القاهرة تتوجس من الخريجين الجدد في كليات الطب

تكليف الأطباء طبقا لاحتياجات سوق العمل وليس إلزاميا بموجب التخرج.
الثلاثاء 2024/08/13
ضرورة التدريب المكثف

يخلف الغش في امتحانات الثانوية العامة سلسلة من التداعيات السلبية خاصة في مجال الطب بجميع اختصاصاته، الطب البشري والصيدلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعي والتمريض، إذ انعكس ذلك على كفاءة الخريجين الجدد وما سيجرّه ذلك على صحة الناس ما دفع الحكومة إلى التدقيق في اختيار الخريجين العاملين في وزارة الصحة.

القاهرة - تصاعد الجدل حول خريجي كليات الطب في مصر ومستوياتهم عقب الإعلان عن نتيجة الثانوية العامة (البكالوريا) مؤخرا، والتي شهدت تزايداً في معدلات الغش مع انتشار لجان خاصة لبعض الفئات الاجتماعية، وترتب على ذلك التحاق عدد كبير من الطلاب بكليات الطب دون أن يعبر ذلك عن تفوق علمي، خاصة أن الحكومة المصرية زادت الاستثمار في التعليم الجامعي خلال السنوات الماضية.

وفرضت الحكومة مع بدء العام الدراسي الجديد نظاما لتكليف خريجي الكليات الطبية (الطب البشري والصيدلة وطب الأسنان والعلاج الطبيعي والتمريض) يقضي بتعيين خريجي هذه الكليات والمعاهد في المستشفيات الحكومية، بعد أن قررت سابقا أن يكون “تكليف الأطقم الطبية وفقًا للاحتياج الفعلي للمنظومة الصحية”، ما يشير إلى أنها ستقوم بفرز الأعداد التي سوف تقبلها للعمل في الهيئات والمستشفيات الحكومية، بعد مخاوف من تراجع مستوى خريجي الطب مع زيادة عدد الطلاب وضعفهم علميا.

تكليف حسب الاحتياجات

خالد سمير: الاتجاه نحو فتح كليات جديدة دون أن يخضع ذلك لمناقشة عميقة ترك آثارا سلبية على مستقبل خريجي الطب
خالد سمير: الاتجاه نحو فتح كليات جديدة دون أن يخضع ذلك لمناقشة عميقة ترك آثارا سلبية على مستقبل خريجي الطب

قالت النقابة العامة للعلاج الطبيعي في بيان لها قبل أيام إن وزارة الصحة والسكان، قررت أن يصبح تكليف خريجي الكليات الطبية حسب احتياجات سوق العمل، وليس إلزامياً على الجميع، وإن المجلس الصحي المصري قرر عند الحصول على درجة بكالوريوس العلاج الطبيعي وقضاء السنة التدريبية الإلزامية إجراء امتحان لمنح ترخيص مزاولة المهنة.

وعند اجتياز الاختبار يتم قيد الخريج بالنقابة العامة للعلاج الطبيعي كي يستطيع مزاولة المهنة، وبعد مرور خمس سنوات من التخرج والحصول على الترخيص الأول لمزاولة المهنة يتم التقييم مرة أخرى من أجل تجديد الرخصة.

وقررت إعلام أولياء الأمور والطلاب الراغبين في دخول كليات العلاج الطبيعي عبر عقد اجتماعات توعية معهم كي لا يقعوا فريسة للأكاديميات الوهمية، والتعريف بكليات العلاج الطبيعي، حيث بلغ عدد الكليات (74) كلية في مصر.

وتطبّق مصر نظام تكليف الأطباء منذ نصف قرن، وتُجرى 13 حركة تكليف كل عام، بواقع 20 ألف مكلَّف سنوياً من خريجي الكليات الطبية، وفقاً لبيانات وزارة الصحة المصرية، وشهدت السنوات الماضية إرجاء تكليف بعض الدفعات لعام أو عامين بالنسبة إلى خريجي كليات الصيدلية والعلاج الطبيعي مع وجود تخمة في أعداد المعينين بالمستشفيات الحكومية.

وجاء القلق الحكومي والنقابي في وقت تعاني فيه المستشفيات الحكومية من عجز في أعداد الأطباء وهم خريجو كليات الطب البشري، ويبلغ معدل الأطباء بمصر 8.6 طبيب لكل 10 آلاف شخص، بينما يبلغ المعدل العالمي 23 طبيبا لنفس العدد.

