الفضاء ساحة مكتظة بالنزاعات والفضلات

الفضاء يعدّ اليوم "ساحة حرب" جرّاء الخلافات على مكان الأقمار في مدار الأرض، والمنافسة في المجالين السيبراني والعسكري بين الدول.
الاثنين 2018/07/23

واشنطن - مضى 49 عاما على تسجيل أول هبوط بشري على سطح القمر، من قِبل رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ.

ومنذ تلك الخطوة التاريخية، دخلت الدول والشركات الخاصة في منافسة كبيرة لإجراء رحلات إلى سطح القمر مجددا.

ويعتبر التنافس في الفضاء من أبرز المجالات التي شهدتها الحرب الباردة، طيلة 44 عاما، بين المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

واستمر التنافس في المجال الفضائي بين المحورين منذ بداية خمسينات القرن الماضي، لتُتوج بنجاح الولايات المتحدة بإرسال أول مركبة فضائية “أبولو 11”، إلى القمر، بتاريخ 20 يوليو 1969.

أشعل الاتحاد السوفييتي فتيل المنافسة في المجال الفضائي، من خلال نجاحه في إرسال أول قمر صناعي “سبوتنيك 1” إلى مدار الأرض عام 1957.

وفي الوقت الذي كانت تسود فيه النقاشات في الوسط الأميركي حيال أن الفضاء سيصبح مسرحا للاستكشافات المستقبلية، أدّى إطلاق الاتحاد السوفييتي للقمر الصناعي “سبوتنيك 1”، إلى حالة دهشة كبيرة في الرأي العام الأميركي.

وفضلا عن القلق الأميركي السائد عقب عملية إطلاق القمر السوفييتي، بخصوص إمكانية الجانب الآخر على جمع معلومات استخباراتية من الأراضي الأميركية، أسفر إطلاق القمر بواسطة صاروخ باليستي أرـ7”، إلى تزايد القلق الأميركي، حيث كان مدى الصاروخ يشير إلى قدرة الاتحاد السوفييتي على استهداف الأراضي الأميركية بالصواريخ النووية.

6 آلاف و600 قمر صناعي أرسلت حول مدار الأرض تحول نصفها إلى فضلات فضائية

بعد النجاح الروسي الأخير، تمكّنت الولايات المتحدة أيضا من إرسال أول قمر صناعي لها “إكسبلورر آي”، إلى مدار الأرض، عام 1958.

وفي نفس العام، أسس الرئيس الأميركي آنذاك، دوايت أيزنهاور، الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء “ناسا”، كما أطلق الرئيس الأميركي في الوقت ذاته، برنامجا فضائيا تابعا لمركز أمني، على أن يعمل البرنامج بالتزامن مع “ناسا”.

وأوكلت مهمة تسيير البرنامج إلى “مكتب الاستكشاف الوطني”، الذي تديره كل من القوات البرية الأميركية، ووكالة المخابرات المركزية “سي.آي.إي”.

قبل زوال دهشة الأميركيين جراء إطلاق الاتحاد السوفييتي أول مركبة فضائية غير مأهولة “لونا 2”، إلى القمر عام 1959، صعّدت موسكو من حدة المنافسة بإرسالها أول إنسان إلى مدار الأرض، وهو الرائد الفضائي يوري غاغارين، بواسطة المركبة الفضائية “فوستوك 1”، عام 1961.

وفي ذات العام، أنتجت “ناسا” عدة مركبات فضائية ضمن إطار مشروع “ميركور”، حيث أرسلت بواسطة هذه المركبات القرود أولا إلى الفضاء، ومن ثم أرسلت رائد الفضاء آلان شيبارد، إلا أنه فشل في الوصول إلى مدار الأرض.

وعام 1962، أصبح جون غلين أول أميركي يصل مدار الأرض، كما أعلن الرئيس الأميركي آنذاك، جون كينيدي عزم بلاده إرسال أول إنسان إلى الفضاء بنهاية الستينات من القرن الماضي.

ورفعت الحكومة الأميركية الميزانية المخصصة لـ”ناسا” في إطار برنامجها أبولو، الرامي لإرسال أول إنسان إلى القمر، وذلك بمعدل 500 بالمئة خلال 3 أعوام.

