القاهرة تترجم رؤيتها الحقوقية بدعم القضايا الاجتماعية على حساب السياسية

الحكومة المصرية باتجاه إحداث انفراجة على المستوى السياسي، وقد ظهرت بوادرها في حديث الرئيس السيسي أخيرا عن الحاجة إلى حوار سياسي شامل.
الاثنين 2022/04/25
النظام ينفذ رؤيته حيال وضع حقوق الإنسان بعيدا عن الضغوط الخارجية

القاهرة – تصدرت القضايا الاجتماعية اهتمامات الحكومة المصرية في سعيها لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، وترجم ذلك توجهها أخيرا نحو دمج الغارمين في قائمة العفو الرئاسي المتوقع لعدد من المحبوسين وتفعيل عمل اللجنة الخاصة به قريبا.

وأكد عضو مجلس النواب المصري طارق الخولي الأحد أن الحكومة تمهد لعودة لجنة العفو الرئاسي إلى العمل وتوسيع نشاطها ليشمل “الغارمين والغارمات إلى جانب الشباب المحبوسين، تزامنًا مع الإفراج عن عدد من الشباب بعضهم محبوس على ذمة قضايا رأي لكنها لم تشمل سياسيين فاعلين تضغط منظمات حقوقية للإفراج عنهم”.

وأعلن حزب الإصلاح والتنمية -وهو كيان معارض شكلا ورئيسه محمد أنور السادات الموكل له الإشراف على الإفراج عن السياسيين- أن قرارات الإفراج تضمنت 41 شخصًا من المحبوسين على ذمة قضايا رأي وتعبير من خلفيات سياسية متنوعة.

وأوضح أن الفترة المقبلة ستشهد مراجعات قانونية وإنسانية للإفراج عن محبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم ممن تنطبق عليهم شروط العفو الشرطي أو الرئاسي.

ووجّه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام بحصر أعداد المحبوسين الفعليين من الغارمين ودراسة حالاتهم تمهيدًا للإفراج عن دفعة منهم بالتزامن مع حلول عيد الفطر، وطالب اللجنة الوطنية المختصة بمعالجة أوضاعهم بتقديم رؤية متكاملة للقضاء على ظاهرة الغُرم، ووضع قواعد وإجراءات لحوكمة التعامل مع موقف الغارمين من خلال التدخلات الاستباقية.

ثمة فجوة ظاهرة تجعل الحكومة لا تبدي اهتماماً بالترويج لاحترام الحريات والتعددية السياسية والفكرية وحق الإنسان في الكرامة والتفكير النقدي الحر

وعادة ما يكون الإفراج عن السياسيين وسجناء الرأي بمعزل عن القرارات الرئاسية الصادرة بحق إطلاق سراح الغارمين الذين تتّخذ قضيتهم منحى اجتماعيا.

ويمكن تفسير التداخل بين الجانبين بأن النظام السياسي يمضي في رؤيته الخاصة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان مبتدئا بالملفات الاجتماعية والاقتصادية التي يريد حلحلتها، وأنه مازال مقتنعا بأن الوضع العام في البلاد يحتّم أن تكون الأولوية للجانب الاجتماعي والاقتصادي وليس للقضايا السياسية التي يرى أنها يجب أن تكون في مرتبة تالية، وأن الضغوط التي تمارسها عدة أطراف دولية لن تقود إلى ثنيه عن تنفيذ رؤيته.

وعبرت الحكومة المصرية عن جوهر رؤيتها بالاتجاه نحو استبدال المناهج الدراسية التي ترسخ المفاهيم الحقوقية لدى طلاب الجامعات من خلال مادة حقوق الإنسان بمادة دراسية أخرى تعنى بالقضايا الاجتماعية وتركز على قضايا التنمية والأسرة ومواجهة الزيادات السكانية ومكافحة الفساد.

وينتظر المجلس الأعلى للجامعات المصرية، الذي يشرف على إدارة الجامعات الحكومية والخاصة، إقرار مقترح تقدم به ويشمل إضافة مقرر القضايا المجتمعية لطلاب كليات الحقوق ليكون بجانب مادة حقوق الإنسان التي تعد مادة دراسة أساسية، وإلغاء المنهج الدراسي الذي جرى إقراره في عام 2018 بضغوط من حركات استقلال الجامعات باسم مادة حقوق الإنسان واستبدالها بمقرر القضايا المجتمعية.

