القاهرة تستعد للجمهورية الجديدة بإصلاحات سياسية لا تخلو من المحاذير

أشاع إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن إطلاق حوار سياسي شامل دون الخوض في تفاصيله وحيثياته ارتياحا مشوبا بالحذر لدى المعارضة المصرية التي باركت مثل هذه الخطوة إلا أنها متوجسة من مآلاتها وما إذا كان الحوار المنتظر يعكس رغبة حقيقية لدى النظام المصري للإصلاح السياسي أم أنه يهدف فقط إلى امتصاص الاحتقان السياسي والمجتمعي لا أكثر؟
القاهرة - عكس إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن حزمة من الإصلاحات سياسية رغبته في إعادة ترتيب المشهد في بلاده لتكريس مصداقية الجمهورية الجديدة أمام الداخل والخارج، وأن الدولة عندما استقرت أمنيا وتخلصت من خطر الإرهاب اتجهت من تلقاء نفسها نحو تحسين الأوضاع السياسية.
وأعلن السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية الثلاثاء بحضور ممثلين عن شرائح سياسية ومجتمعية مختلفة عن تكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب التي تتبع ضمنيا إلى جهاز المخابرات العامة لإدارة حوار مع القوى السياسية والحزبية “من دون استثناء أو تمييز”، ورفع مخرجات هذا الحوار لرئيس الجمهورية شخصيا.
وتعهد خلال لقاء حضره ممثلون لقوى مدنية معارضة أن يحضر بنفسه الجلسات الختامية للحوار، وسيتابع مناقشاته للوصول إلى نقاط اتفاق مع مختلف القوى حول آليات البدء في مسار الإصلاح السياسي.

مدحت الزاهد: المهم أن يكون الحوار مفتوحا وشاملا لا نخبويا
وهذه أول مرة، منذ وصول السيسي إلى الحكم، يتحدث فيها عن ضرورة إجراء حوار مع القوى والتيارات المختلفة، حيث كان يرفض التطرق إلى هذا الملف لتركيزه على الإصلاحيات الاقتصادية والمواجهات الأمنية مع الإرهابيين.
وبدا الرئيس المصري واقعيا عندما استخدم مصطلح “الإصلاح السياسي”، ما عكس اقتناعه الشخصي بأن البلاد تعاني من أزمة المطلوب تصويب مسارها، وبرر التأخر في فتح الملف بأن الحكومة كانت ترغب في تكريس الأمن والاستقرار.
وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي لـ”العرب” إن مطالب الأحزاب والقوى المدنية لا تتغير، فليست هناك شروط تعجيزية للحوار مع النظام، لكن الأهم أن يكون مفتوحا وشاملا لا نخبويا، ويتحدد جدول أعماله بشكل جماعي.
وأضاف أن الحوار السياسي لا يجب أن يكون قاصرا على فئات بعينها، بل يضم كل التيارات والقوى، والاستثناء الوحيد لمن ارتكبوا جرائم، كالإخوان المسلمين، وكان يفترض على صانع القرار أن يوسع إجراءات حسن النوايا لتهيئة المناخ للتفاهمات السياسية.
وعلمت “العرب” أن الحوار السياسي سيضم قوى المجتمع المدني وممثلين عن الأحزاب السياسية المختلفة وتيارات وشخصيات شبابية كانت ضمن قرارات العفو الرئاسي، ونقابات مهنية وعمالية، مثل الصحافيين والإعلاميين، ومثقفين ومفكرين وكتّابا ومبدعين وشخصيات اقتصادية واجتماعية وممثلين عن المنظمات الحقوقية.
وتقرر إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب عام 2016، حيث يظل ملف المسجونين من شباب الأحزاب والقوى المدنية أحد أبرز الملفات التي أثرت سلبا على علاقة النظام بالتيارات السياسية.
وأثار عدم تطرق السيسي إلى ملف الحريات الإعلامية جدلا بين قوى مدنية وأصوات حزبية مناوئة، باعتبار أن فتح المناخ العام وإتاحة التعددية يفترض أن ينطلق من أرضية خصبة تتوافر فيها أجواء تسمح لوسائل الإعلام بممارسة دورها بلا قيود.
وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أن الحريات الإعلامية ستكون جزءا من الحوار السياسي الشامل، لكنها خطوة مؤجلة ترغب الحكومة في تنفيذها استجابة لطلب القوى المدنية والحزبية وتُظهر حُسن نواياها، ففتح المجال العام أمام وسائل الإعلام ورفع سقف الحريات لن يشكل معضلة ويجلب مكاسب للحكومة عندما تستجيب له.