وبموجب هذه الزيادة، ارتفعت ميزانية “ناسا” من 744 مليون دولار عام 1961 (ما يعادل اليوم 5.9 مليار دولار)، إلى 4.17 مليار دولار (حوالي 32 مليار دولار حاليا)، عام 1964.

وعام 1967، ازدادت ميزانية “ناسا” لتصل إلى 5.9 مليار دولار (ما يعادل اليوم 43 مليار دولار)، لتكون بذلك قد حصلت على أعلى ميزانية لها من حيث القيمة، منذ تأسيسها وحتى اليوم.

وفي عام 1968، نجحت الولايات المتحدة في إرسال أول إنسان إلى مدار القمر عبر المركبة الفضائية “أبولو 8”.

وبعد عام من ذلك وتحديدا بتاريخ 16 يوليو 1969، أرسلت الولايات المتحدة كلا من رواد الفضاء نيل أرمسترونغ وإدوين ألدرين وميشيل كولينز إلى القمر عبر المركبة الفضائية “أبولو 11”.

واستغرقت الرحلة التي جذبت أنظار العالم أجمع حينها، نحو 3 أيام، حيث وصلت المركبة بنجاح إلى القمر بتاريخ 20 يوليو.

وحسب معطيات “ناسا”، فقد أنفقت على برنامج أبولو بتلك الفترة قرابة 20 مليار دولار (ما يساوي 110 مليارات دولار الآن).

شركات عديدة دخلت موضوع السياحة الفضائية، مثل شركة 'فيرجن غالاكتيك' و'بلو أوريجين' وهما تخوضان منافسة محمومة على قطاع مازال جديدا

وساهم نجاح الولايات المتحدة في إرسال أول رائد فضاء إلى القمر، بتخفيض وتيرة المنافسة في المجال الفضائي، حيث أرسل الجانبان في ما بعد الكثير من رواد الفضاء إلى مدار القمر.

وفي عام 1975، نفّذت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مشروعا مشتركا يتضمن التحام مركبة أبولو، مع مركبة سويوز الروسية، تصافح من خلاله الرواد الأميركان والسوفييت في مدار القمر. بعد مضي 49 عاما على إرسال الولايات المتحدة أول رائد فضاء إلى القمر، تحول الفضاء إلى ساحة حرب مكتظة بالأطراف المتنازعة.

ومنذ إطلاق الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي “سبوتنيك 1” إلى مدار الأرض، أرسلت نحو 40 دولة، حوالي 6 آلاف و600 قمر صناعي إلى المدار.

وينشط حاليا في مدار الأرض حوالي 3 آلاف و600 فقط من هذه الأقمار، بينما تحوّلت البقية إلى فضلات فضائية بالمدار.

وتمتلك الصين، والولايات المتحدة، وروسيا إلى جانب الكثير من القوى النامية، أقمارا كثيرة في مدار الأرض.

وفي الوقت الذي يُستخدم فيه الكثير من هذه الأقمار لأغراض مدنية، يجري استخدام تقنيات الفضاء والأقمار الصناعية لأغراض عسكرية أيضا.

ويعدّ الفضاء اليوم “ساحة حرب” جرّاء الخلافات على مكان الأقمار في مدار الأرض، والمنافسة في المجالين السيبراني والعسكري بين الدول.

اتسع حيز المنافسة على المجال الفضائي بين الدول، ليشمل الشركات الخاصة أيضا.

في هذا الإطار دخلت شركات عديدة موضوع السياحة الفضائية، مثل شركة “فيرجن غالاكتيك” التي أسسها الثريّ البريطاني ريتشارد برانسون، والثانية هي “بلو أوريجين” التي أسسها الأميركي جيف بيزوس صاحب شركة “أمازون”، وهما تخوضان منافسة محمومة على قطاع مازال جديدا، وتجريان المراحل الأخيرة من الاختبارات.

ونجحت شركة “سبيس إكس”، خلال مارس الماضي، في إرسال سيارة ماسك، من نوع تيسلا، إلى مدار المريخ.

في حين أجرت شركة “بلو أوريجين”، مؤخرا، الاختبارات التجريبية التاسعة على صواريخها وكبسولاتها الفضائية التي ستستخدمها في السياحة الفضائية.

20