القاهرة تُحّمل رجال الأعمال إخفاق مبادرة الصادرات

تدارك العثرة وتحقيق الهدف يتطلبان توفير بيئة استثمارية أكثر تحفيزا للشركات.
الثلاثاء 2024/01/30
الأجواء تبدو مواتية للإبحار

تسعى مصر إلى تخفيف الضغوط الواقعة عليها بعد تعثرها في حل أزمة الدولار التي تسببت في مشكلات اقتصادية بتحميل المستثمرين المحليين مسؤولية الفشل في زيادة الصادرات الفترة الماضية، والتي كانت كفيلة بالقضاء على معضلة العملة الصعبة.

القاهرة - حمّلت السلطات المصرية رجال الأعمال في البلاد مسؤولية إخفاق مبادرة الصادرات التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2020 لتحقيق 100 مليار دولار في غضون أربعة أعوام.

وعزا السيسي مؤخرا عدم بلوغ المستهدف إلى “استسهال” المستثمرين استيراد الخامات في الوقت الذي كان يتوافر فيه الدولار، قائلا إن “هذا ما حدث الفترة الماضية”، في إشارة إلى تفسير عدم زيادة الإنتاج المحلي.

وأكد أن المطلوب في فترة زمنية قصيرة لحل أزمة الدولار الوصول بمعدلات التصدير والتصنيع إلى معدل يوفر الدولار بشكل طبيعي، ويكفي الإنفاق على الاستيراد.

وأثارت تصريحات السيسي جدلا واسعا داخل مجتمع رجال الأعمال الذين يرون أن زيادة الصادرات تقع على عاتق الحكومة والجهات المسؤولة عن إدارة الاستثمار.

مجدالدين المنزلاوي: غياب الاستثمارات الجديدة سبب تراجع الصادرات
مجدالدين المنزلاوي: غياب الاستثمارات الجديدة سبب تراجع الصادرات

وتستورد مصر معظم احتياجاتها الأساسية وهو السبب الرئيسي في أزمة شح العملة، كما أن البلاد لم توازن في المشاريع القومية التي تدشنها بين الصناعة والعقار والبنية التحتية، فلم تنل الصناعة قسطا وفيرا من الدعم مثل الأنشطة الأخرى.

وحسب تصريحات رسمية، سعت الحكومة إلى تقييد الاستيراد، ومنحت فرصة أكبر لشراء السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج بالمصانع على حساب السلع الترفيهية.

ووفق بيانات صادرة عن جهاز الإحصاء، سجلت قيمة واردات مصر بين يناير وسبتمبر الماضيين، نحو 55.6 مليار دولار، ولم تتقلص الواردات بنفس المعدل خلال السنوات السابقة.

وبلغت واردات البلاد نحو 96 مليار دولار عام 2022 شاملة الواردات النفطية وتبلغ 14 مليار دولار.

وبمقارنة الصادرات المصرية مع وارداتها يلاحظ أن ثمة فجوة كبيرة اتسعت العام الماضي، وكشفت تقارير صحفية أن صادرات القاهرة غير النفطية سجلت نحو 38 مليار دولار، مقارنة بنحو 35.5 مليار دولار في 2022.

ويمكن استنباط أنه ينبغي على القاهرة زيادة صادراتها ثلاثة أضعاف على الأقل لتلبية حاجة السوق المحلية وتحقيق هدف مبادرة السيسي.

وأرجع رئيس لجنة الصناعة بجمعية رجال الأعمال المصريين مجدالدين المنزلاوي إخفاق مبادرة الصادرات خلال السنوات الماضية إلى عدم وجود فائض للتصدير، وهو ناشئ عن عدم وجود استثمارات صناعية جديدة.

38

مليار دولار حجم الصادرات غير النفطية في 2023 مقارنة مع 35.5 مليار دولار قبل عام

وقال لـ”العرب” إن “الاستثمارات الجديدة هي الرهان لتحقيق هدف الصادرات لأنها ترفع الإنتاج، ويوجد توجه لزيادة التصدير”.

وأضاف “كما أن الاستثمارات ينبغي ضخها في مدخلات الإنتاج وبالتالي زيادة القيمة المضافة، وخفض الاستيراد في مكونات الإنتاج لدى المصانع، وبالتبعية تخفيف الضغط على الدولار”.

وأيد المنزلاوي استيراد الخامات الرئيسية، عكس استيراد مدخلات الإنتاج، فالمشكلة في عدم تحقيق تعميق التصنيع المحلي، لأن المنتج المصنوع محليا يسهل تصديره، ومع أزمة الدولار لن تحدث معضلة في الصناعة لوفرة المنتج المحلي، لكن هذا غير متاح.

