الفلسطينيون في الضفة يجازفون بحياتهم للوصول إلى سوق العمل في إسرائيل

عمليات التسلل إلى إسرائيل تحدث يوميا، وغالبا ما تشمل العشرات من الفلسطينيين في وقت واحد.
الجمعة 2024/10/04
الولوج إلى سوق العمل في إسرائيل قد يكلفك حياتك

يطا (الأراضي الفلسطينية) - تجمّع السيد عايد والعشرات من الرجال الفلسطينيين العاطلين عن العمل في فجر يوم من شهر مايو. ووقفوا عند سفح الجدار الشاهق من الخرسانة والأسلاك الشائكة التي تفصل الضفة الغربية المحتلة عن إسرائيل.

وجاء مهرب يحمل سلما وحبالا. وتلقى من كل رجل ما يعادل 100 دولار. وانتظر عايد دوره بينما تسلق الآخرون.

وكان أبو البنتين الصغيرتين البالغ من العمر 30 سنة عاطلا عن العمل لمدة عام. كانت الديون تتراكم، وكان يتوجب عليه دفع الإيجار. وجذبه إغراء العمل في مواقع البناء على الجانب الإسرائيلي. ولم يكن عليه سوى تجاوز الجدار. وقال “ينهار عامل الخوف عندما تصل النقطة التي ترى فيها أن أطفالك دون طعام”.

وترددت أصداء سنة الحرب في غزة في جميع أنحاء الضفة الغربية، حيث يحذر البنك الدولي من أن الاقتصاد معرض لخطر الانهيار بسبب القيود الإسرائيلية التي تمنع العمال الفلسطينيين من دخول البلاد للعمل، وأكبر موجة عنف تشهدها المساحة الصغيرة منذ عقود.

وارتفعت البطالة من حوالي 12 في المئة قبل الحرب إلى 30 في المئة. وأكدت وزارة الاقتصاد الفلسطينية أن حوالي 300 ألف فلسطيني في الضفة الغربية خسروا وظائفهم بعد أن كان الكثير منهم يعملون في إسرائيل. وحدد البنك الدولي أن اقتصاد الإقليم انكمش بنسبة 25 في المئة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024.

ويقول الصحافي جاك جيفري في تقرير نشرته الأسوشيتد برس إن بعض الفلسطينيين يلجؤون إلى التسلل إلى داخل إسرائيل في محاولة يائسة للحصول على وظائف، معرضين أنفسهم بذلك لخطر كبير عبر الجدار الخاضع للحراسة.

وتعتقلهم قوات الأمن الإسرائيلية حين تجدهم أو تطلق النار عليهم مباشرة. ولا تتوفر أرقام رسمية من السلطات الفلسطينية عن العمال الذين قتلوا أو أصيبوا بنيران إسرائيلية أثناء محاولتهم عبور الجدار. وتحدثت وكالة الأسوشيتد برس إلى ثلاث عائلات فلسطينية قالت إن أقارب لها قتلوا أثناء محاولتهم التسلل.

وقال عساف أديب، مدير نقابة “معا” العمالية التي تركز على حقوق العمال الفلسطينيين، “يتعرض هؤلاء لإطلاق النار وهم يحاولون الذهاب إلى العمل”.

ديون الزفاف كلفت فلسطينيا حياته

الفلسطينيون الذين يعملون في إسرائيل يمكن أن يكسبوا ضعف الراتب في الضفة الغربية أو ثلاثة أضعافه

كان حوالي 150 ألف فلسطيني قبل الحرب يتوجهون إلى إسرائيل قانونيا كل يوم من الضفة الغربية للعمل في البناء والتصنيع والزراعة.

وبعد أن هاجمت حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر، منعت السلطات الإسرائيلية دخول جل الفلسطينيين معتبرة ذلك ضروريا لضمان الأمن. وأصبح عشرات الآلاف من الفلسطينيين عاطلين عن العمل بين عشية وضحاها.

