الفوز في الانتخابات المحلية لا ينهي قلق أردوغان

أيام قليلة تفصل تركيا عن الانتخابات المحلية، ستكون أهميتها بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بأهمية الانتخابات البرلمانية. لأول مرة منذ سنوات يخوض الحزب الحاكم في تركيا هذه المنافسة بقلق وشكوك حول ما ستفرزه هذه الانتخابات من نتائج. مرد هذا القلق تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية نتيجة سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وتجلى هذا الواقع في الانتخابات البرلمانية التي لئن فاز فيها الحزب الحاكم في تركيا إلا أنه فوز بطعم الخسارة، جسّد موقف الملايين من الأتراك الذين ذهبت أصواتهم للمعارضة أو قاطعوا الانتخابات. واليوم، يتطلع أردوغان بقلق إلى هذه الأصوات القادرة على سحب البساط من أهم أدوات السيطرة على البلاد وهي البلديات.
أنقرة - أصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أقوى رئيس للبلاد منذ مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك مع انتصاره المزدوج في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصيف الماضي. الآن، وبعد أقل من عام على ولايته في نظام معدل يسمح له بسلطة شبه مطلقة مدتها خمس سنوات، يواجه أردوغان نوعا من الاستفتاء على إدارته للدولة، وذلك عبر الانتخابات المحلية (البلدية) التي تشهدها تركيا يوم 31 مارس 2019.
ويولي أردوغان أهمية بالغة للحملة الانتخابية حيث حرص على المشاركة في العديد من تجمعات الحزب، كما اتهم المعارضة بالخيانة والارتباط بما أطلق عليها جماعات إرهابية.
من الطفرة إلى الأزمة
في انتخابات مماثلة سابقة، لم يكن أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ سنة 2002، ينظر بقلق كبير إلى ما سيفرزه هذا الاستحقاق، مثلما هو الحال اليوم. في السنوات الماضية كان العدالة والتنمية يجني ثمار الطفرة الاقتصادية التي حققها خلا العقد الأول من حكمه. لكن اليوم، يجني ثمار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا والتي تضاعف من حدتها أزمة سياسية داخلية وعلاقات دبلوماسية متدهورة نتيجة توجهات أردوغان، صاحب السلطة المطلقة في البلاد.
توفر هذه الأزمات أرضية ملائمة لخصوم أردوغان لتوجيه ضربة له ولحزبه خلال الانتخابات المحلية الأحد المقبل، لاختيار رؤساء بلديات 51 ولاية، و519 قضاء مدينة كبرى، و403 قضاء، و386 بلدة، فضلا عن اختيار 50 ألفا و313 مختارا.
ويتوقع مارك بنتلي، المدير السابق لمكتب بلومبرغ في تركيا، أن تمثل الانتخابات المحلية التي تجرى في تركيا الأحد نذيرا لمزيد من المصاعب الاقتصادية في البلاد، مشيرا إلى احتمال فقدان أردوغان السيطرة على المدن الكبرى مثل أنقرة أو أنطاليا أو حتى إسطنبول. وتحتدم المنافسة في عدد من المدن الأخرى، مثل بورصة، التي تلقب بقلب تركيا الصناعي، وأضنة، خامس أكبر مدينة في تركيا، والتي قد تقع في قبضة المعارضة.
وسيكون هذا التراجع بمثابة ردة فعل من الأتراك على سياسة أردوغان، رغم أنهم يدركون أن انتخابات الأحد لن تحقق أي تغيير في التسلسل الهرمي السياسي للبلاد بعد أن عزز أردوغان سلطاته، مما يجعل البرلمان بلا سلطة تقريبا ويهمش المعارضة الضعيفة بالفعل. كما أن العدالة والتنمية سيخرج فائزا بسبب تشرذم المعارضة وحديث بعض ممثليها عن التحالف مع أردوغان بعد الانتخابات، خشية سحب الدعم عن البلديات التي قد يفوزون فيها، مع ذلك يبقى التصويت بمثابة الاستفتاء على أردوغان ونظامه، والخسارة قد تجر وراءها خسارات أخرى سواء كانت هناك انتخابات أخرى قادمة في تركيا أم لا.
التخلص من أردوغان
يقول مارك بنتلي إن “تركيا لا تستطيع التخلص من حزب أردوغان الحاكم ورئاسته التنفيذية القوية، شئنا أم أبينا”، فيما يذهب الكاتب التركي في موقع أحوال تركية، جنكيز أكتار، إلى القول إن تحقق الانتخابات المحلية في تركيا لن يحقق المعجزات، لكنه يستطرد مضيفا أن توازن النظام في تركيا انقلب بشكل لا رجعة فيه بسبب احتجاجات حديقة غيزي عام 2013 وفضيحة الفساد الحكومي في نهاية العام نفسه. لقد كان عام 2013 هو العام الذي أعمى فيه الغضب الحكام.
