القاهرة ترفع رهانها على الخليج لتفادي أزمات الاقتصاد

تترجم مصر جهودها نحو إيجاد حلول مستمرة تتفادى من خلالها تكرار أزمات الاقتصاد، بتعميق التعاون مع بعض دول الخليج العربي، لجذب استثمارات سريعة تعزز وفرة الدولار في البلاد والتوسع في مشاريع تجد قبولا مشتركا من الجانبين.
القاهرة - وضعت السلطات المصرية جزءا كبيرا من رهاناتها على دعم الاقتصاد بتجديد استقطاب استثمارات من دولتي الإمارات والسعودية المرحلة المقبلة لأجل تأسيس مشروعات جديدة وضخ سيولة سخية في مفاصل الشركات الحكومية، باعتبارها أحد المحركات المهمة لتنمية الاقتصاد وتوفير العملة الأجنبية.
وتجدد التعاون مع إعلان الرياض عزمها تحويل ودائعها في البنك المركزي المصري إلى اس تثمارات، بحسب تأكيد وزير الاستثمار في المملكة خالد الفالح خلال لقائه مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الخميس.
وتسعى السعودية أيضا إلى زيادة استثمارات صندوقها السيادي في مصر والتي تبلغ حاليا 3 مليارات دولار، بحسب خالد الفالح. وتستعد الحكومة المصرية لإتمام اتفاقية حماية وتشجيع استثمارات متبادلة بين البلدين، مع إعلان رئيسها النجاح في حل 70 في المئة من مشكلات المستثمرين السعوديين.
وسجل إجمالي الودائع السعودية لدى البنك المركزي المصري نحو 10.3 مليار دولار، وبلغت الودائع قصيرة الأجل نحو 5 مليارات دولار، فيما سجلت الودائع طويلة ومتوسطة الأجل نحو 5.3 مليار دولار، بحسب تقرير الوضع الخارجي الصادر عن المصرف المركزي.
وتراهن مصر على دولة الإمارات في مواصلة دعمها لتدفق العملة الأجنبية إلى مصر عبر مشاركتها المرتقبة في برنامج الطروحات الحكومية مع انطلاقته الجديدة بعد وجود سعر صرف مرن في البلاد، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعتمد القاهرة على الإمارات بصورة أساسية لخروجها من أزمة الطاقة.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن وجود دعم وتعاون مع الجانب الإماراتي، بهدف العمل على دخول نحو 4 غيغاوات من الطاقة المتجددة على الشبكة اعتبارًا من الصيف المقبل، لتفادي أزمة انقطاع الكهرباء.
وبحثت وزارة البترول المصرية مع شركتي دراغون أويل ودانة غاز الإماراتيتين، موقف أعمالهما الحالية وسبل التعاون في زيادة الإنتاج من النفط والغاز. كما أعلنت وزارة البترول، الجمعة، عن مساع لجذب استثمارات شركة أدنوك الإماراتية كشريك لـ”بريتش بتروليوم” بمصر انعكاسا لرغبة أدنوك في تنويع محفظتها الاستثمارية بمصر.
وأكدت الحكومة المصرية في يوليو – تموز الماضي اتفاقها مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات، على وضع خطة شديدة الطموح لتنفيذها، تستهدف العمل على سرعة دخول أكبر قدر ممكن من الطاقة الجديدة والمتجددة على الشبكة المصرية، وكذلك ما يخص توطين الصناعات المرتبطة بها.
وسعت القاهرة إلى عقد تحالفات اقتصادية واستثمارية خلال الفترة الأخيرة مع دولتي السعودية والإمارات عبر عقد اتفاقيات وصفقات اقتصادية تتمحور في استثمارات صناديق الثروة السيادية بالشركات والأصول المصرية المتنوعة.
وتعتبر مصر دول الخليج ملاذا آمنا في الأزمات المختلفة وهو ما أثبته التاريخ الحديث منذ أحداث ثورة 25 يناير 2011، لكن التعاون الحالي ارتقى إلى مرتبة أعلى تحقق المصالح المشتركة للطرفين من خلال استثمارات مباشرة على أرض مصر.
وساهم نجاح مصر في اجتياز مراجعة صندوق النقد الدولي الثالثة قبل أيام بشكل كبير في انتعاش الاستثمارات الخليجية، لاسيما أن الصندوق يحفز الدول المانحة لمصر على ضخ استثمارات في شكل مشروعات جديدة أو شراكات اقتصادية بدلا من المنح والمساعدات التي تتخذ شكل ودائع لدى البنك المركزي.
ويلعب صندوق النقد بأوراق عدم استقرار سعر الصرف وشح العملة وغياب البيئة الاستثمارية الملائمة ليحذر الدول المانحة من ضخ استثمارات جديدة حتى إتمام مراجعته بنجاح وصرف التمويل المقرر.
ولم يفرض صندوق النقد على مصر الفترة الماضية بيع الأصول بقدر ما كان يطالبها بتوفير سعر صرف مرن، كي لا يجبرها على التخلص من شركاتها بسعر غير عادل، ولا يكون ثمة تناقض بشأن برنامج.
وبعد إتمام المراجعة الثالثة، طالب صندوق النقد القاهرة ببذل مجهود أكبر لتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة ومشاركة القطاع الخاص بشكل أكبر، ويشمل هذا تسريع برنامج الطروحات الحكومية.
وتشهد الفترة الحالية تعاونا لافتا بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي (السيادي) وبين صندوق مصر السيادي بشأن الاستثمارات الجديدة، كما تم فتح المجال بشأن الطروحات الحكومية، وإعلان مجلس الأعمال المصري – السعودي أنه بالفعل لديه استثمارات مطروحة وقيد الإعداد لها حاليًا.
وتعزز تلك الخطوة من دعم خطط القاهرة الرامية إلى عدم تكرار أزمة شح العملة الأجنبية، والتي لم تجد مخرجا منها إلا بدعم صفقة رأس الحكمة التي أبرمتها مع دولة الإمارات في فبراير الماضي، إذ تُعد أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر ولولاها لما استطاعت الأخيرة مواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادي والقضاء على السوق السوداء للعملة التي كبدت الاقتصاد خسائر عديدة.
وقال خبير الاستثمار المصري سعيد يونس إن دول الخليج هي المنقذ دائما للاقتصاد المصري، خاصة دولة الإمارات التي أنقذت مصر من براثن أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد خلال العام الماضي وحتى أوائل العام الجاري.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الدعم الخليجي هو مساعدة حقيقية عبر ضخ استثمارات وليس منحا يتم استردادها بعد سداد فوائد في مراحل لاحقة، مشيدًا بهذا الدور من جانب الأشقاء على مواصلة الدعم الحكومي.
ويتوقع محللون أن تجدد تصريحات وزير الاستثمار السعودي بشأن ودائع بلاده في مصر والحديث حول صفقة رأس جميلة القريبة من شرم الشيخ على البحر الأحمر، لكن حجم استثماراتها سيكون أقل من صفقة رأس الحكمة، إلا أن الاستثمارات السعودية سوف تشهد زخما جديدا في مصر.
وتتم استثمارات المملكة في مصر عبر الشركة السعودية – المصرية للاستثمار المؤسسة في العام 2022 بين الصندوقين السياديين للاستثمار في مجالات البنية التحتية، والتطوير العقاري، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، والصناعات الغذائية، والزراعية داخل مصر.
وتلعب اتفاقية تشجيع الاستثمار الثنائية بين مصر والسعودية والمتوقع التوصل إلى صيغة نهائية بشأنها قبل نهاية شهر أغسطس الجاري دورا حاسما في تعزيز استثمارات المملكة في البلاد، وسيشهد الأسبوع الجاري تشكيل فريق عمل مشترك يستكمل مفاوضاته الأسبوع الجاري.
ويرى أستاذ إدارة الأعمال المصري مجدي شرارة أن يكون للدعم الخليجي أثر إيجابي على معدل الديون الخارجية عند تحويل الودائع السعودية إلى استثمارات مباشرة.
وأوضح لـ”العرب” أن الجزء المهم في الدعم الخليجي يكمن أيضًا في الدور الكبير لدولة الإمارات التي تساعد القاهرة عبر استثمارات مشتركة في قطاع النفط والغاز، وحال توصل القاهرة إلى حل تلك المعضلة تكون أنهت بالفعل أزمة الطاقة وهو دور يُحسب للحكومة بتعاونها مع الشركات الإماراتية في هذا الشأن.
وأشار إلى أن مصر ستواصل تطبيقها لبرنامج الإصلاح الاقتصادي مع تحركها في التعاون مع الخليج، والمتمثل في رفع الدعم عن المحروقات وبيع أصول الدولة، ولا يوجد تعارض بين الاتجاهين، فهدفهما الخروج من الأزمة الاقتصادية وعدم تكرارها.