وتسببت تصرفات سلبية من بعض الأجهزة الحكومية في تصدير صورة مسيئة عن النظام المصري، وتقديمه للرأي العام على أنه يمتعض من مطالبات الإصلاح السياسي ولا يكف عن مطاردة أصحاب الصوت المختلف ولا يتحمل وجود معارضة قوية.
ويصعب فصل التوقيت الذي اختاره الرئيس المصري لإطلاق حوار سياسي شامل عن تنامي الشعور لدى دوائر حكومية بأن ممارسة السياسة لم تعد ضمن أولويات المصريين بقدر تركيزهم على مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، ووجود معارضة من عدمه لن يشكل أزمة للسلطة فهذه القوى لن تستطيع تشكيل قواعد لها بسهولة.
ولم تعد الكثير من القوى المدنية والحزبية تملك أنيابا سياسية، كما عُرف عنها وقت أنظمة سابقة، فإذا كانت تعوّل على استقطاب محدودي الدخل فهؤلاء جذبتهم الحكومة إليها عبر مظلات الحماية الاجتماعية، وتم نزع ورقة مهمة استثمرتها تيارات معارضة اعتادت جذب البسطاء للضغط على صانع القرار لتقديم تنازلات.
وتطرق الرئيس المصري مجددا إلى الخراب الذي حل بدول عربية مجاورة جراء الانفلات السياسي والأمني، وهي رسالة بأن الحكومة لن تسمح بتكرار ذلك مهما كان هناك انفتاح، والأهم أن هذه الإشارة تحمل تشويها لصورة المعارضة التي كان بعضها سببا في انهيار دول، كأن السيسي أراد رسم خطر أحمر لما هو قادم من حريات.
الحوار السياسي سيضم قوى المجتمع المدني وممثلين عن الأحزاب السياسية المختلفة وتيارات وشخصيات شبابية كانت ضمن قرارات العفو الرئاسي
وتضمن حديث السيسي إدخال مجلسي النواب والشيوخ ضمن المؤسسات المعنية بتثبيت الحوار السياسي، ما يعني وجود نية لأن تكون هناك مظلة تشريعية أو بوصلة للتوافق بين النظام والقوى المدنية والسياسية ووضع ضوابط يلتزم بها الطرفان، وذلك لتكريس مصداقية النظام وكي لا تكون الأجواء مفتوحة على مصراعيها لأي تخريب.
ويتطلب تثبيت الحوار تعديل بعض مواد الدستور، فهناك نصوص تناقض فكرة الانفتاح بين النظام والتيارات المدنية، وأخرى تحرم الأحزاب من الوصول إلى البرلمان، ومواد تحجم استقلالية القضاء وتعرقل التنافسية في الانتخابات، وكل ذلك ستطالب القوى السياسية بتعديله لتكريس مصداقية الجمهورية الجديدة.
وأدرك النظام المصري أن أي حديث إيجابي عن الجمهورية الجديدة دون إتاحة الفرصة أمام المعارضة للقول والفعل والحركة سيكون مشكوكا في مصداقيته، طالما ظل المجتمع الدولي والحلفاء الغربيون أنفسهم يضعون مسألة الحريات في صدارة اهتماماتهم، وسوف يظل هذا الملف ورقة ضغط يتم توظيفها ضد القاهرة سياسيا.
ومن غير المتوقع، مهما كانت نوايا الحكومة المصرية حسنة في فتح المجال العام وتكريس الحريات السياسية، أن تسمح بوجود معارضة دون ضوابط، لأن السيسي نفسه يرفض الحريات المطلقة لعدم تكرار سيناريوهات مضت، انتهت بإسقاط نظامي حسني مبارك والإخوان في مصر، بالتالي ستكون هناك حدود سياسية وإشارات خضراء وحمراء أمام القوى المدنية والمنابر الإعلامية.
ويغذي هذا الشعور أن النظام المصري في موقع قوة بشكل لا يدفعه إلى تقديم تنازلات أو القبول بابتزازات، ما يشير إلى صعوبة الانفتاح على جماعة الإخوان أو إدراجها ضمن الحوار السياسي في هذه المرحلة، لعداء النظام المطلق لها والخوف من ردة فعل الشارع الرافض لها، وأكد السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، أن الإخوان لا يعملون إلا لهدم الدولة.