كانت الانتخابات التي أعقبت ذلك في السابع من يونيو 2015، عندما خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته البرلمانية ودخول حزب كردي، هو حزب الشعوب الديمقراطي، البرلمان لأول مرة في التاريخ، هي النقطة التي بدأت فيها المؤسسة التركية تستشيط غضبا.
ويوضح أكتار أنه من تلك النقطة، كان الهدف الأسمى في نظر أردوغان والنظام يتمثل في البقاء في السلطة، مما يعني أن أي شيء وكل شيء أصبح مسموحا لتحقيق هذه الغاية، معتبرا أن المسمار الأخير في نعش السياسة التركية، يتمثل في ضرورة فرض السيطرة على البلديات من أجل أن تكون قادرة على الحفاظ على القانون والنظام في جميع أنحاء البلاد.
كانت الانتخابات العامة الثلاثة والانتخابات الرئاسية لمرتين والانتخابات المحلية والاستفتاء، بمثابة مشاورات شعبية ابتعدت بشكل متزايد عن قيم الحرية والنزاهة التي تعد أساسية للديمقراطية المُمثلة. جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة من خلال الانتخابات، لكن الانتخابات لن تكون كافية حتى يتنازل عن السلطة.
في سنة 2016، إثر عملية الانقلاب الفاشل، قامت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بإقالة العشرات من العمد وحل محلهم مجالس للأمناء تحظى بثقة الحكومة وتدين بالولاء للرئيس أردوغان. وتم سجن بعض العمد، وفصل العشرات من الموظفين بالمحليات.
تهديد المعارضين
اليوم، وفي خضم الحملة الانتخابية لم يتوان الرئيس التركي عن تهديد المعارضين وأيضا الناخبين بأنه سينقلب على النتائج كقوله “إذا ما تم انتخاب حزب الشعوب الديمقراطي في المنطقة الجنوبية الشرقية التركية التي يسيطر عليها الأكراد، يمكن للدولة طرد ممثليه وتعيين آخرين مكانهم”. كما انتقد خصومه واتهم بعضهم بتأييد الإرهاب، حتى أنه استشهد بحادثة نيوزيلندا الأخيرة كمثال على التهديدات الأوسع التي يقول إن تركيا تواجهها.
ويقول جنكيز أكتار “سيحجب أردوغان الموارد عن البلديات التي ستسيطر عليها أحزاب المعارضة التي ترفض التعاون، وسيكلف الإداريين بحكم البلديات التي يكن لها الكراهية. لقد أوضح ذلك مرارا وتكرارا”.
يحذّر عدد من المحللين من بناء أي توقعات من نتائج الاستطلاعات. فقد فاز أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية العام الماضي، متحديا التوقعات. وحتى لو خسر حزب العدالة والتنمية، فلن يقلل ذلك من سلطات الرئيس الرسمية الذي أكّد أنه بغض النظر عن المرشح الذي يصوت له الناخبون، فإن صانع القرار الوحيد في تركيا من الآن فصاعدا هو القصر الرئاسي.
تحقيقا لهذه الغاية، أقرت الرئاسة الأمر التنفيذي رقم 17 في أغسطس 2018 بربط جميع المؤسسات والمنظمات الإدارية خارج الميزانية العامة تقريبا بوزارة المالية والخزانة، التي يديرها صهر أردوغان بيرات البيرق.
ويوضح جنكيز أكتار، “ستطلب البلديات إذنا من أجل إنفاق الموارد مقدما، وستقوم فقط بدفع الأموال، مثل رواتب الموظفين، إذا كانت قادرة على الحصول على موافقة. فيما تستعد أحزاب المعارضة لممارسة هذه اللعبة الفاشلة في البلديات التي ستفوز بها”.
عندما تم انتخاب حزب العدالة والتنمية لأول مرة في الحكومة في عام 2002، كان أحد التغييرات الأولى يتمثل في تخفيض حصة موارد الميزانية المخصصة للبلديات من 15 بالمئة إلى 10 بالمئة، وبالتالي تمركز عمليات البلديات بشكل غير مباشر. أصبحت الحكومات البلدية معتمدة على الحكومة المركزية وتدين لها بالفضل. لقد وجّه أردوغان الضربة الأخيرة.
بغض النظر عن النتائج التي ستأتي بها الانتخابات، فقد انتهى الحكم المحلي في تركيا، خاصة بعد أن أعلن المرشحون المخضرمون من أحزاب المعارضة، مثل أكرم إمام أوغلو الذي يترشح لمنصب رئيس بلدية إسطنبول وتونج سوير الذي لديه فرصة جيدة للفوز في إزمير، أنهم سيتعاونون مع أردوغان ولن يترددوا في طرق بابه.
يقول جنكيز أكتار “ستنتهي المهزلة الانتخابية في غضون أسبوعين، ونتائجها واضحة”، لكن “المفاجأة المحتملة الوحيدة هي أن تنخفض معدلات المشاركة في الانتخابات إلى أقل من 50 بالمئة، وفي هذه الحالة ستخضع تركيا، مثل فنزويلا، لأزمة شرعية عميقة لكن مبشرة، وكل شيء سيتغير”.
اقرأ أيضا: