"الفنان والطبيعة".. معرض نحت يجمع فنانين روادا وشبابا في القاهرة

المنحوتات المعروضة في صالون نوت تبث قوة التآلف وتنوّع البحث وحرية الفكر وبراعة التشكيل ما يجعلها تفرض صداقة حميمية وقوية مع المتلقي.
الجمعة 2021/02/05
منحوتات يوستينا فهمي تجمع بين الكلاسيكية والحداثة

يواصل غاليري نوت في العاصمة المصرية القاهرة ضمن صالونه السّنوي للنحت، الجمع بين جلّ المدارس والأجيال التشكيلية المصرية الشابة منها والمخضرمة، لتكون ثيمة “التفاعل الدائم واللامتناهي بين الفنان والطبيعة” شعار دورة هذا العام.

القاهرة- تتواصل بغاليري نوت بالقاهرة حتى الثامن عشر من فبراير الحالي فعاليات النسخة الرابعة من صالون نوت للنحت، والذي يضم مجموعة من الأعمال النحتية لأجيال وتجارب مصرية مختلفة ترصد علاقة الفنان مع محيطه، ما يعكس التفاعل الدائم واللامتناهي بين الفنان والطبيعة وبيئته، وفق أفكار متنوعة تستكشف خامات ورؤى جديدة، تجمع التجريب بما هو أصيل في توليفة واسعة من التقنيات والأشكال والخامات.

ويقدّم المعرض الذي شارك فيه أكثر من عشرين نحاتا مصريا من الجنسين، مزيجا حيويا بين التآلف الجماعي والتجارب الذاتية والتعبيرية العالية التي صيغت بإحكام وانسجام في ما بينها، ما كرّس مبدأ تبادل الخبرات بين الأجيال الشابة والأخرى المخضرمة، على غرار طارق زبادي وعبدالرحمن حسان وأحمد بسيوني وضاحي عارف ومحمود هجرس وممدوح الكوك وفاطمة مدكور ومروى زكي وميرفت أحمد ونورهان ماهر ونهلة وجدي ورينال محسن ويوستينا فهمي وزينب صبحي.

وإذا كان الانطباع الأولي السريع الذي تبثّه منحوتات الصالون هو قوة التآلف، فإن انطباعات أخرى تتزاحم أيضا، وتتعلّق أساسا بخصوبة التجريب وتنوّع البحث وحرية الفكر وبراعة التشكيل، التي تجعل هذه المنحوتات تفرض صداقة حميمية وقوية مع المتلقي.

رؤى بصرية غير مستهلكة
رؤى بصرية غير مستهلكة

وما زاد من تميّز الصالون في سنته الرابعة على التوالي شغف وجدية كل فنان بإنجاز أعمال متنوعة عالية الجودة، وتجنيبها أي تقليد أو ضعف من حيث الفكرة أو التكوين، باحترافية في التصرّف وتطويع المواد الخام في المنحوتات، والتحكم بمآلات التكوين والأشكال لتطلق منها الطاقة الداخلية.

ومع ذلك بدت الأعمال متماهية بانسجام مع بعضها البعض، ليصعب التمييز بينها كعرض جماعي، سواء كانت تجارب وانفعالات شخصية، أو عروضا جماعية،  لتُظهر الانفعالات والحكايات والآمال المستمرة مع استمرار الحياة.

وتقول مها فخرالدين رئيس مجلس إدارة غاليري نوت “إن الهدف من الصالون تقديم النحاتين أصحاب التجارب الجادة من كل المحافظات المصرية، خاصة محافظات الصعيد، لتعزيز فرصهم في عرض تجاربهم المميّزة، وتعزيز المشهد التشكيلي المصري بتجارب جديدة ورؤى بصرية جادة غير مستهلَكة على المستوى الفكري والتقني”.

وتضيف فخرالدين “رؤية الصالون قائمة على تقديم أفكار ووجوه جديدة بجانب الفنانين المكرّسين منذ افتتاح دورته الأولى لدعم فكرة تواصل الأجيال وتبادل الخبرات، وهذه البادرة تعود فكرتها إلى أخي الفنان الراحل مراد فخرالدين مؤسّس الغاليري، والذي يتم تكريمه هذا العام مع بعض ضيوف الشرف، ومنهم الفنان الإسكندري أحمد عبدالوهاب”.