وتسلل إياد النجار، وهو عامل يبلغ من العمر 47 عاما من قرية بالقرب من بلدة يطا في الضفة الغربية، إلى إسرائيل عبر مقطع من الأسلاك الشائكة في الجدار خلال شهر يوليو. وذكرت عائلته أنه كان يجني ما يعادل 650 دولارا مقابل أسبوع عمل. ثم تزوج ابنه. وكلّف حفل الزفاف العائلة 8 آلاف دولار. فجرّب النجار لذلك حظه مرة أخرى.

واقترب من ثقب في الحاجز في السادس والعشرين من أغسطس، بعد ثلاثة أيام من الزفاف. فرصدته القوات الإسرائيلية وأطلقت النار عليه. وأكد أقاربه مقتله برصاصة في الرأس.

وقال قريبه جوادة النجار “سيتعين على أطفاله العمل لسداد هذا الدين في المستقبل. لن يساعد أحد العائلة في هذه الأيام الصعبة”.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه لا يستطيع التعليق على إطلاق النار دون إحداثيات محددة للمكان الذي قال أقارب النجار إنه وقع فيه.

وورد في بيان “تعمل قوات الجيش الإسرائيلي على منع التسلل غير القانوني والحفاظ على أمن الجدار وسلامة السكان. تنصب القوات كمائن استباقية على طول الجدار، وتعتقل المتسللين والمهربين وتعمل علنا وسرا لحماية منطقة الجدار”.

ويقول خبراء في حقوق العمال إن عمليات التسلل تحدث يوميا، وغالبا ما تشمل العشرات من الفلسطينيين في وقت واحد.

تأثير القيود على سبل العيش

حوالي 300 ألف فلسطيني في الضفة الغربية خسروا وظائفهم بعد أن كان الكثير منهم يعملون في إسرائيل

خسر العديد من الفلسطينيين مصادر رزقهم بسبب القيود. وباع البعض ممتلكاتهم. ويبيع الأطفال المناديل الورقية والمياه المعبأة، ومعطرات الجو على جوانب الطرق في الضفة الغربية. وحاول بعض الرجال بيع السندويتشات في أكشاك الشوارع المؤقتة.

ولا يقتصر الأمر على خسارة الوظائف في إسرائيل، حيث شدد الجيش قبضته في الضفة الغربية. كما أسس شبكة من نقاط التفتيش العسكرية الجديدة التي عاقت حركة التجارة والعمال.

ويمكن أن تضطر السيارات والشاحنات إلى الانتظار ساعات بينما يفتش الجنود الجميع. ويختلف هذا عما كان قبل الحرب، حيث يمر البعض دون تفتيش. وأصبحت بعض الطرق الأخرى مغلقة تماما. وأكد الناشط المحلي بدوي جويعد أن الجيش أغلق طريقا يربط 12 قرية ببلدة دورا الجنوبية. وقال إن العديد من العمال لم يتمكنوا من الوصول إلى وظائفهم لهذا السبب وتقرر لذلك تسريحهم.

وتصاعد العنف مع تزايد الغارات الإسرائيلية التي تستهدف الجماعات المسلحة. وسجّلت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل أكثر من 700 فلسطيني في الضفة الغربية بنيران إسرائيلية. وقُتل العديد منهم بالرصاص في اشتباكات مسلحة، وقُتل آخرون بعد إلقائهم الحجارة على القوات. لكن يبدو أن البعض لم يشكل أي تهديد واضح.

العثور على عمل لا يصعب بسبب نقص العمالة في جميع أنحاء إسرائيل، وجلها في البناء والزراعة

ويمكن أن يكسب الفلسطينيون في إسرائيل ضعف الراتب في الضفة الغربية أو ثلاثة أضعافه. ويقف الجدار الإسرائيلي في طريقهم، فهو يمتد على حوالي 700 كيلومتر ويبلغ ارتفاعه 7 أمتار.

