القاتل بلغ الأربعين: عيد ميلاد غير سعيد للإيدز

"مرض مزيف تم اختراعه لبيع علاجات مزيفة".. معلومات مضللة تقلل من نسبة المقبلين على الفحوصات.
السبت 2023/05/20
المعلومات المضللة تشكك حتى في فاعلية الأدوية

يؤكد خبراء الصحة أن المعلومات المضللة التي ترافق ظهور الأمراض والأوبئة تقوض جهود مكافحتها واحتوائها، ما من شأنه أن يؤدي إلى عواقب مهددة للحياة. ومنذ اكتشافه قبل 40 عاما رافق مرضَ الإيدز سيل من المعلومات الخاطئة عن أصله وعن العلاجات، ما قلل نسبة الأشخاص الذين يُقبلون على الخضوع للفحوصات. ويفسر خبراء علم الاجتماع ذلك بالحاجة إلى إيجاد ما هو مؤكّد في ظل المجهول الذي يواجهه الأفراد من دون انتظار الأوساط العلمية.

باريس - في مقطع فيديو نُشر في منتصف أبريل تزامناً مع حملة “سيداكسيون” وشوهد آلاف المرات قبل أن تحذفه إدارة يوتيوب، يؤكد عدد من مستخدمي الإنترنت أنهم يقولون الحقيقة في ما يخص الإيدز، مشددين على أنه “مرض مزيف” تم اختراعه لبيع “علاجات مزيفة”.

وتؤكد مديرة “سيداكسيون” فلورنس ثون في حديث لوكالة فرانس برس أنّ ما يُنشر هو عبارة عن نظرية تحريفية شهدت طفرة منذ جائحة كوفيد – 19، مع أنّ الشكوك المحيطة بوجود فايروس نقص المناعة البشرية حاضرة منذ اكتشافه قبل 40 عاماً، ويُعاد التداول بها عبر الشبكات الاجتماعية ومن خلال التحدث عن الجائحة.

وتبدي جمعية “سيدا إنفو سيرفيس” الملاحظة نفسها. وتقول المنسقة الطبية فيها الدكتورة راضية جبار “نتلقى اتصالات من أشخاص يتساءلون عن أصل الفايروس وآخرين يعتقدون أن العلاجات ترمي فقط إلى تحقيق أرباح إضافية للمختبرات”.

ويشكّل ما رافق مرض الإيدز منذ اكتشافه قبل 40 عاماً من معلومات خاطئة وأدوية مزيفة وسوى ذلك مثالاً نموذجياً على التضليل العلمي والإعلامي المطبوع بنظرية المؤامرة التي غذّتها جائحة كوفيد.

ويقول المتخصص في علم النفس الاجتماعي في جامعة كونيتيكت البروفيسور سيث كاليشمان “إنّ الغريب في نظرية المؤامرة هو أنها لا تشهد تطوّراً، بل تنتشر فقط”، مضيفاً أنّ المعلومات المضللة لا تتكيف مع التقدم العلمي.

ما عزّز الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض وانتشار المعلومات المضللة عنه هو أنّ فايروس نقص المناعة ينتقل جنسيا

وتعود المعلومات المضللة عن الإيدز إلى مرحلة اكتشافه، ففي العام 1983 حين كانت الحرب الباردة في أوجها روّجت الاستخبارات السوفياتية (كي.جي.بي) لحملة تضليل بعنوان “إنفيكشن” ترمي إلى جعل الناس يعتقدون أن الإيدز ابتُكر في مختبر سري في الولايات المتحدة، ثم انتشرت هذه الشائعة لنحو عشر سنوات في مختلف أنحاء العالم.

ويشير عالم الاجتماع أرنو ميرسييه إلى أنّ “الإنفلونزا الإسبانية أو وباء ‘اتش 1 إن 1’ حظيا بنصيبهما من المعلومات المضللة”، مشيراً إلى أنّ “ما يُشاع ينطلق من الأساس نفسه وهو الحاجة إلى إيجاد ما هو مؤكّد في ظل المجهول الذي نواجهه، من دون انتظار الأوساط العلمية”.

وهو ما يفسر سبب تشابه هذه النظرية مع تلك التي تم التداول بها خلال فترة كوفيد – 19.