ويرى خبراء أن الصناعة المصرية في حاجة ماسة إلى التطوير والتحديث، إذ لم تشهد تطويرا كافيا في السنوات الماضية مع نقص الاستثمارات الجديدة أيضا، إذ ينبغي على المصانع مواكبة الثورة الصناعية الرابعة لزيادة الإنتاجية.

ومن المتوقع أن يستغرق التطوير أو تأهيل الصناعة أكثر من عام، ومعه زيادة الاستثمارات، عبر تأسيس خطوط إنتاج وتحديث الآلات، حتى يتضاعف الإنتاج، فضلا عن ضرورة تدريب العمالة.

وأشار المنزلاوي إلى أن رجال الأعمال، خاصة أصحاب المصانع الكبرى، مضطرون إلى الاستسهال باستيراد مدخلات الإنتاج، فالمصانع تريد أن تُنهي عمليات الإنتاج، ولا بديل أمامها سوى الأسواق الخارجية.

فجوة كبيرة

ولا تكمن المشكلة في الصناعة بشكل عام في الاستيراد المطلق، فاليابان لا تمتلك الخامات وتستوردها، لكنها تولّد قيمة مضافة عالية بالمنتجات، إذ تقوم بالتصنيع وتنتج منتجات سعرها ضعف الخامات المستوردة لأنها تستخدم التكنولوجيا الحديثة.

وتشير الحالة المصرية إلى أهمية تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن ليست وحدها، فالنهوض بالصناعة يتم عبر الكيانات الكبرى، وبدورها يمكن أن تحتضن الصناعات الصغيرة لإنتاج المكونات لها، وهذا شأن بلدان كثيرة مثل صناعة السيارات في المغرب.

وقال عضو جمعية مستثمري الألف مصنع هشام كمال لـ”العرب”، إن “إلقاء اللوم على رجال الأعمال في هذه الحالة الراهنة لا يجوز على الإطلاق”.

وأوضح أن السلطات تطالب المستثمر بزيادة الإنتاج المحلي والتصدير ولا توفر له البيئة التشريعية الملائمة أو العملة التي يرغب في شراء المستلزمات بها، في وقت تسمح فيه بتوفير الدولار لدخول السيارات الفارهة من الخارج على حساب الصناعة.

وذكر كمال أن بلوغ المستهدف يتطلب مضاعفة عدد المصانع في البلاد وهي خطة يجب وضعها من قبل الحكومة، كما أن خطة تقييد الاستيراد والتصدير مسؤولية السلطات بالتعاون مع البنك المركزي المصري.

هشام كمال: مسألة زيادة الصادرات تقع على عاتق الحكومة أولا
هشام كمال: مسألة زيادة الصادرات تقع على عاتق الحكومة أولا

ولا تزال السلع الترفيهية والاستفزازية يتم استيرادها من الخارج، مثل فوانيس رمضان وأطعمة الحيوانات التي لها بديل محلي.

وتكمن المشكلة الأكبر حاليا لمضاعفة الصادرات المصرية في أزمة سعر العملة محليا وارتفاع سعر الشحن عالميا، ومن ثمة لن تكون هناك خطوة ناجزة إلا بتوفير الدولار وتحفيز الصناعة للقدرة على منافسة المنتجات عالميًا.

وأثبت الوضع الراهن أن الصادرات هي الحلقة الأهم في جلب العملة الأجنبية وتتعدى أهميتها السياحة وقناة السويس، إذ انخفضت إيرادات الأخيرة بنحو 40 في المئة على أساس سنوي في النصف الأول من يناير الجاري بسبب توترات البحر الأحمر.

كما أدى انتعاش السوق السوداء للعملة في البلاد إلى نزوح الدولار الوارد من المغتربين وعدم دخوله في القنوات الرسمية للعملة، ألا وهي البنوك.

وأوضح عضو جمعية مستثمري العاشر من رمضان مجدي شرارة أن إخفاق مبادرة الصادرات مسؤولية السلطات المصرية، متسائلا “أين كانت الدولة طيلة الأعوام الماضية، ولِم لَم تتابع أرقام الصادرات؟”.

وقال لـ”العرب” إن “المستثمر لن يرفض حوافز أو توفير الحكومة لعوامل تشجعه على الاستثمار، لكن بالتأكيد لم توفر السلطات البيئة المواتية التي تشجع على مضاعفة التصدير والإنتاج”.

وشدد على أنه يمكن إحياء المبادرة لكن بشرط إتاحة البيئة الملائمة التي تنتج عنها زيادة الصادرات، ومنها حوافز استثمارية وزيادة الإنتاج والتغلب على الروتين والبيروقراطية التي أصابت المستثمرين بالإحباط، خاصة في أجهزة المدن الصناعية.

11