القاهرة تتفادى تقاطع جمهور الكرة مع القمة أم مع التظاهرات المحتملة

القاهرة - أثار قرار لجنة المسابقات في رابطة الأندية المصرية المحترفة بإيقاف مباريات الدوري العام المحلي خلال فترة انعقاد مؤتمر المناخ “كوب 27″، من السادس وحتى الثامن عشر من نوفمبر، تساؤلات عديدة، حول ما إذا كان القرار يستهدف تفرغ قوات الأمن التي جرى الدفع بأعداد كبيرة منها لمنتجع شرم الشيخ الذي يستضيف المؤتمر أم أن القرار له أبعاد سياسية تتعلق بالخوف من توظيف مباريات الدوري الممتاز لتتقاطع مع دعاوى التظاهر في الحادي عشر من نوفمبر الجاري.
وتشير هذه الإجراءات لرغبة حكومية في عدم تشتيت الأجهزة الأمنية التي فرضت حالة من التأهب تزامنًا مع انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي في نفس الفترة تقريبًا.
ويؤكد قرار إيقاف الدوري أن كرة القدم تشكل هاجسًا سياسيًا وأمنيًا، وأن أحداث الشغب التي اندلعت خلال سنوات الفوضى عقب اندلاع ثورة يناير 2011 وأدت إلى مصرع ما يقرب من 95 شخصا في حادثتي استاد بورسعيد، ثم الكلية الحربية بالقاهرة، مازالت تأثيراتهما مستمرة.
وتضع الأجهزة الأمنية المصرية في حسبانها أن آخر مظاهرات اندلعت ضد السلطة الحالية كانت عقب مباراة السوبر المحلي بين الأهلي والزمالك في سبتمبر 2019.
ودعت عناصر محسوبة على تنظيم الإخوان المصنف إرهابيًا في مصر، ومجموعات معارضة على منصات التواصل الاجتماعي للتظاهر عقب مباراة كأس السوبر المحلي الأخيرة بين القطبين الكبيرين وصاحبي الشعبية الأولى في مصر (الأهلي والزمالك)، وانتشر وسم “بعد الماتش” بصورة كبيرة على موقع التغريدات “توتير” وجرى تبرير الدعوة بأنها بروفة لمظاهرات الحادي عشر من نوفمبر المحتملة.
ونشرت حسابات قريبة من التنظيم صوراً لمظاهرات قديمة، وحاولت خلق حالة تدفع المواطنين للنزول، وهو أمر تعتاد عليه في كل مرة دعت فيها الجماعة للتظاهر للتأكيد على الاستجابة لها، وهو ما فضحته وسائل إعلام مصرية.
وتأثرت الرياضة المصرية سلبًا بحضور السياسة في مدرجات كرة القدم، وتشكل مجموعات الأولتراس التي تم تصنيفها إرهابيًا أحد الهواجس لدى الأجهزة الأمنية منذ أن رفعت شعارات سياسية داخل المدرجات.
وأدت النظرة الأمنية السلبية للأحداث الرياضية لتردد الحكومة في عودة الجماهير إلى الملاعب واكتفت بحضور ستة آلاف مشجع من الفريقين بجانب احتياطات أمنية أخرى تأخذها في مباريات تخشى أن تقع خلالها أحداث شغب ويصل الأمر لنقل مباريات إلى خارج مدن بعينها ولعب مباريات ديربي الأهلي والزمالك بدون جمهور.
قال المفكر السياسي جمال أسعد إن كرة القدم تشكل أزمة أمنية أكثر من كونها سياسية، وأن استمرار الصراع والتراشق المستمر والاحتكاكات والإساءات بين إدارات أكبر ناديين في مصر (الأهلي والزمالك) ينعكس مباشرة على سلوكيات الجماهير، ما يشكل خطورة حقيقية على الأمن القومي، ويدفع لاتخاذ المزيد من التدابير الاحترازية في المباريات حينما تواكب المباريات المحلية أحداثا سياسية بعينها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تأجيل مباريات الدوري الآن أمر طبيعي وسط جملة من الفعاليات الأخرى المهمة، وليس من المعقول أمنيًا أو سياسيًا في ظل دعوات التظاهر وانعقاد قمة عالمية في مصر يحضرها عدد كبير من زعماء العالم، وبالتزامن مع أهم مهرجان سينمائي تشهده القاهرة أن تترك الأمور للصدف.