ويتسلق الكثيرون بالسلالم والحبال. ويختبئ آخرون في شاحنات تمر عبر نقاط التفتيش. وقال عمال وخبراء إن البعض يتسللون من خلال ثقوب في السياج.

وعمل عايد ذات مرة في شركة بناء إسرائيلية تدفع 7 آلاف شيكل (1850 دولارا) شهريا. لكنه انقطع عن العمل منذ بدء الحرب، وبحث عن مصدر رزق جديد في مدينته جنين، في شمال الضفة الغربية. وقال إنه تجول بين محلات البقالة والمطاعم، لكن لم يوظفه أحد.

واقترض المال من الأصدقاء لتدبر أموره. وتراكمت الديون عليه حيث بلغت حوالي 1600 دولار. وقلل استهلاكه للمياه والكهرباء. ولم يتبق لديه أحد للاقتراض منه بحلول الربيع، ووصلته فاتورة إيجار شهرية بقيمة 500 دولار يتعين عليه دفعها. فقرر المخاطرة.

وانزلق السلم عندما تسلق الجدار. وسقط على الأرض من جانب الضفة الغربية، فكسرت ساقه. وأصبح يعرج في المنزل مفلسا.

عصابات تهريب

بعد هجوم حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر، منعت السلطات الإسرائيلية دخول جل الفلسطينيين معتبرة ذلك ضروريا لضمان الأمن

يعمل المهربون الفلسطينيون أو الوسطاء المرتبطون بالعصابات على جانبي الجدار على ترتيب العبور. ويوفرون السلالم والحبال، وحتى وسائل النقل على الجانب الإسرائيلي لتهريب العمال بعيدا عن الجدار الذي تتكثف حوله الدوريات.

وأشار عرفات عمرو، خبير حقوق العمال الفلسطيني، إلى أنهم يتقاضون من 300 إلى ألف شيكل (79 إلى 260 دولارا).

وقال العمال الفلسطينيون وعمرو إن العثور على عمل لا يصعب بسبب نقص العمالة في جميع أنحاء إسرائيل، وجلها في البناء والزراعة.

وذكرعمرو أن العمال الفلسطينيين “ينامون في الحقول، وفي المزارع، وتحت الأشجار، وفي مواقع البناء للتهرب من السلطات الإسرائيلية”.

وقال رؤوف عدرا، وهو عامل من يطا، إنه وجد عملا لمدة أسبوعين في موقع بناء في بلدة ديمونا بجنوب إسرائيل كان سيدفع 350 شيكلا (65 دولارا) يوميا. وتسلق الحاجز ووصل إلى الموقع. وقيل له إن عليه عدم مغادرة الموقع بعد العمل حتى لا يتفطن الأمن الإسرائيلي إلى وجوده.

واقتحمت الشرطة الإسرائيلية الموقع في اليوم التالي، واعتقلت عدرا وعدة فلسطينيين آخرين. ولم يكن مدير الموقع الإسرائيلي موجودا.

وقال عدرا “لقد هرب”. وحكم على عدرا بالسجن لمدة 40 يوما وغرامة قدرها 1500 شيكل (390 دولارا). وأعيد بمجرد إطلاق سراحه إلى الضفة الغربية ومُنع من دخول إسرائيل لمدة ثلاث سنوات.

وقال عايد، الذي لم يكن قادرا على المشي بعد سقوطه في مايو، إنه اضطر إلى بيع الذهب الذي أعطته عائلته لزوجته في زفافه ثم سيارته.

وأضاف “أعرف أشخاصا باعوا أثاثهم”. وشفيت ساقه المكسورة بعد أربعة أشهر من الحادث.

وأجاب عندما سئل عما إذا كان سيحاول مرة أخرى “سأفكر في هذا إذا بقي الوضع كما هو”.

6