الفلسطينيون يتحدثون مع الجميع وتبقى مرجعيتهم واشنطن

القاهرة- عادت الإدارة الأميركية إلى التحدث مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، موحيةً بأنها لا تزال معنية بالدخول معه في حوارات كرمز للسلطة الوطنية، لكن بالطريقة التي تتواءم مع مصالحها ودون الدخول في ملفات حيوية حاليا.
ويحرص الفلسطينيون على فتح خطوط التواصل بينهم وبين الجميع في أماكن مختلفة وبينهم وبين أنفسهم أيضا كما هو حاصل الآن في كل من الجزائر والقاهرة، لكن تظل مرجعيتهم الأساسية هي الولايات المتحدة، بجانب كل من إيران وقطر، حيث يصغي أغلبهم إصغاءً جيدا إلى هذه الدول ولو أبدت تفاعلا سياسيا مع جهات أخرى.
وللدول الثلاث قدرة واضحة وجلية على التأثير في عدد من الفصائل الفلسطينية، ولا فرق في ذلك بين فتح وحماس؛ إذ بإمكانها جعل هذه الفصائل تتجاوب مع المبادرات السياسية التي تصلها من حين إلى آخر، بما يجعل تدخلات بعض الدول الأخرى في ملف مثل المصالحة وحلحلة بعض القضايا مع إسرائيل محدود بسقف منخفض أحيانا.

عماد عمر: اتصال بلينكن بعباس محاولة لترميم العلاقة الأميركية – الفلسطينية
وقد ناقش وزير الخارجية أنتوني بلينكن ملف الإصلاح داخل السلطة الفلسطينية خلال مكالمة هاتفية مع عباس الاثنين، في خطوة تشير إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين.
ويحاول الرئيس الأميركي جو بايدن العمل على إصلاح العلاقات مع الفلسطينيين؛ فقد أعاد مساعدة اقتصادية قطعتها إدارة سلفه دونالد ترامب ودخلت في ما يشبه القطيعة مع الفلسطينيين، مع حث الرئيس أبومازن على تغيير عدد من السياسات الداخلية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن بلينكن ناقش مع عباس “ضرورة تحسين نوعية حياة الشعب الفلسطيني بطرق ملموسة”.
ولم يشر مكتب عباس، في بيان له حول الاتصال الذي تم بينه وبين بلينكن، إلى أي مناقشة بشأن الإصلاح داخل السلطة الفلسطينية الذي يعد نقطة محورية في الحوارات بين الطرفين.
وأشار المحلل السياسي الفلسطيني عماد عمر إلى أن اتصال بلينكن يأتي في إطار ترميم العلاقة مع الفلسطينيين التي أساءت إليها الإدارة الأميركية السابقة وضرورة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني والخوف عليه من الانهيار في ظل بعض التقارير التي تحدثت عن حالات فساد وهدر للمال العام وعدم وجود رؤية لإجراء انتخابات.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “الاتصال غاب عنه طرح أيّ حلول تنطوي على عودة قريبة إلى مسار المفاوضات، لأن إسرائيل تستمر في عمليات الاستيطان، وهو ما يشي بفقدان الأمل في الحديث عن حل الدولتين الذي يتبناه بايدن، وسط الشواغل الأميركية والإسرائيلية المرتبطة بالتصعيد مع إيران وتأثيراته على الأمن الإقليمي”.
وتحدث بلينكن أيضا مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، وناقش معه قضايا تتعلق بأوكرانيا وإيران، فضلا عن الشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية، دون أن يتم الكشف عن أي خطوات تتعلق بتحريك المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
وجاء الاتصال بين بلينكن وعباس قبل أيام قليلة من عقد اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني، والتي تستهدف بحث مستقبل العلاقة مع إسرائيل وتقييم التطورات على صعيد القضية الفلسطينية التي تعاني من التشتت على المستويين الداخلي والخارجي.

ويقول مراقبون إن اتصال بلينكن طمأن أبومازن نسبيا بأن واشنطن معنية بالقضية الفلسطينية، وهو ما يجعله يخفّض سقف التطلّع إلى صدور قرارات من المجلس المركزي يمكن أن تحرج الإدارة الأميركية سياسيا.
ويضيف المراقبون أن هذا التواصل حمل رسائل مهمة يفيد مضمونها بحرص بايدن على عدم تغيير موقفه من حل الدولتين عندما تسمح التطورات الإقليمية بذلك، ومنح أبومازن شحنة معنوية تمكنه من مواجهة بعض التحديات الفلسطينية.
وكان الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبوردينة انتقد ما وصفه بـ”ضبابية” الموقف الأميركي حيال عملية السلام مع إسرائيل، معتبرا أنه “لا يخدم قضية السلام وحل الدولتين”.
وكشف أبوردينة قبل اتصال بلينكن أن الاتصالات الفلسطينية الأميركية “مستمرة لكنها تسير ببطء شديد، ولم تصل إلى نتائج بعد حول القضايا الأساسية، وعلى رأسها تنفيذ وعود الرئيس جو بايدن في ما يتعلق بالقدس أو القنصلية أو وقف الاستيطان”.
وقال الخبير المصري في الشؤون الفلسطينية طارق فهمي إن اتصال بلينكن عبّر عن جملة من الشكاوى الفلسطينية بشأن عدم التجاوب الأميركي مع ملف فتح قنصلية أميركية في القدس الشرقية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف برنامج المساعدات للسلطة الفلسطينية مرة أخرى.

طارق فهمي: عباس يسعى لإحياء برنامج المساعدات للسلطة الفلسطينية
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الاتصالات التي جرت سابقا طغى عليها البعد الأمني الذي استوفاه الرئيس عباس عبر لجان الارتباط والتنسيق مع إسرائيل وانتهي مؤخراً بلقاءات عدة عقدها مع مسؤولين إسرائيليين.
وترى أوساط أميركية أنه من الضروري مواصلة التنسيق على هذا المستوى لأطول فترة ممكنة إلى حين إيجاد صيغة للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وأن يستمر التواصل على المستوى الأمني فقط دون حدوث تقدم سياسي في ظل وجود حكومة إسرائيلية مكونة من ثمانية ائتلافات ولا تملك قدرة على اتخاذ قرار للتفاوض.
وفي الوقت الذي تجري فيه بعض الفصائل الفلسطينية حوارات حول المصالحة الوطنية في الجزائر يزور أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب القاهرة.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري الثلاثاء مساندة بلاده للجهود الفلسطينية الرامية إلى تعزيز الوضع الفلسطيني على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، بما في ذلك دعم المتطلبات التنموية في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية.
وشدد خلال استقباله الرجوب على ضرورة تهيئة المناخ الملائم لإحياء مسار المفاوضات، مع دعم كافة سُبل التحرك لتحقيق ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني.
ويبدو انفتاح الفلسطينيين على الجميع انعكاسا لرغبة في أن تظل قضيتهم في الوجدان العربي العام حية، لأن بقاء التحكم في المفاصل الرئيسية بأيدي عدد محدود من الدول ليس في صالح القضية.