الفكر يواجه بالفكر وليس بالإرهاب

وكالات-دافع رسام الكاريكاتير المصري جورج بهجوري عن حرية التعبير بعد الهجوم على جريدة “شارلي إيبدو” الفرنسية الساخرة. وشدّد، في تصريحات لـ”العرب”، على أن العنف يخسر دائما في مواجهة الحرية والسلام، وردّة الفعل على الرسم لا تكون بالقنابل.
رسام الكاريكاتير المصري جورج بهجوري، عضو جمعية “رسامين من أجل السلام”، التي أسسها كوفي عنان الأمين العام الأسبق بالأمم المتحدة، قال، لـ”العرب”، إنه تلقى نبأ مقتل أصدقائه “شارب” و”ولانسكي” و”كابي”، ببالغ الحزن والأسى، مؤكّدا على أنهم من أبرز رسامي فرنسا والعمل الإرهابي الذي أودى بحياتهم ستكون له تبعات سلبية على الجاليات العربية في الغرب.
وأضاف بهجوري أن ما فعله القتلة جريمة، ولا يمكن أن يتم الرد على الرسم بالقنابل، ولا يمكن إنكار أن الصحيفة ورساميها، ارتكبوا عدة أخطاء بعدم فصلهم بين الحرية التي لا حدود لها في فرنسا، وبين حق الآخر في احترام مقدساته. وقد اتسمت الجريدة ورساموها بالجرأة، وصلت أحيانا إلى حدّ الإساءة للأديان عامة، ما أثار حولها خلافات كبيرة.
أوضح بهجوري أن الرسامين في جريدة “شارل إيبدو”، لم يكن لرسوماتهم أي بعد طائفي أو تعمد الإساءة لدين، بل كان هدفهم تقديم النكتة الساخرة، لإسعاد جمهورهم، وتحقيق أكبر نسبة رواج ومبيعات، لكنهم ارتكبوا في سبيل ذلك خطأ عدم إدراك مدى أثر تعرضهم للأديان على معتنقيها في الشرق، وخلطوا بين سلوك المتطرفين المنتمين إلى دين والدين ذاته، وهذا لا يبرر بالطبع الإرهاب.
ورأى بهجوري، صاحب الترتيب الـ17 على مستوى العالم، بين الداعين للسلام بالكاريكاتير، أن مواجهة الإساءة للمقدسات ينبغي أن تتم بالوسيلة ذاتها، فالرسام الذي يسيء برسمه، يتصدى له رسامون أيضا، ويسخرون منه ويكشفون مساوئه، وكذا الفكر يواجه بالفكر وليس بالقنابل.
حول دور جمعية رسامي الكاريكاتير من أجل السلام، قال بهجوري، هي جمعية أسست بالأمم المتحدة بدعوة من كوفي عنان الأمين العام، خلال فترة توليه منصبه، وتستهدف مواجهة العنف والحرب بالنكات التي تطلق في صورة رسوم كاريكاتير، لإسعاد البشر وإضفاء البهجة عليهم.
وأضاف الرسام المصري قائلا: نظمنا معارض وزيارات لعدد من البلدان الأوروبية، مثل سويسرا والسويد، وفي بلدان أخرى تشهد صراعات مسلحة، وأدرنا حوارات كثيرة عن دور فن الكاريكاتير في مواجهة الإرهاب والعنف، وأيضا حول ضرورة ألا يمارس الرسام العنف والإرهاب بالإساءة للمقدسات، وأتوقع أن تتسع تأثيرات تلك الجريمة الإرهابية في العالم كله.
|
وأكد أن عددا من رسامي الجمعية أوصوا كثيرا بتجنب الإساءة للمقدسات، لكن ما لا يعرفه المتعصبون أن الغرب ينظر إلى تك الرسوم من زاوية حرية التعبير وليس تعمد الإساءة، مشددا على أن الرد يجب أن يكون بالرسم لا القنابل، كما أنه من المهم أن يبتعد الفنان والصحفي عن أي إساءة للمقدسات، احتراما للمعتقدات.
وبالعودة إلى حادثة صحيفة شارلي ايبدو، التي تمّ الاعتداء على مقرها في وقت سابق، وقامت ضدها بسبب الرسوم التي نشرتها في مرات عديدة والتي اُعتبرت "مسيئة" احتجاجات كثيرة، يرى الخبراء أنّ مثل هذه الهجمات كانت محتملة خاصة بعد أن نشرت مجلة "انسباير"، النشرية الإلكترونية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، في عددها العاشر الصادر في ربيع 2013، قائمة بأسماء وصور 11 شخصية يطلب تصفيتهم، كانت معنونة بـ"مطلوبين أمواتا أو أحياء من أجل ارتكابهم جرائم ضد الإسلام"، وكان من ضمن الأسماء الواردة فيها، مدير شارلي ايبدو، ستيفان شاروبنييه، الّذي تم اغتياله ضمن بقية الضحايا الآخرين في الهجوم الأخير.