وتواجه خطوة الحكومة انتقادات حقوقية لأنها تأتي بعد أن أطلقت بداية العام الجاري الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتضمنت محاورها “التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان”، ما يشي بأنها تناقض نفسها وقد تكون غير جادة في إنزال بنود الاستراتيجية كاملة على الأرض.

Thumbnail

وأكد رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان أن قضايا البيئة والمناخ والمشكلات السكانية تستحوذ على اهتمامات الحكومة في الوقت الحالي، وقد يكون من المفيد تثقيف الشباب بقضايا مرتبطة بالحياة والوجود الإنساني، لكن ذلك لا يمنع أهمية تعريف الأجيال الجديدة بقيمة حقوق الإنسان والحريات العامة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “تصور الحكومة أن هذه القضية مسألة هامشية يمكن غض الطرف عنها والابتعاد عن كل ما يُذكر الشباب بها يشكل أمراً سلبيًا على المجتمع والدولة بنظامها السياسي، ويترتب عليه ظهور أشكال وأساليب متطورة من الجرائم والسلوكيات العنيفة وتغيير سيكولوجية المجتمع”.

وثمة اقتناع وسط المثقفين بأن الحكومة تؤمن بالحقوق كجزء مكمل لتحسين الأوضاع السياسية والحريات العامة، غير أنها حينما تذهب نحو التطبيق تمنح أولوية للإجراءات الاجتماعية على حساب حقوق الإنسان في شقها السياسي.

النظام المصري يضع في اعتباراته تفاعلات الداخل على نحو أكبر دون أن يكون هناك تأثير مماثل على مستوى الضغوط الخارجية المستمرة

ويقول مراقبون “ثمة فجوة ظاهرة تجعل الحكومة لا تبدي اهتماماً بالترويج لاحترام الحريات والتعددية السياسية والفكرية وحق الإنسان في الكرامة والتفكير النقدي الحر”.

وعبرت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج عن هذا التوجه بتأكيدها أن الحماية الاجتماعية هي أساس إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وترمي إلى تعزيز رؤية الدولة لدى الأجيال الصاعدة بشأن حصر حقوق الإنسان في إطارها الاجتماعي بدلا من السياسي.

ويشير السياق العام الذي يمضي فيه النظام المصري إلى أن المجتمع لم يعد يولي المجال السياسي اهتماما، ما يسهل مهمته لتطبيق رؤيته، لأن حالة التململ الداخلي تظهر في الأزمات الاقتصادية ذات الارتباط بالغلاء وتقليص دعم الخدمات العامة دون أن يكون لقرار الإفراج عن المحبوسين مثلاً أثر ملموس في الشارع.

ويضع النظام المصري في اعتباراته تفاعلات الداخل على نحو أكبر دون أن يكون هناك تأثير مماثل على مستوى الضغوط الخارجية المستمرة منذ سنوات ولم تعد ذات تأثير ملحوظ في ظل انتهاك بعض الدول الغربية الضاغطة لبعض المواثيق الحقوقية والإنسانية عبر الحروب والصراعات التي تخوضها بشكل مباشر أو غير مباشر.

ويتوقع المراقبون أن تذهب الحكومة المصرية باتجاه إحداث انفراجة على المستوى السياسي، وقد ظهرت بوادرها في حديث الرئيس السيسي أخيرا عن الحاجة إلى حوار سياسي شامل، والإفراج عن بعض الشباب المحبوسين والتلميح بعودة عمل لجنة العفو الرئاسي بطريقة منتظمة بعد تجميدها بصورة غير رسمية.

وقد يكون ذلك في إطار عام يسير فيه الجميع نحو تحسين أوضاع المجتمع والتعامل مع الاختلالات التي تعاني منها عدة فئات، وفي أجواء يهيمن عليها الانضباط دون العودة إلى حالة السيولة السابقة، للتأكيد على أن الحكومة لديها مبادئ لن تتراجع عنها في ظل حاجتها إلى دعم قدرتها على الانفتاح على قوى وتيارات مختلفة.

1