ويبرهن القرار على أن أجهزة الأمن على قناعة بوجود أزمات اقتصادية خانقة ومعاناة جماهيرية يمكن توظيفها رياضيا، وأن الوضع بوجه عام يعاني من عدم استقرار، ما يفرض التعامل بموضوعية مع الحالة الراهنة، في ظل ارتباط التظاهرات في العقل الجمعي للمصريين بثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، بمعنى إحداث فوضى، وليس مجرد التعبير عن الرأي الذي ينظمه قانون التظاهر.
وتتعامل القاهرة بحذر شديد مع الدعوة للتظاهر هذه المرة لأنها تتلاقى فيها أهداف تنظيم الإخوان الساعي لاستهداف السلطة بشكل مباشر ويوظف كافة أدواته الإعلامية والتنظيمية لإحداث حراك في الشارع يعيد الجماعة المنبوذة سياسيًا في الداخل إلى المشهد مجدداً، مع صعوبة الأوضاع الاقتصادية الراهنة ويظل تركيز الجماعة وأذرعها واضحين على الأزمات المعيشية كستار تتحرك من خلفه.
ويحظى قرار إجراء مباريات الدوري بترحيب من دوائر المعارضة في الداخل، وسط مخاوف من استغلال تنظيم الإخوان للأزمة الناجمة عن قرار تعويم الجنيه الأخيرة وانخفاض قيمته بنسبة كبيرة منذ مارس الماضي.
قرار إيقاف الدوري يؤكد أن كرة القدم تشكل هاجسًا سياسيًا وأمنيًا، وأن أحداث الشغب التي اندلعت خلال سنوات الفوضى مازالت تأثيراتهما مستمرة
ويخدم ذلك الأجهزة الأمنية التي اتخذت قرارها بقدر من الارتياح، على الرغم من أن رابطة الأندية المحترفة استهدفت انضباط جدول مباريات المسابقة المحلية التي بدأت في توقيت متأخر عن أغلب الدوريات العربية والعالمية بشهرين أو أكثر، وكان قرار تأسيسها العام الماضي مرتبطًا بهذا الهدف الذي لم تحقق في المسابقة الماضية ويبدو أنها تسير على المنوال ذاته في الموسم الحالي.
ويؤكد متابعون اتخاذ إجراءات غير معتادة قد تكون لها آثار سلبية، لأن الطرف الآخر تصل إليه رسائل بأنه نجح في إرباك الحكومة وأجهزتها، وهناك مخاوف حقيقية من الاستجابة لدعاوى التظاهر التي انطلقت من المقاول الهارب محمد علي ودعمها تنظيم الإخوان بأجنحته وتياراته، ما يجري توظيفه مستقبلاً عبر تكرار الدعاوى للمسيرات، وسيكون الوضع بحاجة إلى إجراءات تحسن من الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الداخل وقد لا يكون كافيًا مجرد تأجيل فاعلية رياضية أو استنفار أجهزة لمنعها.
وأشار أسعد إلى أن الارتباك الذي يظهر على أداء الإعلام المحلي ليس مبرراً، وكان من المفترض مواجهة دعاوى تنظيم الإخوان للتظاهر واستمرار أذرعه الإعلامية بالنفخ في الحدث ليل نهار بسياسة توعوية تحصن المواطنين بدلاً من تجاهلها ما يؤدي لارتباك المواطن العادي الذي لا يعرف الأبعاد الخفية للتظاهر في هذا التوقيت.
ومنح التحذير الذي أطلقته السفارة الأميركية بالقاهرة، الجمعة الماضي، لرعاياها من احتمال حدوث احتجاجات في مصر عقب مباراة الأهلي والزمالك، دعما لخطاب الإخوان، حيث دعت رعاياها لتوخي الحذر والابتعاد عن أماكن التظاهر المحتملة، وهو ما منح قرار تأجيل الدوري أبعادا أمنية وسياسية مضاعفة.