هناك حلقة مفقودة بين استمرار عجز الأطباء والحد من تكليفهم عقب انتهاء دراستهم الجماعية، والسبب يرجع إلى إتاحة تدشين جامعات وكليات خاصة وأهلية بأعداد كبيرة دون التيقن من مستوى الخريج مع فتح الباب أمام الوافدين الأجانب للدراسة في الكليات المصرية والسماح بتعيينهم، ما خلق حالة ارتباك تحاول الحكومة التعامل معها عبر التدقيق في اختيار الخريجين العاملين لديها.

الهجرة تنتظرهم
الهجرة تنتظرهم

ولم تواكب تأسيس الكليات تحركات مماثلة على مستوى إنشاء المستشفيات التي يمكن أن تستوعب الطلاب أثناء عملية الدراسة لقيامهم بعملية التدريب، بما يرفع من مستوى الأطباء عمليا، وخفض معدلات القبول بالكليات الطبية التي يتم وصفها بأنها “كليات قمة”، فزيادة عددها ساهم في خفض درجات القبول، وقد يصل في بعض الجامعات الخاصة إلى 70 في المئة، بينما المعدل في الكليات الحكومية يتجاوز 92 في المئة.

وقد أضر فتح المجال للاستثمار في مجال التعليم الجامعي بمهن ترتبط بالصحة، لأن الحكومة لا تُرغم أصحاب الجامعات على تأسيس مستشفيات لتدريب الطلاب، ولم تضع ضوابط لإنشاء الكليات الطبية بما يتناسب مع حاجتها للعمل، وبدت رغبتها في سد العجز الواسع في أعداد الأطباء الذين يفرون للسفر إلى الخارج لتدني رواتبهم وشكواهم المتكررة من الاعتداء عليهم تفوق المسائل المرتبطة بتنظيم عملية القبول.

وقال عضو مجلس نقابة الأطباء سابقَا خالد سمير إن تراجع مستوى خريجي الطب يثير مخاوف مجتمعية مع اتباع سياسة قائمة على استقبال أعداد كبيرة من الطلاب، في حين أن ذلك لن يقود إلى حل مشكلات العجز التي تعانيها المستشفيات الحكومية.

وتحتاج مصر سنويا إلى نحو ستة آلاف طبيب جديد، يدخلون سوق العمل، لكن المشكلة في كيفية جذبهم للبقاء في مصر وعدم الهجرة، وحل المشكلة يكمن في تحسين أوضاع الأطباء وتدقيق عمليات التكليف، ووضع اختبارات احترافية لمنح تراخيص مزاولة المهنة بما يتماشى مع المعايير الدولية.

فتح كليات جديدة

Thumbnail

أشار خالد سمير في تصريح لـ”العرب” إلى أن تراجع دور البرلمان والاتجاه نحو فتح كليات جديدة دون أن يخضع ذلك لمناقشة عميقة ترك آثارا سلبية على مستقبل خريجي الطب، وهناك قطاعات عديدة يمكن أن تدفع في العام الواحد بالجامعات الخاصة مبلغ يتراوح بين 200 و300 ألف جنيه (الدولار = 49 جنيها) كمصروفات من دون أن يحصل الطالب على قيمة تعليمية قوية، وأن تراجع قيمة الجنيه سهل الأمر، ما يتطلب تعديلاً سريعا على قوانين القبول بالكليات الطبية.

ولم يعد ممكناً البقاء على نفس خطط التكليف السابقة في المعاهد الطبية، لأن كليات الصيدلة والعلاج الطبيعي تعاني من تخمة من الأطباء، وتوجد مستشفيات حكومية قبلت صيادلة أكثر من الأعداد التي تحتاجها.

ويتخرج في كليات الصيدلية 25 ألف طالب سنويًا بينما الاحتياج الفعلي لا يتجاوز أربعة آلاف شخص، ما خلق بطالة مقنعة بالمستشفيات وفتح الباب لجرائم تزوير الأدوية.