وأحمد عبدالوهاب المكرّم في النسخة الرابعة من الصالون يعدّ واحدا من رواد النحت في مصر، وهو الذي تتلمذ على يديه الكثير من فناني الإسكندرية خاصة ومصر بشكل عام.

معرض

ويستعرض عبدالوهاب في مجمل تجاربه النحتية الوجه الإنساني، وهو في تناوله للوجه لا يلجأ إلى الصفات الواقعية المتغيّرة، إذ لم تتعدّد ملامح الوجوه في منحوتاته، بل يستمدّ معظم وجوهه من وجه إخناتون الملهم الذي ولع به الفنان المصري.

وربما كان وجه إخناتون بالنسبة لعبدالوهاب هو الوجه الإنساني المثالي الذي لا يقع تحت سلطان “علم الفراسة”، حيث لا يكترث كثيرا بالفروق الجزئية بين ملامح الأشخاص، فوجوه النحات المصري لا تسجل ملامح ذاتية لشخوص بعينها، ولا تسجل أهواء أو عواطف عابرة، ولا تحوي تعبيرات خاصة أو مفاجئة، بل هي وجوه موضوعية، تحمل فقط السمات المثالية والممتدة للوجه الإنساني بعيدا عن العوارض الزائلة، وجوه تنزع إلى التجريد وتحتفظ بسكونها الجليل، وجوه تخلّصت من حيرة الإنسان وتشتّته، وجوه تبدو وكأنها أدركت غبطة اليقين.

ومن الجيل الجديد، تحظر في الصالون النحاتة الشابة يوستينا فهمي التي تتميّز أعمالها بالحركة والفراغات الانسيابية، ممّا يمنح المتلقي شعورا بالخفة والرشاقة، وهي عن ذلك تقول “رغم ميلي إلى إنتاج قطع نحتية تتخللها الفراغات، إلاّ أن ذلك الميل لا يعني الاستغناء التام عن إنتاج أعمال تعتمد على الكتل الثقيلة الصماء، برغم أن الكتل الصماء تعطي إحساسا بالثبات، مثل التماثيل الفرعونية العظيمة، بينما الأعمال النحتية في الفن الإغريقي أو الروماني، تظهر فيها الحركة بالرغم من أنها كتل صماء، مثل تمثال رامي القوص الذي يظهر فيه الإيقاع الذي يتشكل من خلال الجسم البشري، وهو ما تأثّرت به كثيرا ويظهر في جل أعمالي تقريبا”.

أعمال يوستينا فهمي تتميّز بالحركة والفراغات الانسيابية، ممّا يمنح المتلقي شعورا بالرشاقة والغرابة في آن واحد

وتضيف فهمي “أحاول في أعمالي الجمع بين الكلاسيكية والحداثة، حيث أبدأ أعمالي بالتشريح ثم التجريد بعد مجموعة من الإضافات والتطوير حتى الوصول إلى الشكل النهائي، وهذا يتم خلال مراحل مختلفة، ولكل تمثال فكرته الخاصة، وقد تأخذني الفكرة إلى مجموعة من الأفكار والأعمال التي تشعر المتلقي بالغرابة حينا والتماهي مع المنحوتة في أحيان أخرى”.

والمتابع لعروض غاليري نوت ولدوراته السابقة قبل الغلق، خاصة صالون النحت السنوي، يلاحظ أن الغاليري يعكف على تتبّع الرحلة الإبداعية للفنانين وتطوّرها على امتداد محافظات مصر دون التقيّد بالمركزية النمطية.

ويقدّم المنظمون بغاليري نوت في كل دورة من صالون النحت، عروضا وتجارب لفنانين رواد لهم خبرة واسعة وبصمة على الساحة التشكيلية المصرية والعربية، بجانب اجتذاب المواهب والتجارب الجديدة والمختلفة عن الدورات السابقة، وخاصة بعد فترة الغلق، واعتكاف كل فنان على تطوير تجربته الخاصة.

معرض

17