ويؤكد ميرسييه أنّ النظريات المتعلقة بأصل الإيدز لم يتوقف بروزها منذ اكتشاف المرض، ويقول “كلّما ظهر وباء جديد قاتل تنتشر الفكرة القائلة بأنّ جهة ما لها مصلحة في ذلك. وتتمثل أبرز الأفكار التي أُشيعت عند اكتشاف الإيدز، في أنّ الدول الغنية ابتكرته رغبةً منها في القضاء على الدول الفقيرة، أو أنّ المختبرات تسعى لكسب أرباح من خلال الترويج لعلاجات له”.

وكانت دول أفريقيا التي تضررت بشدة من الفايروس في طليعة الدول التي انتشرت فيها المعلومات المضللة في شأن الإيدز وصولاً حتى إلى السلطات التي أكّدت أن الإيدز ليس مرتبطاً بفايروس نقص المناعة البشرية بل بالفقر، مما دفع الرئيس السابق لجنوب أفريقيا تابو مبيكي إلى تأخير إتاحة العلاج المضاد للفايروسات للمواطنين لسنوات.

الفايروس في حال عدم علاجه يتحول إلى مرض الإيدز
الفايروس في حال عدم علاجه يتحول إلى مرض الإيدز

ومن خلال المعلومات المضللة تُباع علاجات زائفة يقول مروّجوها إنها أكثر فاعلية من الأدوية “القاتلة” لشركة “بيغ فار”. فالمعالِج بالطب الطبيعي إيرين غروجان يؤكد مثلاً أنّ الشفاء ممكن من خلال البذور والخضر والفاكهة النيئة.

ومن بين المروجين “للعلاجات السحرية” لمرض الإيدز لوك مونتانييه الذي كان أحد مكتشفي فايروس نقص المناعة البشرية. ويؤكد أنّ عصير البابايا المخمّر من شأنه معالجة الأشخاص المصابين بهذا الفايروس.

وما عزّز الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالمرض وانتشار المعلومات المضللة في شأنه، هو أنّ فايروس نقص المناعة البشرية ينتقل جنسياً. ويقول ميرسييه “ينبغي عدم نسيان أنّ المرض أطلقت عليه تسمية سرطان المثليين لفترة طويلة”.

وانطلاقاً من رهاب المثلية وقمع بعض الممارسات الجنسية، ساهمت الكنيسة الكاثوليكية تحديداً في نشر رسالة خطرة، على غرار البابا بنديكتوس السادس عشر الذي أكد في العام 2009 أن توزيع الواقي الذكري أدى إلى تفاقم مشكلة الإيدز.

وتقول جبار “اليوم، وبعد 40 عاماً على اكتشاف فايروس نقص المناعة البشرية، تكمن المشكلة الرئيسة في قلة الوعي المحيط بالفايروس”، منددةً بـ”انخفاض الدعم الحكومي لتوعية التلاميذ في المدرسة”.

وتضيف أنّ البعض يعتقدون أنهم خاطروا بتقبيل زميل لهم، بينما يعتقد الآخرون أنهم بمنأى عن الإصابة بالفايروس لأنّهم غير مثليين.

وتحدّ هذه الأفكار المضللة من نسبة الأشخاص الذين يُقبلون على الخضوع لفحوص، وتشير المراجع المعنية أن “ثلث المصابين بالإيدز يعود اكتشافهم إلى الفحص الكاشف عن الفايروس”.

عواقب مهددة للحياة

الإيدز قد ينتقل أيضًا عن طريق الحقن
الإيدز قد ينتقل أيضًا عن طريق الحقن

يشير خبراء من منظمة الصحة العالمية إلى أن انتشار المعلومات المضللة على الإنترنت، والتي تشمل مجالات نشأة المرض وأسبابه والعلاجات الخاصة به، يشكل أحد التحديات الكبرى في هذا العصر. وفي سياق طوارئ الصحة العمومية الراهنة، يمكن للتضليل أن يقوض جهود مكافحة المرض واحتوائه، وأن يؤدي إلى عواقب مهددة للحياة.

وفي تقرير بعنوان “التضليل مقابل الطب: التصدي للسيل الهائل من المعلومات” نشر في فبراير 2020، قال خبراء المنظمة العالمية في حديثهم عن الجائحة وما رافقها من معلومات مضللة “بينما انتشر فايروس كورونا المستجد بشكل سريع في جميع أنحاء العالم منذ بداية العام، ما زالت المعلومات المضللة التي تتسبب في تفاقم الجائحة تنتشر على الإنترنت بسرعة أكبر من انتشار فايروس كورونا نفسه”.

وأضافوا أن هذا السيل الهائل من المعلومات يقوض الجهود المبذولة لاحتواء الجائحة، وينشر الذعر والارتباك اللذيْن لا داعي لهما، ويعزز الانقسام في الوقت الذي يعد فيه التضامن والتعاون ضروريين لإنقاذ الأرواح وإنهاء الأزمة الصحية.

وتابعوا “هناك فيض من نظرية المؤامرة الغامضة، تتراوح بين مزاعم بأن الفايروس هو محاولة مقصودة لإخلاء العالم من سكانه والنية في إشعال فتيل حرب بيولوجية عالمية. وهذان المثالان هما مجرد عينة من النظريات الخاطئة التي تنتشر بسرعة البرق على الإنترنت. وهذه الظاهرة تشهدها جميع بلدان العالم، وبلغات يتجاوز عددها بكثير مجموع اللغات الرسمية للأمم المتحدة”.

أبرز الأفكار التي أُشيعت عند اكتشاف الإيدز تتمثل في أنّ الدول الغنية ابتكرته رغبةً منها في القضاء على الدول الفقيرة

وفي حين هناك ضرورة ملحة للتصدي للادعاءات الخاطئة بشأن فايروس كورونا، فإن مكافحة التضليل في مجال الصحة العمومية لا تتوقف عند هذه الجائحة الجديدة، مثل توفّر المعلومات للناس في بيني وبوتيمبو، وغيرهما من المناطق، بغرض حمايتهم من فايروس إيبولا بالموازاة مع جهود نشر اللقاح. وقد كان لتبديد الأساطير وتقديم البيّنات دور حيوي في التغلب على الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الحصبة وشلل الأطفال، أو إذكاء الوعي بالمخاطر المرتبطة بالسجائر الإلكترونية.

وأكدت منظمة الصحة العالمية أنها ستواصل الترويج للمعلومات الموثوقة وإقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا والعمل مع وسائل الإعلام لضمان حصول الناس على معلومات وقائعية وإفشال نظرية المؤامرة وتصحيح المعلومات الخاطئة على وجه السرعة، من أجل حماية الصحة العمومية وتعزيزها.

وأكد التقرير أنه بالإضافة إلى ذلك، لا بد من وضع إستراتيجية أوسع نطاقا من أجل فضح العلوم الزائفة وتعزيز الثقة في جميع المجالات. وقال الخبراء إن التضليل يزدهر في السياقات التي تكون فيها الثقة بالسلطات ضعيفة، مشيرين إلى أنه يجدر الاطلاع على تقرير صادر في عام 2019 عن المجلس العالمي المعني برصد التأهّب، وهو تقرير نافذ البصيرة يؤكد أهمية التماسك الاجتماعي والثقة في تعزيز فعالية تدابير الاستجابة.

وفي سياق التفشي السريع للمرض، أكد خبراء المنظمة العالمية أن هناك خيطا رفيعا بين نشر معلومات مضللة بشكل متعمد وإعادة نشر ادعاءات خاطئة قد تكون مضرة، ولئن كان ذلك بحسن النية. وقالوا “يجب على الحكومات وشركات التكنولوجيا أن تضطلع بدورها في محاربة الحالة الأولى، ولكن من واجب كل واحد منا، سواء كنّا محررين في إحدى الصحف أو مستخدمي حسابات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، أن نتحلى باليقظة حيال المعلومات التي نتبادلها ونروج لها”.

تدمير الجهاز المناعي

توفر علاجات مضادة للفايروسات خفض من نسبة الوفيات بالإيدز
توفر علاجات مضادة للفايروسات خفض من نسبة الوفيات بالإيدز

أكد خبراء “مايو كلينيك” أن متلازمة النقص المناعي المكتسب مرض مزمن، وهي حالة قد تشكل خطرًا على الحياة، ويسببها فايروس نقص المناعة البشرية. وقال الخبراء إن فايروس نقص المناعة البشرية “إتش.آي.في” يتداخل مع قدرة الجسم على محاربة العَدوى والمرض من خلال تدمير الجهاز المناعي.