معدل الأطباء في مصر يبلغ 8.6 طبيب لكل 10 آلاف شخص بينما يبلغ المعدل العالمي 23 طبيبا لنفس العدد

وشدد سمير على أن القرار الحكومي يستهدف تنقية الخريجين والاستفادة من الخبرات والحفاظ على الصورة الجيدة للأطباء المصريين، وعدم تكرار مشكلات التراجع عن الاستعانة بالصيادلة المصريين في بعض الدول العربية، كذلك الوضع بالنسبة إلى حملة الماجستير من الجامعات الحكومية التي أتاحت الحصول عليها إلكترونيا بلا دراسة فعلية، ما أدى إلى عدم اعتراف بعض الحكومات بتلك الشهادات، ومطالبة المصريين بشكل مستمر بمصادر تأكيد دقة الشهادات العلمية. وطالبت نقابات طبية بوقف إنشاء الكليات لمدة 10 سنوات إلى حين تقييم الكليات الحالية، والتأكد من استكمال الموارد البشرية، وعمل دراسة إحصائية لعدد المطلوبين منهم سنويا، مع مراعاة دراسة لسوق العمل، وهي دراسة غير متوفرة في وزارة التعليم العالي ولا وزارة الصحة، لعدم معرفة الأعداد الحقيقية للأطباء في الكثير من الهيئات.

 وكان عدد أطباء الأسنان في مصر، حسب أرقام نقابية، قبل العام 2007، أي منذ بدء إنشاء كليات خاصة لا يتجاوز 28 ألف طبيب، ومن 2007 حتى عام 2017 أصبحوا 64 ألف طبيب، بزيادة أكثر من الضعف خلال عشر سنوات.

ويزيد الآن عدد أطباء الأسنان المقيدين في النقابة عن 93 ألف طبيب وطبيبة، بينهم 60 ألفا يعملون في مصر، والباقي في الخارج أو أحيلوا إلى التقاعد، ووصل عدد كليات طب الأسنان إلى 60 كلية، بزيادة قدرها 40 في المئة خلال أربع سنوات.

وأكد وكيل نقابة الصيادلة الفرعية بالدقهلية (شمال القاهرة) لمعي محمود أمين أن التخمة في أعداد خريجي الكليات الطبية سببها الإفراط في تدشين الجامعات الخاصة وعدم الأخذ بنصائح النقابات التي تؤكد بشكل مستمر أن السوق يكتظ بالخريجين بمعدلات تفوق النسب العالمية بالنسبة إلى الصيادلة.

طب الأسنان

صورة لقراءة العلة
صورة لقراءة العلة

في مصر ما يقرب من 320 ألف صيدلي بينهم 300 ألف من الشباب، وهناك حاجة لتطوير المناهج الدراسية لتكون أكثر استيعابا لتخصصات الصيدلة المتطورة، ما يساهم في خلق مجالات وفرص عمل مختلفة.

وأوضح لمعي محمود أمين في تصريح لـ”العرب” أن خريجي كليات الصيدلة في مصر يحصلون على مسمى وظيفي “الصيدلي”، وهو أمر في حاجة إلى التعديل بما يتلاءم مع التطورات الدولية في ظل وجود ما يقرب من 20 تخصصا، ويمكن أن يكون هناك صيدلي للأورام والكلى والمسالك البولية والتغذية العلاجية وغيرها، بما يساعد على تخفيف الاحتقان، خاصة أن 90 في المئة ممن يدخلون كليات الصيدلة بغرض التكليف من الفتيات.

تواكب تأسيس الكليات تحركات مماثلة لإنشاء المستشفيات التي يمكن أن تستوعب الطلاب لقيامهم بعملية التدريب

وتوقع أن تصبح هناك حالة عزوف عامة عن الالتحاق بالصيدلة بعد أن تم تخصيص سنة امتياز عقب انتهاء الدراسة بلا أجر لتبلغ سنوات الدراسة في الكلية ست سنوات.

ولفت لمعي إلى أن وجود عدد كبير من كليات الصيدلة يخلق تخمة في الخريجين، ومع ذلك هناك دخلاء على المهنة، وأن بعض الخريجين هدفهم التكليف لضمان وظيفة حكومية، ومع إلغاء التكليف الإلزامي يمكن أن يتراجع عدد الملتحقين بالكلية.

وعقدت اللجنة العليا للتكليف برئاسة وزير الصحة والسكان اجتماعا في سبتمبر عام 2022 أسفر عن وضع ضوابط لتكليف جميع الفئات المخاطبة بالقانون رقم (29) لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والفئات الفنية المساعدة، طبقا للاحتياجات اعتبارا من حركة تكليف عام 2025.

16