ماهي ردات الفعل؟
جرت ردات فعل الرسامين على حادثة باريس في سياق الدفاع عن حرية التعبير، وفق رأيهم. حيث قال الرّسام السويدي لارس فيلكس إنّه "عندما تسلب واحدا من الحصون القليلة لحرية التعبير التي لدينا -وقد سُلب بالفعل منا- فمن سيجرؤ على نشر أي شيء الآن؟"
وكان فيلكس قد وُضع تحت حماية الشرطة بعد أن أدّت رسومه عام 2007، التي نشر فيها صورة لنبي الإسلام في هيئة اُعتبرت "مُسيئة" إلى تهديده بالقتل وإعلان جماعة عراقية مرتبطة بتنظيم القاعدة عن مكافأة مالية قدرها 100 ألف دولار لمن يقتله.
وفي سياق آخر، سبق للرسّام السويدي أن صرّح لوسائل إعلام "أنّ رسم صورة كاريكاتورية للمسيح أو للبابا يكمن أن يُقبل وأن يتمّ نشرها، لكن الصور المتعلقة بالنبي محمد ممنوعة من النشر من قبل كل وسائل الإعلام السوية، وهذا أمر يفرضه الخوف الممزوج باللياقة الاجتماعية"، على حدّ تعبيره.
من جهة أخرى، سبق أن حُكم، في أوائل عام 2014، على امرأة أميركية أطلقت على نفسها اسم "جهاد جين"، بالسجن لمدّة عشر سنوات بتهمة التآمر لقتل فيلكس. غير أنّ فيلكس قال "إنّ حياته المهنية تأثّرت سلبا بسبب المخاوف الأمنية من عرض أعماله عموما، حتى تلك الّتي لا علاقة لها بالإسلام".
بدورهم، تحدث فنانون في مختلف أنحاء أوروبا عن الخوف من أن يؤدّي الهجوم على شارلي ايبدو إلى رقابة ذاتية على "السخرية" من الأديان، وخاصّة الإسلام.
يذكر أنّه السنوات العشر الأخيرة قد شهدت العديد من المشاكل المرتبطة بـ"ازدراء" الأديان، خاصة الدين الإسلامي، والتي برّر أصحابها ذلك بما أسموه "حرية التعبير".
|
قال الروائي سلمان رشدي صاحب رواية "آيات شيطانية" والتي تسبب تأليفها في دفع الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني إلى إصدار فتوى تقضي بإهدار دمه عام 1989، "إنّ عبارة احترام الدين أصبحت عبارة رمزية تعني الخوف من الدين. فالأديان مثل كل الآراء الأخرى تستحق النقد والسخرية والازدراء دون أيّ خوف من جانبنا"، وفق تعبيره.
وكانت صحيفة يلاندس بوستن في الدنمارك قد نشرت 12 رسما كاركاتوريا لشخصيات مختلفة، عام 2005.
رسامو شارلي إيبدو خلطوا بين سلوك المتطرفين المنتمين إلى دين والدين ذاته وهذا لا يبرر بالطبع الإرهاب
وكانت الصحيفة قد قرّرت نشر الرسوم بعد أن انتهى إلى علمها أن كاتبا دنماركيا لقصص الأطفال لم يستطع العثور على رسّام لكتاب ألّفه عن النبي محمد خوفا من الرّدود الانتقامية. لكن نشر الرسوم كان سببا في نقاش واسع في الدنمارك عما إذا كانت الصحيفة قد حرّضت على الكراهية الدينية بهذه الخطوة أم لا.
ويذكر حينها أنّ بعض الصحف كانت قد نشرت الرسوم تأييدا لمبدأ حرية التعبير، غير أنّ أغلب وسائل الإعلام تجنبت نشرها.
وتفاعلا مع حادثة باريس، قال رسام الكاريكاتير الدنماركي المتقاعد، كورت فسترجارد، لمحطة تي. في 2 التلفزيونية الدنماركية عقب الهجوم "أرجو ألا يكون لهذا الحادث أي تأثير سلبي على وسائل الإعلام وألاّ ينتابها الذعر."
هذه الرسوم الساخرة التي تمسّ من رموز دينية، ولئن يزعم أصحابها أنها تتنزل في إطار حرية التعبير، إلاّ أنّ عددا من المراقبين يرون أنها مصدر لتأجيج العنف والمشاعر المعادية، خاصة أنّ الإرهابيين لطالما استعملوها لتبرير أعمالهم الإجرامية ولإضفاء نوع من "الشرعية" على أفكارهم المتطرفة.