وفايروس نقص المناعة البشرية هو نوع من العدوى المنقولة جنسيًا. وقد ينتقل أيضًا عن طريق التعرض للدم الحامل للعدوى أو تعاطي المخدرات عن طريق الحقن أو تشارُك الحُقن. وقد ينتقل من الأم إلى الطفل أثناء الحمل أو الولادة أو الرضاعة الطبيعية. وربما يستغرق فايروس نقص المناعة البشرية عدة سنوات إذا لم يُعالج، حتى يُضعف الجهاز المناعي إلى درجة الإصابة بالإيدز.

ولا يوجد علاج شاف لفايروس نقص المناعة البشرية، ولكن الأدوية تعمل على السيطرة على العدوى والوقاية من مضاعفات المرض. وقد أثبتت مضادات الفايروسات التي تعالج فايروس نقص المناعة البشرية فعاليتها في تقليل حالات الوفاة بسبب الإيدز في أنحاء مختلفة من العالم، وتعمل المنظمات العالمية على زيادة توفر تدابير الوقاية والعلاج في البلدان شحيحة الموارد.

ويصاب معظم الأشخاص الحاملين لفايروس نقص المناعة البشرية بمرض شبيه بالإنفلونزا في خلال أسبوعين أو أربعة أسابيع من دخول الفايروس إلى الجسم. وقد يستمر هذا المرض المعروف باسم عدوى فايروس نقص المناعة البشرية الأولية بضعة أسابيع.

وتشمل مؤشرات المرض والأعراض المحتملة الحمى والصداع وآلام العضلات والمفاصل والطفح الجلدي والتهاب الحلق وتقرحات فموية مؤلمة وتورم العقد اللمفية، وخصوصًا في الرقبة، والإسهال وفقدان الوزن والسعال والتعرُّق الليلي.

وقد تكون هذه الأعراض بسيطة جدًّا إلى درجة أن المريض قد لا يلاحظها. ومع ذلك، فإن كمية الفايروس في مجرى الدم (الحمل الفايروسي) تكون مرتفعة جدا في ذات التوقيت. ونتيجة لذلك، تنتشر العدوى أثناء المرحلة الأولية بسهولة أكثر من انتشارها في المرحلة التالية.

Thumbnail

ويبقى فايروس نقص المناعة البشرية في الجسم وفي خلايا الدم البيضاء في مرحلة الإصابة السريرية الكامنة.

ومع ذلك، قد لا يشعر العديد من المرضى بأي أعراض أو التهابات أثناء هذه الفترة.

ويمكن أن تستمر هذه المرحلة لسنوات عديدة إذا كان المريض يتلقى العلاج المضاد للفايروسات القهقرية. ويُصاب بعض الأشخاص بأمراض أشد فتكًا في وقت مبكر عن ذلك بكثير.

وبينما يستمر الفايروس في التكاثر وتدمير الخلايا المناعية، فإن الخلايا الموجودة في الجسم التي تساعد في محاربة الجراثيم، قد تصاب بعدوى خفيفة أو علامات وأعراض مزمنة مثل الحُمَّى والإرهاق والعُقَد اللمفية المتضخمة، وغالبًا ما تكون إحدى أولى علامات الإصابة بفايروس نقص المناعة البشرية والإسهال وفقدان الوزن وعدوى الخميرة الفموية (القلاع) والهربس النطاقي والتهاب الرئة. وتسمى هذه المرحلة عدوى فايروس نقص المناعة البشرية العرضي. وقد تتفاقم العدوى وصولاً إلى الإصابة بالإيدز.

وأدى توفر علاجات أفضل مضادة للفايروسات إلى انخفاض كبير في الوفيات الناتجة عن الإيدز في كل أنحاء العالم، حتى في البلدان فقيرة الموارد. وبفضل هذه العلاجات المنقذة للحياة، يتجنب معظم مرضى فايروس نقص المناعة البشرية في الولايات المتحدة اليوم الإصابة بمرض الإيدز. ويتحول فايروس نقص المناعة البشرية في حال عدم علاجه إلى مرض الإيدز خلال 8 أو 10 سنوات.

وعند الإصابة بالإيدز، يتعرض الجهاز المناعي لضرر بالغ. ويكون الشخص عندئذ أكثر قابلية للإصابة بأمراض لا تصيب في العادة ذوي الأجهزة المناعية السليمة. وتسمى هذه الأمراض العدوى الانتهازية أو السرطانات الانتهازية.

15