القاهرة تغامر بزيادة الضرائب على الاستثمارات الأجنبية

مليار دولار عوائد سنوية متوقعة من نظام السعر المحايد، ومخاوف من موجة هروب جماعية لرؤوس الأموال الخارجية.
السبت 2019/02/09
زيادة الإيرادات بأي ثمن

دخلت القاهرة في مغامرة غير محسوبة العواقب لمطاردة مستحقات ضريبية من فروع شركات أجنبية كبرى عابرة للحدود. ويقول محللون إن الخطوة قد تؤدي إلى نزوح الكثير من الشركات، التي كانت ترى في مصر ملاذا ضريبيا لتنفيذ أعمال عالمية.

القاهرة - شرعت السلطات المصرية في تطبيق منظومة ضريبية جديدة على الشركات الأجنبية عابرة الحدود العاملة بها تحت مسمّى “السعر المحايد”.

وقدّرت مصادر رسمية لـ”العرب” حجم العوائد الضريبية المتوقعة لمصر من تطبيق النظام الجديد بنحو مليار دولار سنويا.

وبموجب المنظومة الجديدة تشترط مصلحة الضرائب على تلك الشركات تقديم دراسات مفصّلة عن أنشطتها لمعرفة التكاليف الحقيقية لمنتجاتها، وصولا إلى حجم أرباحها الفعلية.

ومن خلال المنظومة تقوم لجنة متخصصة بمصلحة الضرائب بمراجعة دراسات الشركات، ومقارنها مع الدراسات التي أعدتها المصلحة في مصر عن تكاليف الإنتاج في الأسواق التي تستورد الشركات الأجنبية منها مستلزمات إنتاجها.

وفي حالة وجود خلافات في وجهات النظر تقوم المصلحة بفرض ضريبة على الشركات، وفق جداول تم إعدادها مسبقا بأسعار الضريبة، لذلك تم إطلاق نظام السعر المحايد على هذه الضريبة، لأنها معاملة مختلفة عن المعمول به حاليا.

سمير عارف: الملاذات الضريبية عامل لجذب الاستثمار ويجب دراسة فوائد النظام الجديد
سمير عارف: الملاذات الضريبية عامل لجذب الاستثمار ويجب دراسة فوائد النظام الجديد

وتحكم هذا الإجراء قواعد أعدّتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حتى لا يحدث غبن كبير على طرفي النزاع.

وقال حسام نصر الشريك بمكتب أرنست آند ينغ بالقاهرة لـ”العرب”، إن “مصر أول دولة تصدر هذا الدليل بالغة العربية، ومتوقّع أن تصدر دول خليجية نسخا أخرى بنفس اللغة، خلال النصف الأول من العام الحالي، وفقا لطبيعة الأنشطة التجارية والصناعية بها”.

وخلال السنوات الماضية، كان عدد من الشركات الأجنبية يقوم بإسناد البعض من أعمالها إلى فروعها بمصر بهدف تجنّب دفع الضرائب بنسب عالية في فروعها الخارجية والاستفادة من سعر الضريبة البالغ 22.5 بالمئة.

وأوضح عمرو المنير نائب وزير المالية للسياسات الضريبية السابق، أن الشركات الأجنبية تسعي من خلال هذه الدورة إلى تحقيق عوائد، خاصة إذا كانت فروعها بالقاهرة تحقق خسائر.

وأشار المنير لـ”العرب” إلى أن 30 بالمئة من حجم التجارة العالمية يتم من خلال الشركات المرتبطة، ومن خلال هذه التعاملات تلجأ الشركات إلى تجنّب الضرائب، الأمر الذي يعكس أهمية إصدار القاهرة لمنظومة السعر المحايد الجديدة.

ووفق منظمة التجارة العالمية، يصل حجم حركة تجارة السلع عالميا نحو 17.7 تريليون دولار، بالإضافة إلى 5.28 تريليون دولار لتجارة الخدمات.

ومنذ اتفاق القاهرة مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016 على قرض بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامجها للإصلاح الاقتصادي، عمّقت الحكومة الوعاء الضريبي بشكل كبير.

ورصدت الحكومة حصيلة ضريبية بقيمة 44 مليار دولار في موازناتها العامة الحالية تمثل نحو 78 بالمئة من إجمالي إيرادات البلاد البالغة 56 مليار دولار.

ويرى اقتصاديون أنه رغم العوائد المتوقعة من خلال منظومة السعر المحايد الجديدة، إلا أنها تقطع الطريق أمام الشركات الأجنبية عابرة الحدود لزيادة أنشطتها في السوق المصرية.

ولفت أيمن أبوهند، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة كارتل كابيتال الأميركية، إلى أن انخفاض سعر الضريبة من المحددات المهمة لجذب رؤوس الأموال الخارجية، إلا أن سياسات السعر المحايد الجديدة تشعر المستثمر، وكأن هناك نوعا من التمييز ضده.

أيمن أبوهند: المنظومة ستشعر المستثمر الأجنبي بالتمييز وعلينا سد ثغرات التهرب الضريبي
أيمن أبوهند: المنظومة ستشعر المستثمر الأجنبي بالتمييز وعلينا سد ثغرات التهرب الضريبي

وشدد في تصريح لـ”العرب” على وجوب رقابة الحكومة على حركة المعاملات حتى تضمن الدولة من خلالها الحفاظ على حقوقها واستدامة مواردها المالية، والقضاء على الثغرات التشريعية لعمليات التجنّب الضريبي أو التهرّب الضريبي.

وتتصاعد المخاوف من دخول الشركات الأجنبية في إجراءات بيروقراطية جديدة تؤدي لظهور مشكلات تؤثر على أنشطتها، حال التشكيك في الدراسات التي تقدّمها الشركات الأجنبية.

ويرى سمير عارف، نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، أن بلاده تسعى إلى مواكبة التطورات العالمية في ما يخصّ الملاذات الضريبية ومواجهة المعالجات الضريبية الخاطئة التي تتعرّض لها الشركات متعددة الجنسيات.

وقال لـ”العرب”، إن هذا الاتجاه “يحتاج لدراسة التكلفة والعائد، فالشركات الدولية تبحث عن المناطق التي تزيد من أرباحها، ونحن نبحث عن جذب استثمارات تعزز من تنشيط مفاصل الاقتصاد المصري”.

ويعني تدشين مشروعات جديدة أو التوسع في الاستثمارات الحالية زيادة في معدلات التوظيف وارتفاع في حصيلة الضرائب التي تؤديها هذه الاستثمارات، وحركة متشابكة من المعاملات تعزز من نمو الاقتصاد.

وبينما تأمل القاهرة في الحصول على عوائد ضريبية على المدى القصير من خلال المنظومة الجديدة، إلا أنها لا تضمن استدامة هذا المورد، في ظل البحث المستمر لرؤوس الأموال عن جنات ضريبية في عدد من المناطق عالميا، والتي قد تجد مناطق أخرى غير القاهرة تحقق من خلالها طموحاتها.

وتقف اتفاقيات منع الازدواج الضريبي بين مصر وعدد من دول العالم حائلا دون تحقيق هذا الهدف، حيث تتيح تلك الاتفاقات عدم فرض ضريبة مرتين على السلعة الواحدة، وبالتالي تقلل من هوامش مصر في تحقيق حصيلة ضريبية تعزز من المساهمة في سد العجز المزمن في موازنتها العامة.

11