية الزراعية، كما أن القمح من محاصيل المناطق الباردة يفضل زراعته بشمال سيناء والدلتا الجديدة والذي يبدأ من غرب الإسكندرية وحتى مرسى مطروح.

وتواجه مصر عائقا في زراعة القمح بالأراضي الجديدة، إذ أن إنتاجيته منخفضة، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 14 إردبا (الأردب: أربعة وعشرون صاعا) للفدان مقارنة مع 24 إردبا في الأراضي القديمة، لكنها خطوة إيجابية من الدولة كعامل تحوط.

شريف فياض: لا توجد مخاوف من الاعتماد على القمح الفرنسي

ويعد الحافز الأكبر الذي تقدمه الحكومة للفلاحين هو زيادة أسعار توريد القمح، لأن المزارعين يبحثون عن الأرباح، وهروبهم من زراعته سابقا لأنه لا يحقق ربحا.

وأعلن وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري السيد القصير أن الحكومة اتخذت قرارا جريئا بإعلان سعر توريد القمح قبل زراعته مقابل 810 جنيهات للأردب (نحو 450 دولارا).

وحال نجاح مصر في خطتها سوف يكون من شأن ذلك توفير سيولة نقدية كبيرة وانخفاض في الطلب على الدولار وتوجيه الفائض إلى إنتاج رغيف الخبز.

ولا تواجه البلاد أزمة في القمح حاليا، إذ أعلن المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء نادر سعد أن مخزون القمح متوفر، بالإضافة إلى المحصول الذي سيتم توريده للموسم الذي يبدأ في الخامس عشر من أبريل، ما يكفي الدولة حتى نهاية العام الجاري.

ولا توجد مشكلات في التوسع بالأراضي المخصصة لزراعة القمح لأن القطاع الخاص سيتولى المشاركة في تنفيذ تلك الخطة، ويمكن أن توجه السلطات دعما للمزارعين عبر خفض أسعار الأراضي وتحمل نسبة من تكاليف الأسمدة.

ولفت شريف فياض إلى أن حل أزمة القمح لا يقتصر فقط على توسع المساحة المزروعة، بل ضرورة استخدام المزارعين للتقاوي المُحسنة التي تنتجها وزارة الزراعة من دون الاعتماد على التقاوي التي تُخزن بعد جني المحصول.

وعلى السلطات أن تتغلب على التعارض الحاصل بين زراعة القمح والبرسيم، إذ يفضل صغار المزارعين، وهم الفئة التي تراهن عليهم الحكومة لزيادة إنتاج القمح، زراعة البرسيم باعتباره غذاء رئيسيا للحيوانات (محصول علف) التي يتكسبون منها.

ولتشجيعهم على زراعة القمح يجب أن توفر لهم السلطات المصرية الأعلاف المركزة للحيوانات التي يمكن إنتاجها محليا من التبن والذرة الشامية والرفيعة.

وهذا يفتح الباب لتغيير السياسات وتحويل زراعات الخضر والفاكهة إلى الأراضي الجديدة المستصلحة، ما يوفر نحو 1.8 مليون فدان يمكن زراعتها بمحصول القمح.

7